رحل عن عالمنا صباح اليوم الكاتب التونسي الكبير حسونة المصباحي عن عمر يناهز ال75 عاما، يُعدّ حسونة المصباحي من أبرز الأصوات الأدبية في تونس والعالم العربي، حيث تميزت أعماله بالغوص في أعماق المجتمع التونسي، مسلطًا الضوء على الهامش والمهمّشين، ومبتعدًا عن القوالب السردية التقليدية. النشأة والتكوين وُلد حسونة المصباحي عام 1950 في قرية "الذهبيات" بريف القيروان، تونس، درس الآداب الفرنسية في جامعة تونس، ثم انتقل إلى ألمانيا حيث عاش في ميونيخ لأكثر من عشرين عامًا، عاد بعدها إلى تونس عام 2004 ليستقر في قريته الأصلية. التجربة الأدبية بدأ المصباحي مسيرته الأدبية في سن مبكرة، وبرز ككاتب متمرد على الأشكال الأدبية التقليدية، حيث زاوج بين القصة القصيرة والرواية والنقد وأدب الرحلة. من أبرز مجموعاته القصصية: "حكاية جنون ابنة عمي هنية" (1986)، "ليلة الغرباء" (1997)، و"السلحفاة" (1997). أما رواياته فتشمل: "هلوسات ترشيش" (1995)، "الآخرون" (1998)، "وداعًا روزالي" (2001)، "نواره الدفلى" (2004)، و"حكاية تونسية" (2008). تميزت أعماله بالتركيز على الواقع التونسي، خاصة الريف والمجتمعات المهمشة، معتمدة على أسلوب سردي متحرر من الحبكة التقليدية، مما أضفى على نصوصه طابعًا تجريبيًا وانفتاحًا على الأجناس الأدبية المختلفة. الترجمة والجوائز ترجمت أعمال المصباحي إلى عدة لغات، منها الألمانية والفرنسية والإنجليزية. فازت روايته "هلوسات ترشيش" بجائزة Toucan لأفضل كتاب لعام 2000 في ميونيخ، كما اختيرت قصته "السلحفاة" ضمن القائمة القصيرة لجائزة "كين" للأدب الأفريقي. في عام 2016، حصل على جائزة "محمد زفزاف" للرواية العربية عن مجمل أعماله، وفي عام 2024، نال جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة (فرع اليوميات) عن كتابه "أيام في إسطنبول". رؤى فكرية ومواقف يُعرف المصباحي بمواقفه الفكرية الجريئة، حيث دعا إلى الفصل بين الدين والحياة اليومية، مؤكدًا على أهمية تجديد الفكر الديني ليتماشى مع العصر. كما انتقد الخطاب المزدوج لبعض التيارات السياسية، مشددًا على ضرورة احترام الوقت والعمل وحب الأوطان كسبيل لتقدم المجتمعات العربية. إرث أدبي متجدد ترك المصباحي إرثا كبيرا في الساحة الأدبية، منها رواية "لا نسبح في النهر مرتين" التي ترصد الواقع التونسي بعد الثورة، وكتاب "وصايا العفيف الأخضر" الذي يجمع حواراته مع المفكر العفيف الأخضر، مسلطًا الضوء على شخصيات بارزة في الثقافة التونسية. وتمثل تجربة حسونة المصباحي نموذجًا للأدب الذي ينبع من الواقع ويعكس همومه، متحررًا من القيود الشكلية، ومقدمًا رؤية نقدية عميقة للمجتمع التونسي والعربي.