كيف يُمكننا التأثير على إسرائيل لوقف عملياتها العسكرية في قطاع غزة والسماح بدخول مساعدات إنسانية ضخمة إلى مليوني نسمة من سكان القطاع الجائعين، بينما طغت الحرب الخاطفة التي شنتها الدولة العبرية، بدعم من الولاياتالمتحدة، ضد إيران على معاناة الفلسطينيين لمدة اثني عشر يومًا؟ عادت هذه القضية إلى الواجهة في قمة الدول السبع والعشرين في بروكسل الخميس الماضى. ورغم التقرير الذي قدمته مسؤولة الدبلوماسية فى الاتحاد الأوروبي كايا كالاس يوم الخميس بشأن انتهاكات القانون الدولي التي ارتكبتها حكومة بنيامين نتنياهو، لم تتفق الدول الأعضاء السبع والعشرون على تعليق اتفاقية الشراكة مع الدولة اليهودية. وتم تأجيل القرار حتى منتصف يوليو المقبل. وكما كان الحال منذ أكتوبر 2023، لا تزال مواقف الأوروبيين متباينة، ليس بشأن تقييم الوضع الإنساني الكارثي على الأرض، الذي يأسف له الجميع، ولا بشأن ضرورة إطلاق حماس سراح الرهائن الإسرائيليين في أسرع وقت ممكن، بل بشأن طريقة ودرجة الضغط السياسي الذي يجب عليهم استخدامه لإجبار إسرائيل على وضع حد للضربات القاتلة والدمار، وإعادة إنشاء نظام آمن ومحايد لتوزيع المساعدات الإنسانية. في 20 مايو، وبعد أحد عشر أسبوعًا من الحصار المفروض على القطاع الفلسطيني، رفع الاتحاد الأوروبي صوته ضد الدولة العبرية لأول مرة منذ عام ونصف من الصراع، ولكن من دون اتخاذ أى إجراء. وكانت أغلبية الدول الأعضاء قد طلبت من كايا كالاس مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، للتحقق من امتثال الأخيرة للمادة الثانية من هذه المعاهدة، التي تنص على وجوب احترام الطرفين لحقوق الإنسان. قدّمت كايا كالاس لرؤساء الدول والحكومات، فى اجتماع الخميس الماضى، هذا التقييم الذى يدين إسرائيل، وجاء به: "انتهكت إسرائيل ما لا يقل عن ثلاثين مبدأً من مبادئ القانون الدولي". كما طلبت كالاس من القادة تقديم مقترحات بشأن الاستنتاجات التي يُمكن استخلاصها من هذا التقرير، نظرًا للانقسامات الحادة بين الدول الأعضاء السبع والعشرين. مواقف قوية لإسبانيا ناشد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أوروبا بالتحرك في مواجهة انتهاكات إسرائيل المستمرة لحقوق الإنسان. ودعا بيدرو سانشيز، المؤيد لفلسطين منذ زمن طويل، والذي ندد أيضًا ب"الوضع الكارثي للإبادة الجماعية"، إلى تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل "فورًا"، وأيده رئيسا وزراء أيرلندا وسلوفينيا فقط. أما بالنسبة للدول الأخر فى الاتحاد، فإن بعضها دعا إلى مراجعة الاتفاقية، مثل النمساوبلجيكا. وأكد بارت دي ويفر، رئيس الوزراء البلجيكي، أن "اتفاقية الشراكة لا علاقة لها بالوضع الإنساني على المدى القريب"، مشيرًا إلى أن إجراءات المراجعة تستدعى، بعد التقييم، إجراء حوار بين كايا كالاس ووزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، حول هذا الموضوع.. و"في نهاية هذه المناقشات، سنرى ما يجب فعله"، حسبما قال دي ويفر. وبينما تدعو برلين إلى وقف إطلاق النار، وإيصال مساعدات إنسانية مكثفة، وحل الدولتين، فقد أكد المستشار الألماني فريدريش ميرز مجددًا أنه لن يدعم أي تحدٍّ لاتفاقية الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل! وأيدته فى ذلك رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، التي قالت إنه "سيكون من غير المجدي اتخاذ مبادرات تغلق قنوات الحوار مع إسرائيل، في وقت قد يؤدي فيه هذا إلى نتائج، خاصة فيما يتصل بوقف إطلاق النار في غزة". الخيارات الرمزية نظراً للاختلافات، قرر القادة ببساطة الاكتفاء بالاطلاع على التقرير، دون حتى تعديل استنتاجاته. وبينما أرادت بعض الدول دفن الوثيقة نهائياً، دعت مجموعة السبع والعشرين مجلس الشؤون الخارجية إلى "مواصلة المناقشات بشأن متابعة، إذا لزم الأمر، في يوليو، مع مراعاة تطور الوضع على الأرض"!. كُلِّفت كالاس أيضًا بتقديم مقترحات في الاجتماع المُقبل. وقال دبلوماسي أوروبي: "في أحسن الأحوال، ستُجرى مناقشات، وسيتم تأجيل القرارات إلى بداية العام الجديد". بالإضافة إلى التعليق الجزئي أو الكلي لاتفاقية الشراكة، وهو أمر يتطلب إجماع الدول السبع والعشرين، وبالتالي يبدو تحقيقه مستحيلاً، يمكن للسيدة كالاس والمفوضية الأوروبية اقتراح سلسلة من الخيارات الأكثر محدودية أو رمزية. وتدعم اثنتا عشرة دولة الآن الفكرة التي اقترحتها بلجيكا، والمتمثلة في حظر استيراد المنتجات والخدمات من المستوطنات في الضفة الغربية. ولكن في الواقع، لا يرغب العديد من الأوروبيين في الوصول إلى هذه النقطة. يقول دبلوماسي أوروبي: "إنهم يأملون أن ينجح دونالد ترامب في فرض وقف إطلاق النار في غزة على بنيامين نتنياهو، مما يُحسّن وضع السكان". أما روبرت جولوب، رئيس الوزراء السلوفيني المؤيد لتعليق اتفاقية الشراكة، فقد أكد أنه إذا فشل الأوروبيون في اتخاذ قرار، "فسيتعين على كل دولة عضو، بما في ذلك سلوفينيا وبعض الدول التي تُشاركها الرأي، اتخاذ التدابير اللازمة بمفردها، ونحن مستعدون لذلك".