بمقدمة للروائي المصري، ناصر عراق، صدر حديثًا للكاتب الصحفي رحاب الدين الهواري، أحدث كتبه "القلم وما يسطرون" عن مؤسسة رهف للنشر والتوزيع، رسوم الغلاف للفنان خضر حسن. الكتاب يبدو مختلفًا.. لا لأنه يغوص في نفوس كوكبة مختارة من مبدعينا فحسب، وهو أمر مهم ومطلوب لا ريب، بل لأن صاحب الكتاب صحفي، استثمر مهاراته في فن القصة القصيرة ليستعرض أفكار وآراء الذين يحاورهم بحس إبداعي، عسى أن نفهم ما حدث وما يحدث لنا وبنا، وعسى أن ينتفع بهذه الأفكار وتلكم الآراء كل قارئ أو مسئول أو حاكم، خاصة إذا عملنا أن الكتاب جمع بين مفكرين وسياسيين منهم جلال أمين وشريف حتاتة، وعبد الرحيم على، ومبدعين كبار مثل خيرى شلبي ومدحت الجيار وناصر عراق، وسلوى بكر وسهير المصادفة، وزين عبد الهادي، ومن جيل الشباب، أشرف عبد الشافي وفاطمة وهيدي وحسن الحلوجي، لإضافة ل"عم محمد كامل" أشهر قارئ في مصر . "القلم وما يسطرون"، بحسب ما وصفه ناصر عراق، في المقدمة: "كتاب بمثابة مرجع لعصر، وشهادة على زمن، تمكن فيه رحاب الدين الهواري من أن يناقش 12 مثقفًا مصريًا يمثلون قوس قزح في سماء الإبداع العربي، فمنهم القاص ومنهم الشاعر ومنهم السياسي.. ومنهم من ينتظر! أجل.. ينتظر اللحظة المناسبة ليغادر بستان الشعر الذي استقر فيه طويلا ليبحر في نهر الرواية، أو يهجر النقد ليجوب أدغال الفكر، أو يحوم حول فضاءات الفلسفة، فالمجموعة التي انتقاها رحاب بعناية تعد موجزا للنخبة المصرية الضخمة بكل تألقها وعنفوانها وحضورها. من أبرز مزايا هذا الكتاب أن صاحبه أجرى هذه الحوارات في عهدين مختلفين، فبعضها تم قبل ثورة 25 يناير 2011 المجيدة، أي في الزمن البائس لمبارك ونظامه، وبعضها أجريَ بعد أن استطاع المصريون طرد حسني مبارك من عرين الرئاسة، الأمر الذي يعطي لنا صورة كاملة عن آراء عينة من المثقفين المصريين في أوقات سياسية واجتماعية متباينة، كما تكشف هذه الحوارات بوضوح كيف انحاز عدد كبير من النخبة المصرية الشريفة إلى حقوق هذا االشعب في أن ينال حظوظه المشروعة في حياة كريمة تتكئ على العدالة والحرية. أنت تعلم أن الحوار مع أي مفكر أو مبدع – مهما بلغت شهرته أو حضوره - لن يكون مثيرًا وممتعًا لو أن الصياغة جاءت باهتة.. ركيكة.. خالية من الحرارة، ورحاب الدين الهواري عرف كيف يصوغ حواراته بلغة رشيقة يمتزج فيها السؤال العميق بالأسلوب الرشيق، فتجد القارئ يقبل على قراءة الحوار بذهن متفتح وروح شغوف. خذ عندك هذه القطعة الأدبية الجميلة التي كتبها المؤلف حين قرر أن يحاور "عم محمد أمين"، لتعرف مقدرة هذا الصحفي اللمّاح في امتلاك أصول الصنعتين: الصحافة والأدب. يقول رحاب: (في نقابة الصحفيين هبّ الدكتور عبد المنعم تليمة واقفا لاستقبال الرجل استقبال الفاتحين.. وفي ورشة الزيتون وأتيليه القاهرة.. انهالت عليه قبلات وأحضان صفاء وفاطمة وسهى وابتهال وريم.. ولأنني كنت أخشى أن يفضحني جهلي بقيمة الرجل، لم أسأل مَنْ هو؟ منتظرًا أن يعرفني عليه صديق، فأسمع لقب.. الناقد الكبير.. الأستاذ الدكتور.. الفنان المبدع.. أو غيرها من سلسلة الاستهلالات الفارغة التي صارت "زمبيلا" على رءوس طهاة الإبداع في بلدي. أخرجتني هويدا صالح من تلك الورطة، وهي تهمس في أذني: "ده عم محمد كامل".. يا سبحان الله.. عم محمد كامل وبس".. هكذا تعرفت على أشهر قارئ في مصر.. نبت رباني خالص في أرض استفحل فيها النبت الشيطاني.. ابتعدت عن عقله وقلبه كل أمراض المثقفين، ولكن جسدًا نحيلا هزيلا وسبعين عامًا يحملها على ظهره تؤكد أن الرجل خارج لتوه من غرفة العناية المركزة). ويختتم ناصر عراق مقدمته قائلا: عندي ملاحظة جديرة بالتذكير وهي أن حوارات هذا الكتاب قد نشرت كلها بامتداد ستة أعوام في عدة صحف مصرية وعربية (2008/ 2014)، وأن هذه الحوارات – برغم تنوع أبطالها واختلاف الأسئلة وتعدد الإجابات – إلا أنها كلها تدور في رحاب البحث العميق عن الحق والخير والجمال، والكشف عن خبايا وأسرار الشخصية المصرية في لحظات نبلها وألقها، أو في ساعات تعاستها وإحباطاتها. تبقى كلمة أخيرة في النهاية.. إذا كان عباس العقاد قد أجرى أول حوار في الصحافة المصرية مع سعد زغلول عام 1906، فإن رحاب الدين الهواري يعد الابن البار للمحاور الأول الذي يدرك جيدًا أن الإجابة السديدة تكمن في دقة السؤال وصوابه! أرجو ألا تظن أنني أسجل هذا الكلام من باب (يشكر السوق مَنْ ربح)، فهذا غير صحيح بالمرة، ذلك أن (القلم وما يسطرون).. كتاب بديع.. مثير.. ممتع.. وهذا هو المراد من كل عمل إبداعي، وما بين يديك الآن عمل إبداعي أنيق ومشرق.. وهذا يكفي.