"الهولوكوست" الفلسطينى

إذا كانت كلمة "الهولوكوست" تعنى لغوياً وفق أصولها اليونانية تقديم القربان للآلهة من الحيوانات، فإنها – أى هذه الكلمة- أصبحت تستخدم للدلالة على جريمة الإبادة لعرق من الأعراق أو جنس من الأجناس أو جماعة بشرية بسبب لونها أو ديانتها أو ما دون ذلك من صفات.
استحوز اليهود والصهيونية على مصطلح "الهولوكوست" لتوصيف جرائم النازى التى ارتكبها في حق اليهود إبان الحرب العالمية الثانية عبر أفران الغاز ومعسكرات الاعتقال فى بعض البلدان الأوروبية التى سيطر عليها النازى خاصة فى بولندا.
صنعت الصهيونية من هذه الجريمة نمطاً استثنائياً من الجرائم – وهو كذلك بالفعل- لشعب استثنائى بطبيعته هو اليهود من وجهة النظر الصهيونية، أسبغت الصهيونية وإسرائيل طابع الفرادة لليهود فهم الوحيدون دون بقية الجماعات الذين تعرضوا لهذه الجريمة النكراء.
استخدمت الصهيونية هذه الجريمة لابتزاز العالم بعد الحرب العالمية الثانية خاصة أوروبا وألمانيا تحديداً وإجبار هذه الأخيرة على دفع تعويضات كبيرة لأحفاد وأسلاف الذين خضعوا لهذه الجريمة، وكذلك لدولة إسرائيل التى تزعم أنها تمثل يهود العالم وتعبر عن مطالبهم.
الآن أصبحت الضحية- أى اليهود ممثلين فى إسرائيل- تقوم بتقليد الجلاد النازى، حيث تقوم إسرائيل فى عدوانها على غزة المستمر حتى الآن فى قتل الأطفال والنساء والشيوخ فى مجازر عديدة أدانها العالم كله والرأى العام فى عديد من البلدان الغربية.
وهذا العدوان على غزة ليس استثناء فى تاريخ الدولة الإسرائيلية، فمنذ نشأتها فى عام 1948 وقبلها وهى ترتكب المذابح والمجازر فى حق الشعب الفلسطينى فى دير ياسين وقبية وكفر قاسم وغيرها من المذابح والمجازر فى حق الشعوب العربية المجاورة.
والسؤال الآن ألا يحق للشعب الفلسطينى وللشعوب العربية أن تطالب المجتمع الدولى ومؤسساته المختلفة بانطباق مفهوم "الهولوكوست" على الشعب الفلسطينى من خلال توثيق الجرائم التى ارتكبتها إسرائيل فى حق أبنائه عبر هذه العقود؟ ألا يحق للشعب الفلسطينى أن يطالب العالم بمعاملته باعتباره الضحية الأولى بعد أن تحولت إسرائيل عن شغل هذه المكانة وانتقلت إلى موقع الجلاد ومحاكاة مضطهديه من النازيين.
لقد طالب الأرمن بانطباق مفهوم "الهولوكوست" على المذابح التى وقعت لهم فى تركيا عام 1915 أسوة باليهود واعترف لهم البرلمان الأوروبى بذلك فى وثيقة صدرت عنه.
يمكن لمنظمات المجتمع المدنى الحقوقية والقانونية التمهيد لهذا الطلب عبر توثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلى وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التى ارتكبتها إسرائيل بالتعاون مع منظمات المجتمع المدنى الفلسطينى والمجتمع المدنى العالمى وتشكيل تحالف دولى من حركات مناهضة العولمة المتوحشة ومناصرى حقوق الإنسان فى جميع أنحاء العالم لدعم النضال القانونى والإنسانى والسياسى للشعب الفلسطينى.