ضمن أدوار أخرى عديدة، يحلو للمثقف البارز سعد الدين إبراهيم أن يتولى دور الوسيط، وهو ما أداه منذ عشر سنوات بين الولاياتالمتحدة وجماعة الإخوان، وتاليا مع الجماعة السلفية، أو مؤخرا بين مصر وقطر، خلال زيارة قام بها منذ أيام إلى دولة قطر، بطلب من الشيخة موزة بنت ناصر المسند، والدة الأمير الحالى تميم. وفى مقال سابق له، نشره فى صحيفة (المصرى اليوم)، بعنوان " لماذا التخوف من دولة قطر؟" صوّر فيه طبيعة العلاقة بين البلدين على أنها قلق مشروع من تدخل قطرى فى الشئون المصرية، وغيرة شوفينية غير مشروعة حول دور دولة عربية صغيرة، مثل قطر، تزاحم به دور الشقيقة الكبرى مصر، عربيا واقليميا و دوليا، منتهيا إلى مشروعية طموح قطر للقيام بدور اقليمى، فسّره بالثراء الكبير لهذه الدولة، و حصافة نخبتها الحاكمة. والأمر هنا يتعلق بأن هذه الحصافة، ترتبط بتوجهات استراتيجية و سياسية، مثلت خروجا على المواضعات الحالة: فعلى المستوى الاستراتيجى، ثم التأكيد على دور أمريكى قطرى، يستهدف ترويض الاختراق الاقليمى السائد منذ عقود باسم الإسلام، بالوكالة عن الولاياتالمتحدة، ما أدى إلى تورط قطر فى النزاعات والحروب و الأزمات الاقليمية التى تخوضها أمريكا لحسابها الخاص. وعلى المستوى السياسى، عمدت قطر إلى اختراق كافة الأطر والهياكل التى حكمت واقع العلاقات السياسية العربية، بما فيها مواثيق جامعة الدول العربية ومحلس التعاون الخليجى، و كرست سياستها على أن تكون همزة الوصل بين القوى الإسلامية و الأنظمة العربية الحاكمة. أما مسألة الثراء الكبير لدولة قطر، فيمكن معاينتها من خلال أسرتها الحاكمة، التى قايضت هذا الثراء بشرعية الرضا من قبل المحكومين، فيما يجوز النظر إلى هذه الشرعية بحذر، مع تحول المجتمع القطرى عن عباءته القبلية، وتسرب التوجهات الليبرالية الطارئة (مجلس للشورى، دستور جديد، انتخابات بلدية، و تطور لاوضاع المرأة)، وكلها ممارسات جاءت كمنحة من الحاكم، ولا ترتكز على رصيد تاريخى، يقابلها تزايد غلاة المنهج السلفى، واحتكار النخبة الحاكمة للسياسة والثروة، وضيقها فى أحيان بمعارضيها. و هنا، يظل السؤال موجها إلى سعد الدين إبراهيم: هل هى غيرة مصر الشوفينية حول دور قطر، أم تراها تندرج وساطته فى التيسير لنمط جديد من استباحة المنطقة؟