سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الأوقاف» تجمع فتاوى وآراء علماء الأزهر لتأييد دعوتها لتقنين العمرة.. النجار: يجوز لولي الأمر فرض حالات استثنائية بسبب الظروف الاقتصادية.. الجبالي: الوقت الحالي يحتاج منا إلى فقه الأولويات
قامت وزارة الأوقاف، بجمع العديد من آراء علماء الأزهر والمتخصصين في مجال السياحة، المؤيدين لدعوة وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، لتقنين العمرة. ووفقا لبيان الوزارة، فقد جاء على رأس المؤيدين الدكتور محمد عبدالستار الجبالي، أستاذ ورئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الأزهر، وعضو اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة، حيث قال: إن الوقت الذي نمر به الآن، يحتاج منا إلى العمل بفقه الأولويات، الذي يقصد به وضع كل شيء في مكانه بالعدل من الأحكام، ثم يقدم الأولى فالأولى، بناءً على معايير شرعية صحيحة، يهدي إليها نور الوحي ونور العقل، فلا يقدم غير المهم على المهم، والمهم على الأهم، ولا المفضول على الفاضل، بل يقدم ما حقه التقديم، ويؤخر ما حقه التأخير، بل يوضع كل شيء مكانه، لقول الله تعالى: "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ"، وقد أفادت الآية الكريمة أن هناك تفاوتًا واضحًا معترفًا به بين أفعال الطاعات. كما أشار الجبالي، إلى أن صحابة رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، كانوا حريصين كل الحرص على أن يُرتّبوا الأولى من الأعمال، يتقربون بها إلى الله، ولهذا كثرت أسئلتهم عن أحب الأعمال وأفضلها، موضحًا أن من ينظر بنظرة فاحصة في الوضع الحالي الذي نحن بصدده الآن، يجد ميزان الأولويات مختلًا كل الاختلال، الأمر الذي يؤدي إلى فجوة كبيرة في المجتمع، والمثال على ذلك كثرة بناء المساجد في أماكن مكتظة بالمساجد، وموسم الحج والعمرة من كل عام، نرى أعدادًا غفيرة من المسلمين يحرصون على شهود الفريضة متطوعين، وقد تنبأ عبدالله بن مسعود بما سيحدث في زماننا عندما قال: في آخر الزمان يكثر الحج بلا سبب، يهون عليهم السفر ويبسط لهم في الرزق، وربما يرجعون محرومين مسلوبين، وجار لهم مأسور يحتاج المواساة. وكان من بين المؤيدين، الدكتور عبد الله النجار، عميد كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر، وعضو مجمع البحوث، حيث ذكر أن فريضة الحج التي فرضها الله سبحانه وتعالى على القادر مرة واحدة في العمر، تحولت الآن إلى فريضة سنوية للقادرين كوسيلةٍ للوجاهة والتميز الاجتماعي، وتحولت لدى البعض إلى رحلة سنوية، كالذهاب إلى المصايف مثلا، وذلك بدلًا من توفير الحد الأدنى لأسباب الحياة الكريمة للفقراء، والذي يعد واجبًا على كل قادر بأن يؤدي أمواله في المواطن التي يجب أن تؤدى فيها، وهي مواطن الخلل الاجتماعي الذي يكاد أن يطيح بكرامة الفقراء ويحطم إرادتهم، والأولى أن تنفق هذه الأموال على الفئات الفقيرة، والتي من شأنها أيضًا تصحيح عبوديتهم لله عز وجل، وأن تحرر إرادتهم واختيارهم بدلًا من أن يصبحوا فريسة لمن يدفعون لهم الأموال، حتى ولو كان "كيلو سكر وزيت" لشراء أصواتهم الانتخابية. وأضاف: أن إنفاق هذه الأموال لدعم الفقراء، يدرأ فسادًا كبيرًا عن البلاد والعباد، ويجب أن يكون عند المسلمين وعي في ترتيب أولويات إنفاقهم؛ لأن الأمم التي سبقتها قامت بمراعاة تلك الأولويات، حيث وجهوا الأموال نحو مصارفها الصحيحة واكتفاء الناس في الدنيا أحب إلى الله من وفود بعض القادرين إلى حرمه الشريف، بينما إخوانهم في البلاد التي أتوا منها يتضورون جوعًا، وكفى سفهًا في إنفاق المال. كما لفتت وزارة الأوقاف، إلى رأي الدكتور سعيد عامر، أمين عام لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، الذي قال: إن الشرع الحنيف بروحه وأهدافه لا يقر أن توجه أموال طائلة في مندوب من المندوبات في الوقت الذي فيه واجبات تحتاج إلى هذه الأموال. كما أوضح الشيخ عبد العزيز النجار، مدير عام شئون المناطق بمجمع البحوث الإسلامية، إنه يجوز لولي الأمر فرض حالات استثنائية، نظرًا للظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وفكرة تقنين الحج والعمرة هي فكرة موجودة داخل المملكة العربية السعودية، ولما نمرُّ به من حالة اقتصادية سيئة، فنحن نؤيد وننادي بفكرة التقنين في الأعوام القادمة، فلا يجوز لأحدٍ أن يحج أو يعتمر إلا كل خمس سنوات على الأقل؛ حتى نترك المجال والساحة لمن يريد أن يذهب، ولا يستأثر بها الأغنياء فقط دون غيرهم، كذلك بالنسبة للعمرة فهناك من يؤدي العمرة أكثر من مرة في العام، ويضيع على الكثيرين، وتقنينها أمر ضروري، وبالتأكيد هذا يعتبر فترة استثنائية فلا بأس بهذا أبدًا نظرًا لظروف بلادنا الاقتصادية والاستثنائية لتوسعة الحرم. من جانبها، قالت الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر: إن دعوة وزير الأوقاف لتقنين سنوات العمرة من باب حق ولي الأمر بتقنين المباح، وذلك لما تقتضيه مصلحة البلاد". كما لفتت وزارة الأوقاف، إلى رأي إلهامي الزيات، رئيس اتحاد الغرف السياحية، الذي أكد أن الدعوة التي أطلقها وزير الأوقاف عملًا إيجابيًا ووطنيًا، ويجب على الدولة تنفيذه، فنحن في ظل الظروف التي نمر بها أولى بكل دولار يخرج خارجَ مصر، فالإصرار من جانب البعض على أداء العمرة كل عام استنزاف للاقتصاد المصري، فالعمرة ليست بعدد المرات، ولكن بالتقوى، وهل الدين أمَر المسلمين ببيع ممتلكاتهم لأداء العمرة كما يفعل البعض؟، هذا لم يحدث، ومرة واحدة في العمر تكفي، مضيفًا: أعرف جيدًا أن كلامي سيُغضِب أصحاب شركات السياحة، ولكنني أتحدث عن المصلحة الوطنية التي أضعها فوق كل اعتبار، ولا بد أن يتحمَّل الجميع دوره في التضحية، وليس برفع شعارات فقط تتردد في وسائل الإعلام. من جهته، أوضح وزير الأوقاف، أنه يرحب بهذا الخلاف الفقهي، ويتسع صدره للرأي المخالف، مشيرًا إلى أن ما ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة، وما أجمعت عليه الأمة وصار معلومًا من الدين بالضرورة؛ كأصول العقائد وفرائض الإسلام من وجوب الصلاة، والصيام، والزكاة، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، كل ذلك لا مجال للخلاف فيه، فهي أمور توقيفية لا تتغير بتغيّر الزمان ولا المكان والأحوال، فمجال الاجتهاد هو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي، يقول الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه المستصفى: ووجوب الصلوات الخمس والزكوات وما اتفقت عليه الأمة من جليَّات الشرع، فيه أدلة قطعية يأثم فيها المخالف، فليس ذلك محل الاجتهاد، مضيفًا: إننا ننظر بكل التقدير والاحترام لآراء الأئمة المجتهدين، الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، ومن كان على شاكلتهم من العلماء والفقهاء، ونرى أنهم جميعًا أهل علم وفضل، بذَل كل منهم وسعه في الاجتهاد والاستنباط، وتلقت الأمة مذاهبهم بالرضا والقبول. وقال جمعة: نؤمن أيضًا أن بعض الفتاوى ناسبت عصرَها وزمانها، أو مكانها، أو أحوال المستفتين، وأن ما كان راجحًا في عصر وفق ما اقتضته المصلحة في ذلك العصر، قد يكون مرجوحًا في عصرٍ آخَر إذا تغير وجه المصلحة فيه، وأن المُفتَى به في عصر معين، وفي بيئة معينة، وفي ظل ظروف معينة، قد يصبح غيره أولى منه في الإفتاء به إذا تغيَّر العصر، أو تغيَّرت البيئة، أو تغيَّرت الظروف، ما دام ذلك كله في ضوء الدليل الشرعي المعتبر، والمقاصد العامة للشريعة. ومع ذلك لفت وزير الأوقاف إلى أن قضية التقنين وعدم التقنين، ليست من سلطة العلماء تنفيذها، فهم أهل دعوةٍ ورسالة ورؤية يضَعُونها تحت نظر السلطة التشريعية، وهذه السلطة التشريعية هي صاحبةُ السلطة التقديرية للأمور، ولها عند التقنين أن تأخُذ بالرأي أو لا تأخذ به، ولها أن تستطلع آراءَ العلماء والفقهاء والمؤسسات المعتبَرة، وتُقدِّرُ ما تقتضيه المصلحة، فتختار من بين الآراء المتعددة ما تراه مناسبًا للظروف الراهنة والمصلحة الوطنية، ما دام له سند فقهي معتبر، غير أن الذي نسعى إلى تأصيله هو ضرورة القراءة الجديدة لكل القضايا القابلة للاجتهاد، بلا جمود أو تحجر عند بعض الآراء التي ناسبت عصرها وزمانها وبيئتها.