لم تقدم قمة قادة حلف الاطلنطى التى عقدت على مدى يومى أمس وأمس الاول بنيوبورت ببريطانيا، بحضور ستين من زعماء العالم ورؤساء الدول والحكومات بالاضافة الى أربعة ألاف مندوب ، لم تقدم جديدا فى القضية الاوكرانية وأكتفى المجتمعون بفرض عقوبات اقتصادية جديدة على روسيا لتعرضها لسيادة اوكرانيا . لاتزال خيارات حلف الأطلنطى إزاء روسيا محدودة في غياب توافق للتدخل بشكل مباشر في أوكرانيا، وكان من المتوقع أن تشكل قمة الحلف مناسبة لإعادة التأكيد على مبادئه ، الازمة الاوكرانية لم تفرض نفسها أو تهيمن على أعمال القمة كما كان متوقعا. لم يتخذ قادة وزعماء الحلف قرارا حاسما بشأن التعامل مع الازمة الاوكرانية كأن يقرر تسليح أوكرانيا أو يعلن عن تدخل عسكرى مباشر فيها ، فقد احتل موضوع مكافحة الارهاب ، و عمليات داعش في العراق وسوريا,والقضاء على هذا التنظيم اولوية على مائدة البحث والنقاش ، وكذلك موضوع الحدود التركية ، واستمرار تداعيات الربيع العربى ، وتقليص مهمة حلف شمال الاطلنطى في أفغانستان والتحدي لإنشاء مهمة طويلة الامد هناك ، والمخاوف المتصاعدة بشأن تهديدات الانترنت ، والنزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبى ، ومكافحة فيروس الإيبولا ، وزيادة الكوارث البيئية ، بالاضافة الى العديد من القضايا الفرعية فبدى القادة كمن يحاول الوقوف أمام سيل من الازمات. اعتبر قادة الحلف هذه القمة التى افتتحها رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون أنها احدى اهم القمم فى تاريخ الناتو ، لاسيما أنها تأتى فى وقت تبدو فيه العلاقات مع موسكو على قدر كبير من التوتر بسبب تداعيات الازمة الاوكرانية على خلفية المخاوف من اندلاع نزاع واسع النطاق. لقد اصطدم النظام العالمي مرة اخرى بجدار الكرملين وبالتحدي الذي تمثله روسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، الذى يسعى لتكوين اتحاد سوفيتى جديد وأعادة موسكو كقوة عظمى قادرة على التحكم فى مجريات الامور في هذا العالم، فمنذ دخول بوتين دائرة السلطة في موسكو عرقلت روسيا السرعة التي كان يسير بها النظام العالمي الجديد في ضم ما تبقى من مساحة القارة الأوروبية عبر ما يعرف اليوم بالاتحاد الأوروبى . وبما ان القدرات العسكرية الضخمة للاتحاد السوفيتى السابق كانت سببا فى ولادة حلف شمال الأطلنطى عند انتهاء الحرب العالمية الثانية ، فان سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتى كانا الدليلين القاطعين على نصر مدو لهذا النظام الذى مهد لقضم المزيد من الاراضي الأوروبية وضمها تحت لوائه ، إلا إن الأزمة الأوكرانية شكلت امتحانا عسيرا لهذا النظام ، لانها تمثل النقطة الجغرافية التي تقف عندها اليوم حدود الدول الموالية للنظام العالمى الجديد في النصف الشمالى للكرة الارضية ، كما أنها الجرح الذي اعيد فتحه بين طموحات الدول الغربية والنفوذ العسكري لموسكو الذى سبق وأن أدى الى ولادة حلف شمال الأطنطى (الناتو) فى عام 1948 للحماية من هذا النفوذ . استبعاد الحرب كان متوقعا ، حيث لم يتخذ القادة قرار بشأن أى تدخل عسكري مباشر إذ لم يحظى هذا الخيار بدعم داخل الحلف ولن تقوم أية دولة بذلك لوحدها ، وقانونا فإن الحلف ليس ملزما بالتدخل فأوكرانيا ليست عضوا ولا يمكنها الاستفادة من البند الخامس من "الدفاع المشترك"الذي ينص على التزام الدول الأعضاء بالدفاع عن أي من الأعضاء في حال تعرضه لهجوم. كما كان موضوع التسليح ايضا مستبعدا ، فالحلف ليس لديه قوات أو جنود، وإنما الدول الأعضاء فيه هي من يضع قواتها أو أسلحتها بتصرف الحلف ، وأوكرانيا تقوم حاليا بالتقدم بمطالب في عدة مجالات والدول الأعضاء هي من يمكنها أن ترد وليس الحلف وذلك على أساس ثنائي». وافق قادة الدول ال 28 الأعضاء فى الحلف على تشكيل قوة انتشار سريع تتيح وبسرعة كبيرة نشر "عدة آلاف من الجنود" جوا وأرضا وبحرا وقوات خاصة في أوروبا الشرقية ، و سيتطلب ذلك منشآت على أراضي الحلف وتجهيزات ومعدات موجودة مسبقا بالإضافة إلى خبراء في الشئون اللوجستية وفي القيادة . أوكرانيا تريد إعادة إطلاق برنامج انضمامها إلى الحلف الأطلنطى الذي أوقفه في 2010 نظام فيكتور يانوكوفيتش المؤيد لروسيا ، حيث تم الترحيب بانضمام أوكرانيا للحلف خلال قمة بوخارست التى عقدت في عام 2008 مماأثار وقتها غضب موسكو ، إلا أن عملية الانضمام تتوقف على قدرة أوكرانيا على القيام بالإصلاحات الضرورية ، وأن تتكيف مع معايير الحلف وتفى بكل شروطه وهو ما يعنى عدم الانضمام بشكل سريع. حلف الاطلنطى كان قد اوقف أي تعاون عملى مع روسيا منذ ضمها للقرم في مارس الماضى ولطمأنة دول شرق أوروبا، وسع الحلف نفوذه قرب حدود روسيا واتخذ عدة إجراءات ، حيث تم مضاعفة عدد المقاتلات التي تحلق فوق دول البلطيق ، ونشر سفن في البحر الأسود وبحر البلطيق، بالإضافة إلى طائرات أواكس الاستطلاعية، كما تم تكثيف المناورات العسكرية في شرق أوروبا. الامر الذى أدى الى أعلان نائب رئيس مجلس الامن الروسى ميخائيل بوبول عن تعديل العقيدة القتالية فى الجيش الروسى بحلول نهاية العام ، للاخذ فى الاعتبار التهديدات الجديدة التى ظهرت مؤخرا مما يعيد للاذهان حقبة الحرب الباردة . الخوف من مطامع الاتحاد السوفيتى القديم ، والاستقرار والامن كانا الهاجس الأكبر للدول الأوروبية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية ، والعوامل الثلاثة كانت سببا لولادة الناتو ، ورغم ذلك نشأت علاقة بينه وبين وروسيا منذ عام 1991، بشكل اوتوماتيكي منذ اتخذت روسيا شكلها السياسي والجغرافي الحالى ، وتقربت روسيا من الحلف بتوقيعها عام 1994 على اتفاق " الشراكة من اجل السلام"، وفي قمة للحلف استضافتها باريس عام 1997 أعلن الروس والغربيون انهم من الآن فصاعدا ليسوا خصوما انما شركاء ووضع الطرفان خارطة عمل مستقبلية لتعزيز أطر التعاون وتنسيق الجهود الامنية وتوطيد العلاقات المشتركة. وبعد احداث 11 سبتمبر 2001 واعلان الولاياتالمتحدة الاميريكية وحلفائها الحرب على الارهاب العالمي بدت للروس ثغرة يمكن من خلالها اطلاق مرحلة جديدة في علاقتهم مع الأطلسيين وهو ماحدث في قمة الناتو التى عقدت فى عام 2002 في العاصمة الايطالية روما حيث اعلنت ولادة مجلس روسيا الناتو الذي تم من خلاله طرح الهواجس الامنية لدى الطرفين ووضع استراتيجية مشتركة لمكافحة الارهاب. و برهنت روسيا عن حسن نواياها في هذا السياق بتسهيل مرور ونقل معدات القوات متعددة الجنسيات المشاركة في الحرب في افغانستان واثنى الجانبان على الايجابية التي لعبها مجلس روسيا الناتو في تطوير العلاقات الدبلوماسية والامنية بينهما وهذا ما اكده زعماء دول الناتو في قمة بوخارست برومانيا فى 2008. العلاقة بين الطرفين ما لبثت ان تعرضت لنكسة جراء اندلاع الحرب الروسية الجورجية في صيف العام نفسه واعتراف روسيا بمنطقتي اوسيتيا الجنوبية وابخازيا التابعتين لجورجيا كدولتين مستقلتين، وعندها أتهم الامين العام للحلف اندرس فوج راسموسن موسكو بانتهاك قرارات مجلس الامن، والثقة الهشة بين روسيا والناتو ما لبثت ان اهتزت مجددا على خلفية اجتياح القوات الروسية لشبه جزيرة القرم واتهام موسكو الغرب بمؤامرة انقلابية اطاحت بالرئيس الاوكرانى المخلوع . وعلى الرغم من هذه الخلافات، الا ان العلاقة بين الطرفين شهدت تقدما ملموسا منذ عام 2009 بسبب التقارب الاقتصادي والتجاري بين روسيا ودول كبرى اعضاء في الحلف مثل المانيا التي اقترحت فى عام 2010 انضمام روسيا الى الناتو ، وفي عام 2011 أجرت القوات الروسية والأطلسية للمرة الاولى مناورات عسكرية مشتركة شاركت فيها مقاتلات جوية من الطرفين سبقتها تدريبات مشتركة لغواصات ، إلا إن هذا التقارب لم يكن محط اعجاب القوميين الروس المتطرفين وبقايا التيارات الشيوعية في روسيا وقاموا بمظاهرات فى عام 2012 مطالبين بوضع حد لهذا التقارب الروسي مع الاطلنطى .