ليست الفنون الشعبية مجرد رقصات فولكلورية تؤدى على مسرح، بل هي نصوص حية من الذاكرة، تتكلم بلغات الجسد والإيقاع والحكاية، وتستعيد في كل أداء صورة الإنسان في علاقته بالعالم، بالطبيعة، فهي تعبير عن الحكمة الكامنة في الموروث الجمعي، ووسيلة الشعوب لحفظ إيقاعها الداخلي في مواجهة طوفان التغير وتسارع الزمن. التراث كقيمة إنسانية ومن هذا الوعي بالتراث كقيمة إنسانية تنبض بالحياة، تنطلق اليوم الجمعة فعاليات مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية في دورته الخامسة والعشرين (اليوبيل الفضي)، الذي تنظمه وزارة الثقافة بالتعاون مع محافظة الإسماعيلية، تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، واللواء أكرم محمد جلال محافظ الإسماعيلية. الحوار الثقافي يعد مهرجان الإسماعيلية من أقدم المهرجانات التراثية والذي انطلقت دورته الأولى في عام 1985 وتأتي دورة هذا العام كاحتفاء بدورة اليوبيل الفضي ال 25 اليوبيل الفضي من الإبداع، استطاعت خلاله الإسماعيلية أن ترسخ حضورها كإحدى المدن المؤسسة لمفهوم "الحوار الثقافي" بين الشعوب عبر لغة الجمال، حيث تتجاور الألوان والإيقاعات والملابس والأغاني في لوحة إنسانية واحدة. الإسماعيلية، تلك المدينة التي ولدت من رحم التاريخ عند ضفاف القناة، لا تزال تؤكد في كل دورة أن الفن الشعبي هو تعبير الإنسان البسيط عن وجوده، وصياغته الخاصة لفلسفة الحياة، وأن الهوية لا تُحفظ في الكتب بقدر ما تُروى في الأهازيج وتُنسج في الأقمشة وتُرقص على إيقاع الدفوف. 25 دولة من مختلف أنحاء العالم
تستقبل المدينة في هذه الدورة 25 فرقة فنية تمثل مصر واثنتي عشرة دولة من ثلاث قارات: تونس، الأردن، غينيا، سريلانكا، لبنان، فلسطين، بولندا، الجزائر، إندونيسيا، أوزبكستان، رومانيا، والهند. أما الفرق المصرية فتضم تسع فرق من هيئة قصور الثقافة: حلايب، الشرقية، الحرية السكندرية، أسيوط، الإسماعيلية، الوادي الجديد، المنيا، أسوان، والتنورة التراثية، إلى جانب فرقتي ذوي الهمم (هيئة قناة السويس والقلوب البيضاء)، بالإضافة إلى فرقتي رضا والفرقة القومية للفنون الشعبية التابعتين للبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية.
ديفيلية الازياء والرقصات التراثية جاءت انطلاقة المهرجان بديفيليه فني بهيج جاب شوارع المدينة، شاركت فيه الفرق بملابسها التقليدية وأناشيدها الشعبية، فامتزجت الأنغام الإفريقية بآلات الشرق الأقصى، ورقصت الخطوات على إيقاع واحد، لتجسد في مشهد رمزي حلم الإنسانية في التناغم والاختلاف. خلال العرض، قدّمت فرقة ذوي الإعاقة لوحة مؤثرة كشفت عن جوهر الفن بوصفه فعل إرادة وقدرة على تحويل الألم إلى طاقة من الجمال، بينما استدعت فرقة الإسماعيلية للفنون الشعبية نغمات السمسمية وذاكرة المدينة كعاصمة للفرح والمقاومة. ويُفتتح المهرجان رسميًا مساء السبت 25 أكتوبر على المسرح الروماني، في احتفالية تتضمن تكريم رموز أسهموا في إثراء الحركة الفنية، فيما تتواصل العروض من 26 إلى 29 أكتوبر على مسارح: حديقة الشيخ زايد، حديقة الخالدين، نادي الأسرة، شاطئ الفيروز، نادي الدنفاه، إلى جانب عروض مدن فايد، القنطرة غرب، القصاصين، والجيش الثاني. تُقام الفعاليات تحت إشراف الإدارة المركزية للشئون الفنية برئاسة الفنان أحمد الشافعي، من خلال الإدارة العامة للمهرجانات والإدارة العامة للفنون الشعبية، ومدير المهرجان الفنان ماهر كمال، بالتعاون مع إقليم القناة وسيناء الثقافي وفرع ثقافة الإسماعيلية.
ندوات علمية متخصصة كما يتضمن البرنامج معرضًا للحرف البيئية وندوات علمية متخصصة حول الفنون الشعبية ودورها في حفظ التراث الثقافي غير المادي، بإشراف الشاعر الدكتور مسعود شومان رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، في إطار رؤية وزارة الثقافة التي تنظر إلى التراث لا بوصفه ماضيًا جامدًا، بل رأسمالًا رمزيًا متجددًا يُعاد توظيفه في ضوء الحاضر والمستقبل. ويُختتم المهرجان مساء 30 أكتوبر بحفل فني كبير على المسرح الروماني وتكريم للفرق المشاركة، لتغلق الإسماعيلية فصلًا آخر من تاريخها مع الفن والفرح.