مصر بعد الثورة لم تختلف عندهم عما قبلها.. هم أهل الدويقة الذين لا يزالون يحيون تحت الأنقاض.. ينتظرون الموت في كل لحظة وسط تبريرات للمسئولين بأن الأهالي هم من يختارون الحياة هناك، لكن أطفال اليوم وشباب المستقبل يرفضون البقاء مهمشين وسط مجتمع رفع ضمن أهداف ثورته “,”عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية“,”. بالدويقة أطفال يلعبون في الصخور، ويهربون من الحشرات السامة، ومع هذا فهم لا يختلفون عن أطفالنا، لديهم طموحات وآمال، أقلها ألا يموتوا تحت أنقاض الجبل المظلم. الدويقة قنبلة موقوته لثورة جديدة، ستطيح بحكومات لم تنظر للمهمشين من سكان العشوائيات، ولم تراع أحلامهم البسيطة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. «دعاء فتحي» فتاة بعمر الثانية عشرة، بالصف السادس الابتدائي، واحدة من أهل الدويقة، ولدت وعاشت بمنطقة «الشهبة» بالدويقة، تحيا في بيت تهدده التصدعات التي ظهرت بالجبل منذ ثلاثة أشهر، تحب مدرستها، وتتمنى أن تصبح طبيبة أطفال؛ لتساعد كل مريض ومحتاج. ما تعرفه دعاء عن الحكومه أنها ظالمة وتهين المواطنين، دعاء لم يتعد علمها عن أحداث الثورة سوى ما شاهدته في التليفزيون من أحداث، تلخص الثورة في أنها قلبت البلاد رأسًا على عقب، والشباب يموت في ميدان التحرير. وترى أن المذنب هو الحكومة التي لا تعطي للمواطن حقه، ولا تنصر مظلومًا، وتفعل ما تريده دون أن تهتم برغبة الشعب، متمنية نجاح الثورة في تحقيق مطالبها؛ حتى يتنسى لسكان الدويقة أن يستريحوا من عنائهم . دعاء كل مناها أن تذهب لحديقة الحيوان، أو أي حديقة أخرى، مثل كل الأطفال، ترفه عن نفسها، وتشعر أنها طفلة مثلهم، تريد أن تترك الشهبة، وتشم هواءً نظيفًا؛ فكل ما بالمكان يخيفها؛ الجبل المتصدع الذي تتوقع سقوطه في أي لحظة، وتخرج من شقوقه الثعابين والعقارب التي تخاف من لدغاتها، وتراها تزحف حولها، ويهرول الكبار لقتلها، تسمع عن أطفال تُخطف وتُقتل دون تدخل أمني يحمي حياتهم . من أمنيات دعاء أيضًا أن تصلي، فهي كانت تواظب على الصلاة، لكن أزمة الحصول على المياه منعتها من الصلاة، وأحيانًا من ذهابها للمدرسة. وقد وصفت دعاء أزمة المياه بأنها ترعبها؛ فالأهالي يتشاجرون على المياه، وفي الغالب تستخدم أسلحة مختلفة، من بيضاء إلى نارية؛ للحصول على حصة من الماء، وهذا ما يعرض عددًا من الأهالي لإصابات خطرة، وأحيانًا الموت، في سبيل نقطة ماء . دعاء تخفي عن صديقاتها مكان إقامتها في الدويقة، فبماذا تبرر سكنها تحت سفح جبل وسط حشرات وأخطار؟ ومن هنا تزداد أمانيها بالانتقال للعيش في مكان نظيف تفتخر بإخبار صديقاتها عنه دون خجل، وتتمنى أن يشعر باقي الناس بما يعانونه من حياة قاسية في حضن الجبل. مصر بالنسبة لها هي بلدها التي تتمنى لها كل خير، وتطلب منها أن تتركهم يحيون ويتعلمون، وأن يكون لها دستور يعبر عنهم، وكل ما تفهمه عن الدستور الجديد أنه يريد إخراج الفتيات من التعليم، ويزوجهن في سن صغيرة، وهو ما رأته ظلمًا؛ فللمواطن الحق في اختيار مصيره دون أن تفرضه الحكومة عليه. دعاء تتمنى أن تَعزل الثورةُ الجديدة التي اندلعت الرئيسَ الجديد محمد مرسي؛ فهي تراه لا يشعر بما يعانيه باقي أفراد الشعب، ويبيع المواطنين ومصالحهم من أجل جماعة الإخوان.