· محطات الضبعة ستنقذ مصر من استيراد الطاقة · من يعارض البرنامج النووي المصري ينفذ مخططات خارجية · نحتاج ل 8 محطات نووية.. لا يمكن الاعتماد على الطاقة الشمسية · بنجلاديش تبني محطتين نوويتين ومصر تتوقف عن برنامجها قبل التنفيذ · الإمارات والأردن والسعودية والجزائر واليابان وأمريكا مستمرة في بناء محطات نووية جديدة الخبير النووي العالمي د. إبراهيم العسيري، كبير مفتشين سابق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الهندسية عام 1986 وحاصل على نوط الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1995، يفند في حواره مع “,”البوابة نيوز“,” الحجج الواهية التي روجها البعض من عدم جدوى البرنامج النووي المصري الذي دخل في طور التجميد رغم أهميته الاستراتيجية والاقتصادية لمصر، والذي توقف قبل لحظة الانطلاق منذ عامين . · بداية.. ما هو ردك على الحجة التي تقول إن العالم يفكك محطاته النووية ويعطي ظهره لها؟ الزعم أن العالم يفكك المحطات النووية ويعطي ظهره الآن لاستخدام الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء، زعمٌ زائف، والحقيقة أن العالم يبني المزيد من المحطات النووية، ويزيد اعتماده على الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء . وقد أشيع مؤخرًا في ندوات نظمتها جماعات مناهضة للطاقة النووية، وروج لها البعض من غير المتخصصين في تكنولوجيا المفاعلات النووية واستراتيجيات إنتاج وتخطيط الطاقة الكهربية، أنه “,”كيف تبني مصر مفاعلاً نوويًا ودول أوروبا تفكك مفاعلاتها النووية؟“,” وبدليل خطط ألمانيا وسويسرا لإيقاف مفاعلاتهما النووية، كما أن العالم كله يعطي ظهره الآن لمحطات القوى النووية ويبحث عن تكنولوجيات بديلة لإنتاج الطاقة الكهربية، وللأسف انساق وراء هذا الزعم العديد من أهل منطقة الضبعة، إما لغرض في نفوسهم أو لمصلحة شخصية أو بدون قصد بسبب عدم دراية أي منهم بحقيقة الطاقة النووية ودورها العالمي في تأمين الاحتياجات الكهربية وفي الحفاظ على نظافة البيئة . · وما نتائج هذه المزاعم وتأثيرها على البرنامج النووي المصري؟ كانت النتيجة الأولى لتلك المزاعم، الهجمة الشرسة على موقع المشروع النووي بالضبعة، وسلب ونهب محتوياته، وتدمير ما تبقى من أجهزة ومعدات ومنشآت، حتى سور الموقع لم يسلم من التدمير والبالغ طوله حوالي 22 كيلو مترًا نُزِع حديد التسليح لأساساته وتم بيعه . والحقيقة أنه، ورغم صحة ما ورد في وسائل الإعلام عن خطط ألمانيا وسويسرا إيقاف مفاعلاتهما النووية في العشر أو العشرين سنة القادمة وبعد انتهاء عمرها الافتراضي، فإنه يلزم وضع هذا الخبر في إطاره الصحيح دون تهويل أو تهوين، إن قرار ألمانيا وسويسرا بإيقاف مفاعلاتهما النووية في العشر أو العشرين سنة القادمة حتى لو كان صحيحًا ولن يتم الرجوع عنه، كما تم الرجوع عنه في الماضي، فبجانب هاتين الدولتين عشرات الدول التي تبني المزيد من المحطات النووية طبقًا لخططها الاستراتيجية واحتياجاتها من الطاقة الكهربية، فلماذا لا نأخذ الصين مثالاً وهي تبني 26 محطة نووية في آن واحد، أو روسيا الاتحادية وبها 11 محطة نووية تحت الإنشاء في آن واحد، أو الهند وبها 7 محطات نووية تحت الإنشاء في آن واحد، أو كوريا الجنوبية التي تبني حاليًا ثلاث محطات نووية في آن واحد، أما اليابان وسلوفاكيا وأوكرانيا وباكستان فلدى كل منها محطتان نوويتان تحت الإنشاء، كما أن الأرجنتين والبرازيل وفنلنداوفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية بكل منها محطة نووية تحت الإنشاء، بل هناك دول تعداد سكانها في حدود العشرة ملايين ومع ذلك بها العديد من المحطات النووية الشغالة مثل السويد “,”حوالي 9 ملايين نسمة“,” وبها 10 مفاعلات نووية شغالة لتوليد الكهرباء، وفنلندا “,”حوالي 5 ملايين نسمة“,” وبها 4 مفاعلات نووية شغالة وواحدة أخرى تحت الإنشاء، وجمهورية التشيك “,”حوالي 10 ملايين نسمة“,” وبها 6 مفاعلات نووية شغالة، وبلجيكا “,”حوالي 11 مليون نسمة“,” وبها 7 مفاعلات نووية شغالة، وها هي أوكرانيا “,”التي وقع بها حادث مفاعل تشيرنوبيل عام 1986“,” يوجد بها 15 محطة نووية شغالة وتبني حاليًا محطتين إضافيتين، وهذه البيانات طبقًا لإحصائيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى أول أغسطس منذ “,”2012“,”، كما أن إيران بدأت العام الماضي تشغيل أول محطة نووية بها، والإمارات بدأت في إنشاء أربع محطات نووية بها وستدخل التشغيل تباعًا بدءًا من عام 2017، وستتعاقد على 4 أخرى تالية، كما تعلن السعودية أيضًا عزمها إنشاء 16 محطة نووية على أراضيها ورصدت لها 100 مليار دولار، وعلى أن يبدأ تشغيل أول محطتين في خلال عشر سنوات ويستكمل تشغيل جميع المحطات بحلول عام 2030، وتركيا أعلنت عزمها إنشاء 23 محطة نووية بحلول عام 2023 لتغطية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة الكهربية، والأردن تلقت عطاءات لمحطتها النووية الأولى مع كونسرتيوم فرنسي ياباني ومن شركة روسية، وذلك لبناء مفاعلين نوويين قدرة كل منهما 1100 ميجاوات، على أن يبدأ تشغيلها عام 2020، والمغرب أعلنت عزمها إقامة محطات نووية عدة بدءًا من عام 2022، والجزائز أعلنت في مطلع عام 2011 عن نيتها بناء عدة محطات نووية لتوليد الكهرباء على أن يبدأ إنشاء أول محطة عام 2020 وغيرها الكثير من الدول . بل إن بنجلاديش أفقر دولة في العالم تعاقدت مع روسيا على إنشاء محطتين نوويتين لإنتاج الكهرباء وبدأت روسيا دراسة وتحديد المواقع للتنفيذ، بينما مصر وعقب ثورة الشباب تجد فيها من يهاجم برنامجها النووي السلمي ويشكك في جدواه وقدرات أبنائها العلماء ووصل الأمر لدرجة التشكيك في إخلاصهم لوطنهم من قبل ذوي المصالح الذين لا أستبعد أنهم ينفذون مخططات الهدف منها تدمير مصر وعدم انطلاقها اقتصاديًا وصناعيًا . · فما هي دوافع ألمانيا وسويسرا إذن للتخلي عن محطاتها النووية؟ قرار ألمانيا وسويسرا له دوافعه وأسبابه التي تخصهما وحدهما ولا ينبغي أن ننساق وراءه بلا فهم منا وتعقل، وترجع أهم أسباب هذا القرار إلى: أولاً: ألمانيا وسويسرا من الدول التي ليس لديها تزايد حقيقي في عدد السكان بل يتناقص عدد السكان بهما، وبالتالي ليستا في حاجة إلى زيادة معدلات إنتاج الكهرباء بأراضيهما، وهذا لا ينطبق على الدول العربية، فمثلاً معدل تزايد السكان في مصر وحدها يزيد عن المليون نسمة سنويًا ومعدل تزايد استهلاك الكهرباء بها يزيد بحوالي 7% سنويًا وعلى أقل تقدير، وتحتاج سنويًا إلى حوالي 3000 ميجاوات كهرباء إضافية . ثانيًا: ليس لدى ألمانيا وسويسرا مشكلة في استيراد الكهرباء من فرنسا والتي تقع على حدودهما وخاصة أن اقتصادهما قوي بما فيه الكفاية ولا توجد لديهما مشاكل حالية أو محتملة من حيث منع هذه الكهرباء عنهما لظروف سياسية أو عسكرية، وهو ما لا ينطبق على الدول العربية عامة . ثالثًا: أن قرار ألمانيا وسويسرا له أسباب سياسية وقتية والراجح فإنه سيتم الرجوع عنها بعد الانتخابات الرئاسية مثلما حدث في الماضي، في ألمانيا ذاتها، وكذلك في السويد، فتاريخ ألمانيا طويل في التأرجح بين تأييد تشغيل المفاعلات النووية وبين إيقافها، ففي أغسطس 1986 نجحت حكومة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في استصدار قرار بالتخلي عن الطاقة النووية خلال 10 سنوات، ثم جاءت بعدها حكومة الحزب المسيحي الديمقراطي التي نجحت في إلغاء القرار السابق وفي الإبقاء على استمرار تشغيل المفاعلات النووية، ثم في عام 1998 جاءت حكومة ائتلاف الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، وتقرر ثانية إيقاف المفاعلات الألمانية بعد انتهاء أعمارها التشغيلية، ثم تولت حكومة ائتلاف جديدة وقررت في سبتمبر2010 الرجوع عن إغلاق المفاعلات الألمانية 1980، وهكذا يستمر التأرجح في سياسة الطاقة النووية في ألمانيا، والغريب أن نجعل استراتيجية الطاقة النووية في مصر رهينة هذا التأرجح . رابعًا: إذا قررت دولتا ألمانيا وسويسرا الشروع في إيقاف مفاعلاتهما النووية بعد انتهاء عمرها الافتراضي، فإنه مازالت هناك ثلاثون دولة عند قرارها في الاستمرار في خطتها الحالية والمستقبلية في إنشاء وتشغيل المفاعلات النووية بل وفي إنشاء المزيد منها مثل كوريا الجنوبيةوالصينوالهندوروسيا بل واليابان ذاتها، التي وقع فيها حادث مفاعلات فوكوشيما، بالإضافة إلى الولايات المتحدةالأمريكيةوفرنسا وكندا وإسبانيا والأرجنتين وليتوانيا وبلاروسيا وباكستان وكازاخستان وسلوفاكيا وهولندا وأوكرانيا وبنجلاديش وغيرها، وهناك دول مثل فرنسا تساهم الطاقة النووية بها بحوالي 80% من إجمالي إنتاج الكهرباء بأراضيها، وبهذا الشأن نحيي الإمارات على استمرارها الجاد وبغير تردد في البدء في إنشاء أربع محطات نووية بها كما نحيي المملكة العربية السعودية على إعلان عزمها إنشاء 16 محطة نووية على أراضيها، وعلى رصدها 100 ألف مليون دولار لهذا الغرض، وعلى أن يبدأ تشغيل أول محطتين في خلال عشر سنوات ويستكمل تشغيل جميع المحطات بحلول عام 2030. خامسًا: كل دولة تأخذ قرارها طبقًا لمعطياتها المحلية وليس طبقًا لمعطيات دولة أو دول أخرى، فلكل دولة ظروفها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي ليس بالضرورة أن تتشابه مع غيرها من الدول، والتي بناءً عليها تضع استراتيجية وخطط إنتاج الطاقة الكهربية بها وتخطط لمصادر إنتاج هذه الطاقة، وطبقًا لمصادر الطاقة المتوفرة بها، فألمانيا على سبيل المثال يساهم الفحم في إنتاج حوالي نصف إجمالي الطاقة الكهربية المنتجة بأراضيها في حين أن السويد تساهم المساقط المائية في إنتاج حوالي نصف إجمالي الطاقة الكهربية المنتجة بأراضيها، وفي فرنسا تساهم الطاقة النووية في إنتاج أكثر من ثلاثة أرباع إجمالي الطاقة الكهربية المنتجة بأراضيها . سادسًا: ألمانيا لم تلجأ إلى الطاقة الشمسية لتعوض نقص الطاقة الكهربية التي ستنتج عن إيقاف المحطات النووية لعلمها أن الطاقة الشمسية لا يمكن أن تكون مصدرًا أساسيًا لتوليد الكهرباء ولكن تكون فقط مصدرًا مكملاً لا غير لمصدر الطاقة الأساسي سواء نووي أو أحفوري “,”غاز أو بترول أو فحم“,” أو مساقط مياه، فها هي السيدة “,”ميركل“,” تصرح أنها بحاجة إلى محطات وقود أحفوري “,”غاز طبيعي أو فحم أو بترول“,” بإجمالي قدرة كهربية “,”عشرين ألف ميجاوات كهرباء“,” لتعويض النقص المتوقع في الطاقة الكهربية عند إغلاق مفاعلاتها النووية . فلماذا نأخذ ألمانيا وسويسرا مثالاً يحتذى به في استراتيجيتنا للطاقة النووية، وهما دولتان وصلتا إلى درجة الكفاية والرفاهية التي لا يستلزم معها مزيدًا من الطاقة الكهربية ولا تحتاج إلى خطط تنمية، وخاصة مع تناقص عدد سكانها؟، كما تستطيع أن تستورد الكهرباء من فرنسا التي على حدودها، لماذا لا نأخذ الصين مثالاً وهي تبني 26 محطة نووية في آن واحد، أو روسيا الاتحادية وبها 11 محطة نووية تحت الإنشاء في آن واحد، أو الهند وبها 7 محطات نووية تحت الإنشاء في آن واحد، أو كوريا الجنوبية التي تبني حاليًا ثلاث محطات نووية في آن واحد؟، وقد أعلن في 24 فبراير من العام الحالي، صب خرسانات الأساسات لمحطة البلطيق النووية والمكونة من وحدتين نوويتين وذلك في ليننجراد، والمفاعلان النوويان من النوع الروسي المعروف باسم VVER-1200 . وسيبدأ التشغيل التجاري للمفاعل الأول في 2017، يليه الثاني بعد عام، ويوجد حاليًا تحت الإنشاء تسع محطات نووية لتوليد الكهرباء في دول الاتحاد الأوروبي، منها واحدة في فنلندا “,”وبها حاليًا أربع محطات نووية شغالة“,” وواحدة في فرنسا “,”وبها حاليًا 58 محطة نووية شغالة“,” واثنان في سلوفينيا واثنان في أوكرانيا، “,”حيث وقع حادث مفاعل تشرنوبيل“,” واثنان في بلغاريا، بالإضافة إلى عشر محطات نووية تحت الإنشاء في روسيا، هذا ويوجد على مستوى العالم حاليًا 62 مفاعلاً نوويًا لإنتاج الكهرباء بإجمالي قدرة كهربية حوالي 60000 ميجاوات كهرباء، وذلك طبقًا لإحصائيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى أول أغسطس من العام الحالي. · ما هي حقيقة الزعم بأن العالم يعطي ظهره للطاقة النووية؟ يتضح مما سبق عدم صحة الزعم القائل إن العالم أعطى ظهره للطاقة النووية ويبدأ في تفكيك المحطات النووية. والحقيقة أن العالم في اعتماد متزايد على الطاقة النووية بل ويبني الآن المزيد منها سواء في دول العالم النامي أو المتقدم، فعسى الذين يعارضون الطاقة النووية أن يدركوا عدم صحة مزاعمهم . · وبماذا تنصح الحكومة المصرية؟ أكرر دعوتي إلى سرعة اتخاذ القرار في تنفيذ المشروع النووي المصري على كامل مساحته المخصصة له بالضبعة مع إنصاف أهل الضبعة في صرف التعويضات المستحقة لهم بلا إفراط ولا تفريط، مع التحقيق في المتسببين في حاث اقتحام الموقع وتدمير وسلب محتوياته والمروجين للإشاعات المغرضة والمغلوطة والتي تسببت في إثارة أهل الضبعة ومعارضتهم للمشروع رغم أنهم أول المستفيدين منه ماديًا واقتصاديًا واجتماعيًا، كما أنهم كانوا أول المؤيدين له . · وما هي الخسائر نتيجة توقف البرنامج النووي؟ إن كل شهر تأخير في تنفيذ المشروع النووي بالضبعة والمتمثل في إنشاء حتى ثماني محطات نووية، يتسبب في خسارة شهرية أكثر من 800 مليون دولار، فقط بسبب فرق تكلفة الوقود النووي عن تكلفة الوقود البديل من الغاز أو البترول، ما يعني خسارة تأخير سنوية حوالي 10 مليارات دولار، وهو ما يعادل تقريبًا تكلفة محطتين نوويتين، أمَا كفانا خسارة تزيد عن 200 مليار دولار، بسبب تأخير البرنامج النووي بأكمله لثلاثين عامًا مضت؟. · وهل هناك أهمية أخرى للبرنامج النووي المصري؟ إن استراتيجية إنتاج الكهرباء في مصر وخاصة أنه ليس لديها وفرة من الغاز الطبيعي أو البترول، تستلزم الاعتماد المتزايد على الطاقة النووية، مدعومة بالتوسع في استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة وعلى رأسها طاقة المساقط المائية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكذلك تستلزم هذه الاستراتيجية الحد التدريجي من الاعتماد على البترول والغاز الطبيعي في إنتاج الكهرباء وفي تحلية المياه، وهذه الاستراتيجية لا يمكن أن تكون ألعوبة في إيدي مرتعشة تغيرها وتبدل فيها تأثرًا بأحداث محلية أو انقيادًا لسياسات دول خارجية أو طبقًا لأهواء أشخاص هنا أو هناك ليسوا متخصصين في الطاقة النووية أو استراتيجيات إنتاج الطاقة . وأحب أن أؤكد أننا لسنا مروجين للمحطات النووية كما يدعي البعض، فأنا شخصيًا لست، ولن أكون، مستفيدًا منها بصفتي الشخصية وليس لي مطمع خاص، وقد بلغت من العمر أرذله، ولم يعد لي ما أحتاجه ولا من يحتاجني في مليم واحد، وإنما هذا مشروع الأجيال القادمة ولصالحها، تمامًا كما كان مشروع السد العالي.. وكما حمى السد العالي “,”رغم المعارضين له في ذلك الوقت“,” من فيضانات وسنوات قحط مياه كارثية، سيحمي مشروع الطاقة النووية من نقص طاقة كارثي في المستقبل لا يمكن تعويضه بالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح وحدهما.. وإن لم يتم تنفيذ المشروع النووي في مصر قد نضطر إلى استيراد الكهرباء من الإمارات أو إسبانيا تمامًا كما نستورد القمح من الخارج مع الفارق.. فالقمح يمكن الاحتفاظ بمخزون استراتيجي منه لعدة أشهر ولكن كيف يمكن ذلك مع استيراد الكهرباء!؟. · ولكن تبقى هناك مقولة إن الطاقة الشمسية يمكن أن تغني عن الطاقة النووية؟ الحقيقة إنه لا يمكن الاعتماد على الطاقة الشمسية كبديل عن الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء ولكن يعتمد عليها فقط كمصدر طاقة إضافي بجانب الطاقة النووية، وذلك لأسباب عديدة، منها، مع كل النواحي الإيجابية والمميزة للطاقة الشمسية فإنه تحكمها جوانب سلبية عديدة تمنع الاعتماد عليها كمصدر أساسي كثيف ومستمر للطاقة الكهربية . أول هذه الجوانب السلبية: ما يطلق عليه كفاءة استخدام الطاقة الشمسية ويعبر عن هذه الكفاءة عادة إما بالفدان أو الهكتار أو الكيلومتر المربع لكل ميجاوات، وتحسب بقسمة المساحة المستخدمة لمحطة الطاقة الشمسية مقاسة بالفدان أو الهكتار أو الكيلومتر المربع على القدرة العظمى “,”مقاسة بالميجاوات أو بالكيلو وات كهربي“,” . وبالنظر إلى المشروعات التي تم تنفيذها، أو الجاري إنشاؤها، نصل إلى النتيجة المحققة وهي في مشروعات إنتاج الكهرباء باستخدام الطريقة المسماه “,”الفوتوفولتية“,” Photovoltaic فإن كفاءة استخدام الأرض تتراوح بين 4.5 – 13.5 فدان/ ميجاوات كهربي طبقًا لنوع تكنولوجيا المرايا الشمسية المستخدمة وبالمقارنة بمحطات الطاقة الشمسية الحرارية Solar Thermal Power Plants فهذه الكفاءة تتراوح بين 5 إلى 11 فدانًا/ ميجاوات كهربي، وحيث إن الفدان يعادل حوالي 4000 متر مربع، فإن محطات الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء تحتاج لكل 1000 ميجاوات “,”قيمة عظمى وليس متوسط“,” مساحة تتراوح بين 18 – 54 كيلو متر مربع، وحيث إن متوسط قدرة محطة الطاقة الشمسية إلى القيمة العظمى لها تقل عن 25% فإن المساحة المطلوبة لمحطة طاقة شمسية بمتوسط قدرة 1000 ميجاوات كهربي تتراوح بين 72 إلى 216 كيلو متر مربع . بهذا القياس نجد أنه في حال الحاجة إلى إنشاء محطات قوى كهربية بإجمالي 10000 ميجاوات كهربي “,”وهو الذي يمكن أن يقام في موقع مثل موقع الضبعة على الساحل الشمالي بمصر والذي يبلغ إجمالي مساحته حوالي 50 كيلو متر مربع“,” يحتاج مساحة تتراوح بين 720 إلى 2160 كيلو متر مربع . فإذا عرفنا أن المسافة من ساحل البحر المتوسط “,”غرب الإسكندرية“,” إلى بحيرة ناصر تبلغ حوالي 900 كيلو متر، فمعنى ذلك أن توفير العشرة آلاف ميجاوات يلزمها محطات طاقة شمسية تغطي مساحة بطول المسافة بين ساحل البحر المتوسط غرب الإسكندرية إلى بحيرة ناصر“,”900 كيلو متر“,” وبعرض من 0.8 الى 2.4 كيلو متر، فماذا لو احتجنا المزيد من الطاقة الكهربية.. خاصة أننا نحتاج سنويًا من 2000 إلى 3000 ميجاوات كهربي قدرة إضافية لتغطية احتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟، وهل يمكن مقارنة ذلك بمحطات الطاقة النووية بذات حجم القدرة والتي يمكن إقامتها بموقع الضبعة وحده والذي يبلغ طوله الساحلي 15 كيلومترًا وعرضه حوالي 3 كيلو مترات . · هل هناك عيوب مؤكدة للاعتماد على الطاقة الشمسية؟ إن أكبر عيب في استخدام الطاقة الشمسية هو أنها ليست طاقة كثيفة، أي تحتاج لمساحة كبيرة جدًا لا تقارن بمحطات الطاقة النووية، المشروع النووي المصري يسمح بإقامة محطات نووية تغطي جميع احتياجات الطاقة الكهربية المستقبلية اللازمة لمخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبما يوفر من 2000 إلى 3000 ميجاوات كهربي سنويًا. وقد تم بالفعل تحديد مناطق إضافية لبناء المزيد من المحطات النووية مستقبلاً ولكن لم يتم بعد عمل الدراسات التفصيلية اللازمة لها . ثاني هذه الجوانب السلبية هو عمليات الصيانة والتأمين، فعمليات الصيانة لمحطات الطاقة الشمسية مكلفة للغاية، ونأخذ دليلاً على ذلك أكبر محطة شمسية شغالة حاليًا في العالم وهي مجمع الطاقة الشمسية الحرارية لتوليد الكهرباء Solar Energy Generating Systems (SEGS) بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدةالأمريكية، وهذا المجمع الشمسي إجمالي قدرته الكهربية 354 ميجاوات، في حين متوسط القدرة الكهربية على مدار العام لا يتعدى 75 ميجاوات كهربي فقط، ومع ذلك فإن هذا المجمع يشمل حوالي مليون مرايا شمسية لو تم صفها في خط واحد لبلغ طوله 370 كيلو مترًا، معنى ذلك أنه بالقياس فإن العشرة آلاف ميجاوات كهرباء التي يمكن توفيرها من مشروع المحطات النووية بموقع الضبعة تنتج طاقة كهربائية لو تم استبدالها بمحطات طاقة شمسية فإنها تحتاج إلى حوالي 133 مليون مرايا شمسية وهذه لو تم صفها في خط واحد ليبلغ طوله 49300 كيلو متر، أي أكثر من أربعة وخمسين مرة “,”المسافة من ساحل البحر المتوسط غرب الإسكندرية وحتى بحيرة ناصر“,”.. فهل يمكن تخيل حجم أعمال الصيانة اللازمة لصيانة هذا الكم الهائل من المرايا الشمسية وكم يستغرق من الوقت ومن العمالة؟ وكم نحتاج من وسائل وإمكانيات لتأمينها من أي أعمال تخريب أو شغب؟ وكيف يكون الحال في حال حدوث رياح قوية أو عواصف رملية، وما أكثرها في صحاري مصر، مع العلم أن وجود الغبار على المرايا الشمسية يقلل من كفاءة إنتاج الطاقة، وقد أثبتت الدراسات أن أكثر من 50% من فاعلية المرايا الشمسية يتم فقدانها في حال عدم تنظيف المرايا لمدة شهر واحد، فضلاً على أن عملية التنظيف يلزم أن تكون على فترات لا تتجاوز الثلاثة أيام وتختلف طرق التخلص من الغبار على المرايا باختلاف طبيعة الغبار وطبيعة الطقس في البلد . ثالث هذه الجوانب السلبية: ارتفاع تكاليف إنتاج وحدة الطاقة الكهربية “,”كيلوات ساعة“,” مقارنة بجميع مصادر إنتاج الطاقة الكهربية بما فيها مصادر الطاقة النووية وطاقة الرياح وغيرها، وجميع الدراسات الاقتصادية أثبتت أن تكلفة إنتاج الكيلوات ساعة من الطاقة الشمسية تزيد بأكثر من أربع مرات عن تكلفة إنتاج الكيلوات ساعة من الطاقة النووية، مع الأخذ في الاعتبار تكاليف تكهين المحطة النووية بعد انتهاء عمر تشغيلها الافتراضي، وتزيد بأكثر من ضعف تلك المنتجة باستخدام طاقة الرياح أو الغاز الطبيعي وبأكثر من ثماني مرات من تلك المنتجة من المساقط المائية . ورابع هذه الجوانب السلبية هو أنه من الناحية الفنية لا يمكن الاعتماد على الطاقة الشمسية لتوفير الحمل الأساسي من الكهرباء التي يلزم توفيرها على مدار العام، حيث إن الطاقة الكهربية من محطات الطاقة الشمسية تتغير تغيرًا حادًا على مدار اليوم والشهر، وهو ما يتعارض مع الحاجة لتوفير طاقة حمل أساسي بصفة شبه منتظمة على مدار العام كتلك التي يمكن توفيرها من محطات الطاقة النووية “,”أو محطات الغاز أو البترول أو الفحم أو المساقط المائية“,”. خامس هذه الجوانب السلبية: ليس كل المواقع تناسب محطات الطاقة الشمسية بل يلزم مساحات كبيرة شبه مستوية وليست مشغولة بزراعات أو مباني وغير متوقع استغلالها مستقبلاً في إنشاء مباني سكنية أو إقامة أنشطة صناعية أو أنشطة زراعية، وخاصة أن حجب الشمس بواسطة المرايا الشمسية عن الأرض لفترات طويلة يسبب تعفن الأرض وفساد أرض الصحراء . سادس هذه الجوانب السلبية: عنصر المخاطرة، حيث أشارت الدراسات الحالية لتحليل مخاطر إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المختلفة أن معدل حوادث الوفاة لكل 1000 ميجاوات ساعة من استخدام الطاقة الشمسية تزيد حوالي عشر مرات عن تلك الناتجة من استخدام الطاقة النووية وتزيد بحوالي ثلاث مرات عن تلك الناتجة من استخدام طاقة الرياح وإن كانت تقل حوالي عشر مرات من تلك الناتجة عن استخدام الغاز الطبيعي، وتشير الدراسات أن محطات الطاقة الشمسية أكثر أمانًا من المحطات المدارة بالفحم غير أنه من المؤكد أنها أخطر بكثير من محطات الطاقة النووية حتى في عام وقوع حادثة مفاعلات فوكوشيما اليابانية بسبب الزلزال والتسونامي، واللذان لم يحدث في مثل شدتهما قبل ذلك في تاريخ اليابان . سابع هذه الجوانب السلبية: تأثير مصانع إنتاج المرايا الشمسية على الإنسان والبيئة، حيث تشير الدراسات أن المواد الكيميائية السامة المستخدمة في تصنيع المرايا الشمسية تشكل عناصر ضارة بصحة الإنسان وخاصة العاملين في مصانع إنتاج هذه المرايا الشمسية وكذلك تأثيراتها الضارة عند التخلص منها في حال تكهين هذه المرايا، وتشير الدراسات أن هناك خمسين مادة كيميائية مختلفة مسببة للسرطانات ومرتبطة بصناعة وتكهين المرايا الشمسية “,”بعد عمر تشغيل يتراوح بين 15- 25 عامًا“,”، ومن أمثلتها الكادميوم والزرنيخ، ويستمر ضرر هذه المواد عند تكهين المرايا الشمسية وتخزينها، وخاصة مع احتمالات تسرب هذه المواد السامة إلى الجو الذي نتنفسه أو الماء الذي نشربه أو أنواع الطعام التي نأكلها، وقد أشارت منظمة الصحة العالمية في يونيو عام 2006 أن حوالي ربع الأمراض السرطانية التي يصاب بها الإنسان تنتج بطريقة مباشرة من المواد السامة، وصناعات الطاقة الشمسية هي أحد مصادر هذه المواد السامة، وتشير جمعية “,”سموم وادي السيليكون“,” Silver Valley Toxics Coalition أن تصنيع المرايا الشمسية تنتج عنه مواد سامة مشابهة لتلك الناتجة عن صناعة أشباه الموصلات ومنها “,”تيترا كلوريد السيليكون“,” Tetra Chloride Silicon “,”وغازات سادس فلوريد الكبريت“,” Hexafluoride Sulfur. فمن أضرار “,”تيترا كلوريد السيليكون“,” أنها تسبب فقدان صلاحية الأرض لإنتاج المحاصيل، وخاصة أن كل طن إنتاج من “,”البولي سيليكون“,” Poly Silicon المستخدم في المرايا الشمسية ينتج عنه 4 أطنان من “,”تيترا كلوريد السيليكون“,” . هذه الجوانب السلبية للطاقة الشمسية تفسر لنا لماذا مساهمة الطاقة الشمسية بها تبلغ حوالي 0.02% في توفير احتياجات الكهرباء على مستوى العالم “,”مقارنة بمساهمة الطاقة النووية التي تبلغ أكثر من 16%“,”، وتفسر لنا أن الولايات المتحدةالأمريكية رغم توفر سطوع الشمس بها وبمعدلات أعلى من مصر في بعض المواقع، فإنها تأمل أن تصل بنسبة مساهمة الطاقة الشمسية بها إلى 10% بحلول عام 2025، وهنا نشير إلى أن الولايات المتحدةالأمريكية بها 104 محطات نووية تساهم بحوالي 20% في تغطية احتياجاتها من الكهرباء، حسب إحصائيات أغسطس 2012. وفي مثال آخر نجد أن اعتماد إسبانيا على الطاقة الشمسية لا يتعدى 2.7%، في حين أن مساهمة الطاقة النووية بها تبلغ 17.5% خلال 2011، ورغم أن إسبانيا هي أكثر دول أوروبا في سطوع الشمس بها كما أن إسبانيا هي رابع أكبر دول العالم في تكنولوجيا الطاقة الشمسية، هل يعلم هؤلاء أن الصين، وبها معدلات سطوع الشمس أفضل من مصر وثالث دولة على مستوى العالم في احتياطي الفحم، تبني حاليًا 26 محطة نووية في آن واحد؟ هل يعلم هؤلاء أن روسيا، وهي أول دولة على مستوى العالم في احتياطي الغاز الطبيعي، تبني حاليًا 10 محطات نووية في آن واحد؟ . إن وزارة الكهرباء تشجع التوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة وترمي الخطة الحالية إلى الوصول إلى مساهمة مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 20% من إجمالي الطاقة الكهربية المنتجة في مصر بحلول عام 2020 ولكن ذلك بالإضافة إلى مشروعات الطاقة النووية وليس بديلاً عنها . · يبقى إذن تقييم الوضع المصري في ظل تجاهل البرنامج النووي المصري؟ من هنا أقولها صريحة، نحن في خطر ومقبلون على أزمة طاقة خطيرة ولا بد من اتخاذ القرار المناسب بسرعة في البدء في استراتيجية بعيدة المدى لتنفيذ مشروعات الطاقة النووية مدعومة بجميع مصادر الطاقة المتجددة من طاقة شمسية وطاقة رياح وطاقة الكتلة الحية والحرارة الجوفية، وإذا لم يتم البدء في ذلك فورًا فستكون المشكلة مستعصية على الحل مستقبلاً . إن أزمة المياه قد يمكن حلها بتحلية مياه البحر وهي تستلزم توفر الطاقة، ولكن أزمة الطاقة كيف يمكن حلها لحظة وقوعها، خاصة أن محطة القوى النووية الواحدة يستغرق إنشاؤها حوالي خمس سنوات، بعد أول صبة خرسانية لها وحتى رفع قدرة تشغيلها تدريجيًا إلى القدرة التصميمية لها، هل ننتظر حتى نضطر إلى استيراد الكهرباء من الإمارات التي بدأت بالفعل في إنشاء المحطات النووية منذ شهرين؟.