قالت صحيفة إندبندنت البريطانية، إن الانشقاق المفزع بين السنة والشيعة لم يكن بسبب الحرب السورية أو الاضطرابات في العراق أو إيران فقط، ولكنه صراع بدأ منذ عام 632 ميلادية، عندما توفي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ونوهت الصحيفة عن أن الخلاف بين السنة والشيعة - الذي يمتد في جميع أنحاء الشرق الأوسط بين طائفتي الإسلام الأكثر عدداً - ناهيك عن وجود طائفة ثالثة وهي الإباضيون، الذين يشكلون أكثر من نصف السكان في العديد من الدول العربية، هذا الصراع بين الطوائف يعتبر مثل خطوط الصدع التكونية في الأرض على طول ما يعرف باسم الهلال الشيعي، الذي يبدأ من لبنان في الشمال وثمَّ يعبر سورياوالعراق إلى الخليج وإلى إيران في الشرق، ويعتبر الصراع بين السنة والشيعة - الأقدم في الشرق الأوسط - والذي يتزايد بشكل كبير هذه الأيام، وهو ما قد يؤثر على تشكيل مصير المنطقة المنكوبة. وأضافت الصحيفة، تعتبر سوريا أكبر دليل على هذا الصراع، حيث يوجد مقاتلون جهاديون من تنظيم القاعدة السني، مقابل مقاتلي حزب الله الشيعي، وهو ما يحوّل الحرب في سوريا إلى حرب طائفية من الدرجة الأولى، كما أشارت إلى أن هناك نحو 1.5 مليار مسلم في العالم أغلبهم من السنة - وتبلغ نسبة الشيعة ما بين 10 إلى 20 % من المسلمين في العالم - ما يجعل الشيعة أقلية في العديد من دول الشرق الأوسط في دول السنة، لكن في دول مثل العراقوإيران والبحرين وأذربيجان يفوق عدد الشيعة عدد السنة، ويشعل الوضع في سوريا وجود أغلبية سنية تحكمها أقلية شيعية، وأن وضع العلويين في سوريا - الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد والكثيرون من النخبة في الجيش السوري الحكومي - عكس الوضع العراقي في عهد صدام حسين، لوجود أغلبية شيعة تحكمها أقلية سنية، وهذا الانقسام بين الفيصلين أقدم وأعمق حتى من التوترات بين البروتستانت والكاثوليك التي أفسدت أوروبا لعدة قرون، حيث يكمن سبب الاتهامات بين السنة والشيعة في من كان الأحق منهما بخلافة الرسول عليه الصلاة والسلام بعد وفاته. وأرجعت الصحيفة الصراع بينهما - عقب وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام - والانقسام بين المسلمين، إلى أن أغلبية كانت تؤيد تولي أبو بكر الصديق الخلافة، وأقلية ترى أن علي بن أبي طالب هو الأحق بها، والمؤامرات وحوادث القتل التي حدثت بعد ذلك وأدت إلى التصدع والانشقاق وزرعت بذور الحرب الأهلية، وتضيف الصحيفة: "على الرغم من اتفاق السنة والشعية على اتخاذ القران الكريم منهجاً، إلا أنهما اختلفا على الأحاديث وبعض الأحكام الفقهية، ثم زادت الاختلافات بمرور الزمن، وقام بعض السنة باستنكار الطقوس الدينية التي يقوم بها الشيعة، وفي الفترة التاريخية التالية اندلعت أعمال العنف، والتي كان يدفع الشيعة في الغالب ثمنها، ففي عام 1514 قام السلطان العثماني بمجزرة للشيعة وتم قتل 40 ألف شيعي، وفي الهند - في الفترة بين القرنيين ال 15 وال 19 - تم إعدام العلماء الشيعة بشكل دوري، وإحراق كتبهم وتدنيس مناطقهم المقدسة، وتكررت نفس المأساة في باكستان". وأضافت الصحيفة: "وفي قوت مبكر من القرن العشرين - مع صعود الأصولية السنية المعروفة باسم الوهابية في المنطقة - وضعت قيود شديدة على ممارسات الشيعة، كما يرى أعضاء تنظيم القاعدة أن الشيعة ليسوا مجرد زنادقة، ولكنهم مرتدون عن الإسلام وعقوبتهم هي الموت، كما قام المستعمرون البريطانيون في العراق في عام 1920 باستغلال الانقسام بين الطائفتين، والقيام باضطهاد الشيعة لإحداث انقسام في البلاد، ليمهدوا لوصول السنة إلى الحكم، علاوة على إعدام صدام حسين لرجال الدين من الشيعة العراقيين بشكل منظم، كما أن هناك تطورين رئيسيين في تصاعد التوتر بين السنة والشيعة في السنوات الأخيرة، ففي عام 1979 - عندما أطيح بحكم الشاه الموالي للغرب واستبداله بآية الله الخميني الشيعي الأصولي - قام الخميني ببذل جهد لبناء علاقات جيدة بين السنة والشيعة داخل إيران، ولكن القادة الآخرين داخل إيران قاموا باستعداء السعودية السنية". وتشير الصحيفة إلى أن الإيرانيين والسعوديين يخوضون حربا بالوكالة في الشرق الأوسط منذ ذلك الحين، وذلك على الرغم من التسامح الديني الظاهري الموجود في إيران، ووجود كنائس ومساجد خاصة للسنة، ولكن - في الوقت نفسه - لا يوجد أي سني في الحكومة الإيرانية، كما أن رجال الأعمال السنة يجدون صعوبة في الحصول على تراخيص الاستيراد والتصدير، وأعداد هائلة من السنة العاديين عاطلون عن العمل، فالوضع في المملكة العربية السعودية على العكس تماما، فالشيعة هناك عانوا من التمييز في التعامل. وكان غزو العراق - بتحريض من الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير عام 2003 - العامل الثاني الكبير في تدهور العلاقات بين السنة والشيعة، حينما قاد صدام حسين النخبة السنية التي تحكم الأغلبية الشيعية في العراق مع عهد إرهاب الدول، وكانت الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تدعم صدام في حرب العراق مع إيران في الثمانينيات، والتي قتل فيها نصف مليون جندي، وتضيف الصحيفة أنه بعد الهجمات على الولاياتالمتحدةالأمريكية في 11 سبتمبر عام 2001، والحرب على العراق، تمّت الإطاحة بصدام حسين، ووضعت أمريكا زعماء الشيعة في العراق في سدة الحكم - الذي قاموا كالعادة باستبعاد السنة من المناصب - ثم تحولت الخلافات إلى حرب بين السنة والشيعة، عبر علميات القتل والسيارات المفخخة من قبل تنظيم القاعدة الذي يحارب الحكومة الشيعية في العراق. وعندما بدء الربيع العربي عام 2011 - كاحتجاجات ضد الفساد والمحسوبية وانتهاكات حقوق الإنسان - قامت الثورة في سوريا ضد حكومة بشار الأسد، ولكن في غضون عامين تحولت إلى انتفاضة مسلحة ضد النظام، ثم ظهر في سوريا جيش الدول الإسلامية في الشام والعراق - المعروف اختصاراً باسم داعش - وهو تابع لتنظيم القاعدة السني، الذي يستقدم المقاتلين من جميع أنحاء العالم الإسلامي السني للانضمام إليهم، ويحصلون على تمويل من الدول السنية، وتختم الصحيفة تقريرها بالقول إن التوتر بين السنة والشيعة في تزايد في جميع أنحاء العالم نتيجة لذلك، وإنه آخذ في الارتفاع في أفغانستانوباكستان وتركيا والكويت ولبنان والبحرين وليبيا وتونس وماليزيا ومصر - وحتى في لندن - بشأن قضايا الهوية والحقوق والمصالح ومنح حق التصويت، كما أن هناك توترات عميقة الجذور في المخاوف الاقتصادية والجيوسياسية الأوسع، لكن الخطر الأكبر للانقسام بين السنة والشيعة هو الحرب بينهما، كما تنبّأ البعض من قبل.