تحتفي الكنائس حول العالم اليوم الموافق 30 سبتمبر بتذكار وفاة القديس جيروم (ايرونيموس) معلم الكنيسة الجامعة والعالم اللاهوتي الفذ وصاحب أولى وأعظم ترجمات الكتاب المقدس. ولد عام 347 في بلاد دلماتيا (يوغسلافيا) من أسرة رومانية غنية، ولما بلغ الثانية عشرة من عمره أرسله والده الى روما لدراسة الفلسفة والبلاغة بالإضافة لقواعد اللغة اللاتينية وأثناء فترة الدراسة جارى رفاق له من الطلبة في فسادهم مستسلماً للشهوات مما كان يجعله يشعر كثيراً بالذنب، فيحاول تسكين ضميره بزيارة قبور الشهداء والقديسين في أيام الآحاد فيشعر بالزهد في الحياة ويقوم بالصلاة وتلاوة المزامير. بعد انتهاء دراسته في روما إنتقل مع صديق له إلى بلاد الغال (فرنسا) ثم استقر في مدينة ترير في جنوب غرب ألمانيا حيث درس اللاهوت، وعاد بعدها إلى إيطاليا وكوّن صداقات عديدة بمسيحيين آخرين، ورافقه بعضهم عندما بدأ عام 373 رحلته عبر اليونان وآسيا الصغرى و شمال سوريا وصولاً لأنطاكيا. في أنطاكيا توفيّ اثنان من أصدقائه فيما مرض هو أكثر من مرة بأمراض قاسية، وخلال إحدى فترات مرضه شهد رؤيا جعلته يقرر بعد شفاءه الإكتفاء بالقدر الذي حصل عليه من الدراسات وقرر أن يكرِّس نفسه لله، فبدأ يتعمق في دراسة الكتاب المقدس ويشتاق لحياة الزهد والعُزلة في الكهوف وتغيرت حياته وصار يقدم التوبة المستمرة عن خطاياه مع الأصوام والصلوات. اعتزل لفترة في برية قنسرين جنوب شرق أنطاكيا وقضى وقتاً مثمراً في القراءة والكتابة والتأمل، ثم عاد إلى أنطاكيا عام 379 حيث تمت رسامته كاهناً على ألا يرتبط بكنيسة معينة، ليتفرغ للكلمة أينما شاء الله أن يدعوه. سافر بعد رسامته بفترة إلى القسطنطينية واستكمل هناك دراسة الكتاب المقدس على يد القديس غريغوريوس النزينزي وبعدها عاد إلى روما ليصبح سكرتيراً للبابا داماسوس الأول وأُعطيَ مهام كثيرة كان أهمها ترجمة الكتاب المقدس إلى اللاتينية (الڤولجاتا) وهو العمل الجليل الذي يعدّ أكبر إنجازاته وخدماته للكنيسة، ولقد ترجم العهد القديم عن العبرية مباشرة والعهد الجديد عن اليونانية مباشرة، وهي أول ترجمة شاملة للكتاب المقدس بمنهجية واضحة ودقيقة. في العام 385 وبعد وفاة البابا داماسوس غادر الأب جيروم روما عائداً لأنطاكيا برفقة شقيقه وبعض الأصدقاء ثم أخذهم في رحلة حج إلى أروشليم مع أسقف أنطاكيا پاولنيوس ثم امتدت الرحلة نحو مصر، وفي الإسكندرية التقى بالقديس ديديموس الضرير ثم قضى بعض الوقت في صحراء وادي النطرون، وفي أواخر صيف العام 388 عاد إلى الأراضي المقدسة ليقضي ما تبقى من حياته داخل مغارة قريبة من بيت لحم متشبهاً بالسيد المسيح في ميلاده داخل مغارة، وقد أحاط به بعض أصدقائه من الرجال والنساء الذين كان هو مُرشدهم الروحي، حيث سكنوا في مغاور قريبة منه. قضى الأب چيروم حوالي 34 عام في المغارة وأنجز فيها معظم كتاباته، الي ان توفي في 30 سبتمبر من العام 420 بعمر الثالثة والسبعين بعد مجهود كبير في خدمة كلمة الله من ترجمة للكتاب المقدس وتفاسير وأطروحات وخطابات وعظية للنُسّاك، نُقلت رفاته إلى روما وهي محفوظة ببازليك القديسة مريم بروما. القديس جيروم هو شفيع علماء الكتاب المقدس وعلماء الآثار والمؤرخين والمترجمين وأمناء المكتبات، ويعتبر يوم 30 سبتمبر هو يوم الترجمة العالمي إحتفاءً بمترجم الكتاب المقدس القديس جيروم.