الجميع في مصر يعلم مدى إعجاب العالم بالحضارة الفرعونية ويرى كيف يقف العالم بجميع جنسياته من الشرق والغرب منبهرا بتلك الحضارة التي تمكنت من الصمود آلاف السنين رغم معاول الهدم التي نالت منها الكثير والكثير. بل ما وصل إلينا منها والذي بين أيدينا ربما لا يتعدى 1/ 1000 من حقيقة هذه الحضارة، فعندما دخل عبدالعزيز بن مروان إلى مصر حاكمًا لها في ظل حكم بني أمية تجول فيها ووقف مبهورًا بجمالها وبجمال الآثار الفرعونية، خاصة الأهرامات، وفي كل مكان وقف فيه كان يبدي إعجابه وانبهاره الشديد وتعجبه من قدرة المصريين القدماء “,”الفراعنة“,” على هذا الإبداع الذي ليس له مثيل في العالم، حتى يومنا هذا، فقال له مرافق: أتعجب من آثار الفراعنة؟ قال له: نعم، إن إعجابك هذا جاء بعد قول الله تعالى: “,”ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون“,”، فما بالك لو رأيتها قبل التدمير! ولعل علماء الآثار وعلماء التاريخ ما زالوا يتحيرون في معرفة كثير من أسرار الفراعنة، كفن التحنيط والطب والفلك والهندسة البارعة التي تشهد عليها الأهرامات المعجزة والمعابد التي لا مثيل لها على وجه الأرض، ولعل سبب حيرتهم هو فقدان الوثائق المدونة التي ترشدهم إلى حقيقة هذه الأمور، والحلقة المفقودة التي يبحث عنها العلماء هو تعرض ذاكرة هذه “,”الأمة الفرعونية “,” للدمار. وبالتالي فإن العلماء يبحثون عن المستحيل. والتاريخ يروي لنا عن إحراق مكتبة الإسكندرية التي كانت “,”ذاكرة“,” هذه الحضارة، وتضم عشرات الألوف من أوراق البردي الهامة التي تتكلم عن كل فنون هذه الحضارة، والتى حرقت وسرقت حتى إنه جاء فيما كتب عن إحراق مكتبة الإسكندرية، أن الأهالي عندما استولوا على آلاف الوثائق من أوراق البردي استخدموها كوقود للأفران في البيوت. واستمر الناس يستخدمون تلك المخطوطات النادرة كوقود للأفران على مدار عام كامل، ولك أن تتخيل القدر الهائل الذي تم حرقه واندثرت معه معالم أهم الحضارات التي عرفها التاريخ. فتدمير ذاكرة الأمم يبدأ بتدمير الوثائق الهامة التي تحفظ لهذه الأمة تاريخها كيلا يضيع ولا يُزيف. ولعل من الأهمية أن نذكر أن إسرائيل كانت تدرب مجموعات من الكوماندوز على احتلال متحف بغداد أثناء الغزو الأمريكي للعراق، وكانت مهمة هذه القوات الاستيلاء على كل ما يخص الأمة اليهودية وخاصة الآثار المتعلقه بالأسر البابلية والأسر الأشورية لليهود؛ لأن اليهود تعرضوا للدمار مرتين على أيدي الفرس والعراقيين، وسمي التدمير الأول الأسر الأشوري، وهناك لوحة في المتحف تصور ملك أشور “,”العراق“,” وهو يستعرض السبايا من اليهود، والتدمير الثاني على يد “,”بخت نصر“,” الملك الفارسي، ويسمى الأسر البابلي، فكانت مهمة هذه الفرقة هى الاستيلاء على كل ما يتعلق بأمة اليهود في متحف العراق، ثم سرقة وتدمير باقي الآثار العراقية، فسرقوا الآثار المتعلقة باليهود، لحفظ ذاكرة هذه الأمة وتاريخها، ودمروا آثار العراق لتزييف ذاكرتها وتاريخها، فقطعها عن ماضيها لا يضمن لها مستقبلا. وهكذا، فالأمم التي تفقد ذاكرتها لا ضمان لمستقبلها، والذي تتعرض له مصر الآن هو محاولة لسرقة ذاكرة هذه الأمة وطمس تاريخها، وهذا من أخطر ما تتعرض إليه مصر الآن، ولذلك سوف أنقل ما كتبه الكاتب الكبير محمد سلماوي في “,”المصري اليوم“,” في العدد “,”3285“,” تحت عنوان “,”ذاكرة في خطر“,”.. يقول الكاتب: “,”دار الكتب والوثائق القومية هى ذاكرة مصر القومية التي تحفظ مستنداتها التاريخية والسياسية والثقافية، وهو ما يتعلق مباشرة بأمنها القومي“,”. وقد كشفت الدكتورة إيمان عز الدين المشرفة العامة السابقة على دار الكتب بباب الخلق أن جماعة الإخوان المسلمين طلبت الحصول على وثائق الثمانين عامًا الماضية كاملة، بما فيها ما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين، وأن المدير السابق لدار الكتب والوثائق الدكتور عبدالناصر حسن رفض إخراج هذه الوثائق، ما حدا بوزير الثقافة لإنهاء انتدابه على الفور، هو وأربعة آخرون من رؤساء إدارات الدار. في الوقت نفسه، نشرت الكاتبة الكبيرة سكينة فؤاد، ما سمته “,”بلاغ إلى شعب مصر“,”، قالت فيه: أقسم بالله العظيم مصر تسرق الآن! دار الوثائق التابعة لوزارة الثقافة في خطر، الإخوان يحاولون سرقة مستندات وخرائط “,”غاية في الخطورة“,” وهي تتعلق بأدق القضايا الخاصة بالأمن القومي المصري، ذكرت منها حلايب وشلاتين وخرائط عن سيناء وحوض النيل والحدود مع ليبيا، بالإضافة إلى مستندات قالت: إنها تدين تاريخ الإخوان وتتصل بأصولهم الماسونية والصهيونية، على حد قولها. هذا ما كتبه أيضًا وأشار إليه الكاتب الكبير “,”حلمي النمنم“,” في الجريدة نفسها وفي الصفحة نفسها، ننقل بعض ما كتبه“,” فقد ذهب باحث منذ شهرين إلى دار الكتب وطلب وثائق هامة، منها وثائق خاصة بجماعة الإخوان المسلمين، فأصاب الشك القائمين على الوثائق وتبين أنه يريد هذه الوثائق لحساب جماعة الإخوان“,”. ولذا كان أول طلب للوزير من الدكتور عبدالناصر حسن رئيس دار الكتب السابق هو عزل مدير دار الكتب والوثائق فاعتذر، فكان أن عزله هو ثم عزل كلا من مدير دار الوثائق ودار الكتب. هكذا يدق لنا الكُتاب والمثقفون ناقوس الخطر الذي يتهدد ذاكرة أمة كوّنتها عبر آلاف السنين وما يترتب على هذا الأمرمن ضياع .