فى ظلّ تزايد الاحتكاك العسكرى فى الشرق الأوسط، وتصاعد التوترات بين الفاعلين الإقليميين والدوليين، اتخذت المواجهة بين جماعة الحوثى فى اليمن وإسرائيل منحىً نوعيًا غير مسبوق فى الأيام الأخيرة من شهر سبتمبر 2025. فقد أعلنت الجماعة الجمعة 26 سبتمبر عن تنفيذ عملية عسكرية وُصفت بأنها "نوعية" استهدفت مواقع حساسة فى إسرائيل بصاروخ باليستى فرط صوتى من طراز "فلسطين 2" الانشطارى متعدد الرءوس. وجاء هذا الإعلان فى سياق تصعيد متواصل منذ أسابيع بين الطرفين، حيث تسعى الجماعة إلى إظهار قدرتها على نقل الصراع خارج حدود اليمن، فى حين تحاول إسرائيل الردّ على هذه التهديدات بأسلوب حاسم لإعادة فرض معادلة الردع. «كاتس»: وجّهنا ضربة قوية للعديد من الأهداف الإرهابية التابعة لنظام الحوثى أوضح المتحدث العسكرى باسم الحوثيين، يحيى سريع، فى بيان رسمى أن "القوة الصاروخية نفذت عملية عسكرية نوعية بصاروخ باليستى فرط صوتى نوع فلسطين 2 الانشطارى متعدد الرءوس مستهدفًا أهدافًا حساسة عدة فى منطقة يافا المحتلة"؛ مشيرًا إلى أن العملية "حققت أهدافها بنجاح وتسببت فى هروب الملايين إلى الملاجئ وتوقيف الحركة فى مطار اللد". كما أضاف أن دفاعات الجماعة الجوية "تمكنت من التصدى لعدد من التشكيلات القتالية أثناء العدوان الإسرائيلى الأخير على اليمن، وأجبرت بعضها على المغادرة وأفشلت جزءًا من الهجوم"، فى محاولة لإظهار قدرة الجماعة على حماية أراضيها من الضربات الإسرائيلية وإبراز ما تصفه ب"توازن الردع" الجديد. الجيش الإسرائيلى من جانبه أعلن فى اليوم السابق أنه اعترض صاروخًا أُطلق من اليمن بعد أن دوّت صفارات الإنذار فى عدة مناطق من البلاد، وفق ما نقلته وكالة "رويترز" للأنباء. ويأتى هذا التطور بعد ساعات من شنّ إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية الواسعة على العاصمة اليمنية صنعاء يوم الخميس 25 سبتمبر، والتى استهدفت مواقع قالت تل أبيب إنها مرتبطة بالجماعة. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، بينها "هيئة البث الإسرائيلية"، أن هذه الضربات هى الموجة الثامنة عشرة من الغارات الانتقامية ضد الحوثيين، وجاءت غداة انفجار طائرة مسيّرة أطلقتها الجماعة فى مدينة إيلات أدت إلى إصابة أكثر من 50 شخصًا. وأكّد وزير الدفاع الإسرائيلى يسرائيل كاتس فى تصريح على منصة "إكس" أن بلاده "وجّهت ضربة قوية للعديد من الأهداف الإرهابية التابعة لنظام الحوثى فى صنعاء". وأوضح أن الجيش استهدف مقر التحكم لقيادة الأركان العامة للحوثيين وعددًا من المرافق العسكرية ما أسفر عن مقتل عشرات العناصر وتدمير مخزونات من الطائرات المسيّرة والأسلحة. كما قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى للإعلام العربى أفيخاى أدرعى إن "عشرات الطائرات الحربية نفذت سلسلة غارات غير مسبوقة ضد أهداف تابعة لجهاز الأمن والمخابرات والجيش الحوثيين فى صنعاء". شملت مديرية الإعلام العسكرى ومقار تابعة لجهاز الأمن والمخابرات إلى جانب معسكرات بداخلها وسائل قتالية وعناصر عسكرية. ووصفت تل أبيب هذه العملية بأنها "ردّ مباشر على الهجمات الحوثية المتكررة التى شملت إطلاق طائرات مسيّرة وصواريخ أرض-أرض باتجاه إسرائيل"، مؤكدة فى بيانها "أن العمليات الجوية ستتواصل فى الأيام المقبلة، وأن إسرائيل سترد على أى تهديد مهما بلغت المسافة". ووفقًا للجيش الإسرائيلي، فإن جهاز الأمن والمخابرات الحوثى "يلعب دورًا مركزيًا فى الأنشطة الإرهابية سواء من خلال الترويج للهجمات ضد إسرائيل أو عبر قمع المعارضين المحليين باستخدام السجون والتعذيب"؛ مشيرًا إلى أن "المعسكرات المستهدفة كانت تُستخدم لتخزين الأسلحة وتخطيط عمليات إرهابية بتمويل وتوجيه إيراني". فى المقابل، أقرّت جماعة الحوثى بوقوع الغارات الإسرائيلية لكنها لم تُقدّم أى تفاصيل عن حجم الخسائر البشرية أو المادية، فى حين قال سكان فى صنعاء إنهم سمعوا دوى انفجارات متلاحقة وغير مسبوقة منذ بدء الغارات الإسرائيلية قبل أشهر. وكان الجيش الإسرائيلى قد ذكر فى وقت سابق أن طائرة مسيّرة أُطلقت من اليمن سقطت فى مدينة إيلات، مضيفًا أن الدفاعات الجوية حاولت اعتراضها قبل أن تسقط فى فندق بالمدينة. وذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" نقلًا عن تحقيق أولى أن أنظمة الدفاع الجوى فشلت فى اعتراض المسيّرة، وردًا على هذا الهجوم، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إن الأخير تحدّث مع رئيس بلدية إيلات، طالبًا منه تعزيز عزيمة السكان، مؤكدًا أن "كل هجوم على مدن إسرائيل سيُقابَل بضربة قاسية وموجعة على حكم الإرهاب الحوثي". بدوره؛ هدّد وزير الدفاع يسرائيل كاتس الحوثيين على منصة "إكس" قائلًا: "يرفض الإرهابيون الحوثيون تعلم الدرس من إيران ولبنان وغزة، سنلقنهم درسًا قاسيًا، ومن يُلحق الضرر بإسرائيل سنلحق بهم الضرر سبع مرات". ومن زاوية تحليلية، يرى مراقبون أن هذا التصعيد يعكس انتقال الصراع إلى مرحلة جديدة أكثر تعقيدًا، حيث باتت جماعة غير دولية تستخدم قدرات صاروخية ومسيرات بعيدة المدى لضرب أهداف داخل إسرائيل، بينما تسعى تل أبيب إلى استعادة الردع عبر استهداف مراكز القيادة والبنى التحتية العسكرية فى العمق اليمني. ويشير هؤلاء إلى أن طبيعة الصواريخ التى تتحدث عنها الجماعة، مثل "فلسطين 2" الانشطارى فرط الصوتي، تطرح أسئلة جدية حول مستوى الدعم التقنى الخارجي، ولا سيما من إيران، وحول التوازن الاستراتيجى فى المنطقة. كما يرون أن ردّ إسرائيل القاسى قد يؤدى إلى دفع الحوثيين لمزيد من التصعيد، بما فى ذلك استهداف ممرات الملاحة أو منشآت اقتصادية، وهو ما قد يُدخل المنطقة فى دوامة من الضربات المتبادلة تهدد أمن البحر الأحمر والممرات الدولية وخطوط التجارة العالمية. ويؤكد المراقبون أن استمرار هذه الهجمات المتبادلة يفاقم من هشاشة الأوضاع الإنسانية والسياسية فى اليمن ويزيد الضغط على المدنيين فى إسرائيل واليمن على السواء، بينما تتضاءل فرص الوساطات الدبلوماسية لاحتواء الأزمة. وترى تقارير إعلامية أن تطور الوضع بهذا الشكل يضع المجتمع الدولى أمام تحدٍّ حقيقى لوقف انزلاق المنطقة نحو مواجهة إقليمية واسعة النطاق، حيث تتقاطع النزاعات المحلية مع الحسابات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، ما يجعل أى تدخل خارجى أو تفاوضى أكثر صعوبة وتعقيدًا. ويرجّح كثير من الخبراء أن يكون هناك خياران فقط أمام الأطراف: إما التوجه نحو تهدئة مؤقتة برعاية إقليمية ودولية لضبط النفس، أو مواجهة ممتدة قد تغيّر شكل الأمن فى الشرق الأوسط برمّته وتجعل المدنيين الضحية الكبرى فى هذا التصعيد المستمر.