كشفت دراسة حديثة، لمجلس العلاقات الخارجية البريطانى، عن جذور الصراع السنى - الشيعى فى المنطقة، موضحة أنه يساهم فى إشعال جذوة النزاعات والفتن الطائفية فى الشرق الأوسط والدول المسلمة، وأشعل الحرب الأهلية السورية التى تهدد بتغيير خريطة الشرق الأوسط، وفتيل العنف فى العراقوسوريا، وخلق المشكلات والخلافات بين عدة دول من الخليج ذات العلاقات المضطربة، كما أعادت النزاعات الطائفية إحياء الجماعات التكفيرية فى المناطق البعيدة عن النزاع. وتؤكد الدراسة أن حالة الغليان التى وصل إليها هذا الخلاف والتى بدأت منذ أربعة عشر قرناً، لا تفسر العوامل السياسية والاقتصادية والجيوستراتيجية التى أدت إلى هذه النزاعات، لكنها أصبحت إحدى الزوايا التى يمكن من خلالها محاولة فهم الاضطرابات الكامنة خلف تلك الصراعات، فقد قامت الدولتان المتنافستان على الريادة الإسلامية (المملكة السعودية السنية وإيران الشيعية) باستغلال الشرخ الطائفى لمصلحتهما، وعلى الأغلب ستحدد نتيجة هذا التنافس شكل التوازن السياسى الجديد بين السنة والشيعة ومستقبل المنطقة، خصوصاً فى سورياوالعراقولبنانوالبحرين. وتناولت الدراسة خلافات العصر الحديث حيث وفرت الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 الفرصة المناسبة لآية الله روح الله الخمينى، فى تحقيق مراده بإقامة دولة إسلامية برئاسة «الولى الفقيه»، وهو مفهوم مثير للجدل بين الشيعة، ويختلف معه السنة، إذ فصلوا تاريخياً ما بين رؤسائهم السياسيين ورجال الدين، وكانت حجة الخمينى تقول إنه لا بد لرجال الدين من استلام الحكم ليقوموا بمهمتهم على أكمل وجه: وهى تطبيق الإسلام كما أراد الله من خلال وصاية الأئمة الشيعة. هكذا إذن بدأت إيران تجربتها فى الحكم الإسلامى، ومن هنا حاول الخمينى إعادة إحياء الروح الإسلامية بالدعوة إلى توحيد المسلمين، لكنه كان يدعم مجموعات فى لبنانوالعراقوأفغانستانوالبحرينوباكستان ذات أجندات شيعية واضحة، ورغم إعجاب الإسلاميين السنة بنجاح الخمينى فإنهم لم ينضووا تحت قيادته، الأمر الذى زاد فى زعزعة الثقة بين الطائفتين. ومن جهة أخرى نجد فى المملكة العربية السعودية أقلية شيعية تشكل 10% من مجموع السكان اليوم، كما يوجد الملايين من أتباع الوهابية وهو فرع متزمت من الإسلام السنى انبثق من المدرسة الحنبلية ويعادى الإسلام الشيعى، ولقد دفع تحول إيران إلى قوة شيعية معلنة بالسعودية إلى الإسراع فى تنمية الوهابية مساهمة بذلك فى إحياء خصومة قديمة ما بين الطائفتين حول الفهم الحقيقى للإسلام، وإن تتبعنا أصول العديد من المجموعات المسئولة عن أحداث العنف الطائفى فى المنطقة منذ عام 1979 نجد أنها تعود إلى السعودية وإيران. لقد ساندت السعودية العراق فى حربه ضد إيران من عام 1980 إلى 1988 ودعمت المقاتلين فى باكستانوأفغانستان فى حملتهم ضد الاتحاد السوفيتى الذى احتل أفغانستان فى عام 1979، لكنها كانت أيضاً تقمع المجموعات الشيعية التابعة لإيران. ومع تحول إيران إلى قوة محركة للمجموعات الشيعية فى الدول الإسلامية، تأكدت الشكوك السنية بأن ولاء الشيعة العرب هو لإيران، لكن العديد من الخبراء لا يتفقون مع هذا الطرح، مذكرين بأن الشيعة ليسوا موحدين، فهويتهم ومصالحهم ترسمها عوامل عدة وليس فقط الطائفة، وشيعة العراق مثلاً كانوا أغلبية فى الجيش العراقى الذى حارب إيران خلال الحرب العراقيةالإيرانية، كما وقع خلاف بين حركتى أمل وحزب الله الشيعيتين خلال الحرب الأهلية اللبنانية. ووظفت كل من السعودية وإيران العديد من المصادر لتغذية حروبها بالوكالة خاصة فى سوريا، حيث هناك الكثير مما لا يمكن خسارته، وتراقب الرياض عن كثب أى بوادر للشغب فى إقليمها الشرقى الغنى بالنفط حيث تقطن الأقلية الشيعية، كما أرسلت قواتها مع قوات دول خليجية أخرى إلى البحرين لقمع ثورة شيعية فى معظمها، كذلك تغدق السعودية مئات الملايين من الدولارات على الثوار السنة فى سوريا، وفى الوقت ذاته تمنع وصول الأموال إلى القاعدة والمجموعات الجهادية المتطرفة التى تحارب نظام الأسد. أما إيران فقد خصصت مليارات الدولارات لدعم وتقوية الحكومة العلوية فى سوريا، إضافة إلى تدريبها وتجهيزها مقاتلى الشيعة من لبنانوالعراقوسورياوأفغانستان لمحاربة الميليشيات الطائفية بأنواعها، لكن اتساع نطاق تلك الحرب التى يقودها الطرفان بالوكالة قد يكون مدعاة للقلق عند القادة فى الرياض وطهران حول تبعات تصعيد النزاع، إذ هناك تقارير تشير إلى أن الطرفين خاضا محادثات فى أيار 2014 لإرساء قواعد حوار يرمى إلى حل دبلوماسى للخلاف. ولكن المجموعات الشيعية فى العالم العربى، حققت انتصارات سياسية مهمة بدعم من إيران. فنظام الأسد الذى حكم سوريا منذ 1970 يرتكز على رفاقه من العلويين -الطائفة الشيعية التى تشكل 13% من التركيبة السكانية فى سوريا- كحجر أساس فى حكمه؛ حيث يسيطرون على أعلى المراتب العسكرية والأمنية فى سوريا ويشكلون العمود الفقرى للقوات التى تقاتل فى صف بشار الأسد فى الحرب الأهلية. كذلك فى العراق منذ أن أودى الغزو الأمريكى فى 2003 بحكم صدام حسين وفرض الانتخابات، أصبحت الغلبة فى البرلمان للشيعة وهم من عينوا رؤساء الوزراء. أضف إلى ذلك حزب الله الشيعى اللبنانى الذى يعد أقوى مجموعة سياسية فى لبنان. إذاً نلاحظ تضاعف التأثير الإيرانى فى المنطقة مع استئثار حلفائها فى تلك البلدان بالسلطة. فى المقابل كان الهم الأكبر للحكومات السنية (وبالأخص السعودية) هو إحكام قبضتها على الحكم خاصة بعد حركة الاحتجاجات التى بدأت فى تونس فى أواخر 2010. انتقلت الثورات بعدها إلى البحرينوسوريا، حيث يبرز الانقسام الطائفى. فالسلطة فى كليهما تقع فى يد طائفة من الأقليات: العلويون فى سوريا حيث السنة أغلبية.. والسنة فى البحرين حيث الشيعة أغلبية. وقد كشفت الحرب الأهلية فى سوريا رغم أنها سياسية بطبيعتها الغطاء عن الاحتقان الطائفى وتحولت إلى مسرح لحرب بالوكالة بين القوى السنية والشيعية فى المنطقة. حتى إن بعض الخبراء يرون أن الصراع فى سوريا هو فرصة السنة الأخيرة لحسر المد الإيرانى والشيعى فى العالم العربى.