قدم الناقد المسرحي العراقي الدكتور على حسين حمدان، ورقة تقدية عن العرض العرائسي المصري "أضرار الهاتف المحمول"، للمؤلفة والمخرجة رانيا طاهر خليل، ريهام طاهر خليل، ضمن فعاليات مهرجان الشباب لمسرح الدمى "أون لاين" عبر تطبيق زووم الإلكتروني. قال حمدان، إنه على الرغم من اختلاف التجمعات والمجتمعات يبقى من المؤكد أن الوظيفة الأولى التي ظهرت من أجلها الدمى ترجع في أصولها إلى الطقوس السحرية، اذ يؤكد ذلك "ارنوت": إن فن الدمى نبع من السحر والطقوس في روما القديمة، اذ كانوا يلقون بدمية من القش في نهر التيجر تخليدا لذكرى الإنسان الضحية الذي كانوا يلقون به وهو يقاوم الموج، وأن أفلاطون أشار إلى ما يؤكد وجود دمى القفاز، وأول من نعرفه فنانا للعرائس هو "بوثينوس" وهو رجل اغريقي كان يقدم عروضه على المسرح الكبير للإله "ديوثيوس" في اثنا، وبهذا تناقلت الأجيال والمجتمعات على مر التاريخ مسرح الدمى مع اختلاف التناول الوظيفي "للدمية" في كل حقبة زمنية وبحسب الحاجة التي تلبيها ومواكبتها للتطور العلمي مما اثبت أثرها الفاعل والمهم في كل حقل دخلت فيه، وهذا الاهتمام بمسرح الدمى تعكسه لنا رؤية "جوردن كريج" للممثل النموذجي بوصفه "ماريونيت" ويتأكد ذلك فيما كان يرمي اليه "لونييه بو" من تأسيس مسرح التياتر دولوفر بوصفه مسرحا للدمى، لما تمتلكه من امكانات درامية تعبيرية لاسيما في مسرح الطفل واهتمامه بعالم الطفولة الواسع الخيال، اذ جسدت الدمية اللاعب الرئيس في خلق الفرجة المسرحية، بجمال التشويق الذي يكمن سره في صمتها الناطق وسكونها المتحرك، أو بمعنى آخر ثباتها الديناميكي، فما أن تبدأ بالعمل وتعتلي مكانها على خشبة المسرح، أو تظهر إلى الجمهور حتى تفعل فعلها السحري الاخاذ وتبدأ بواعثها بأرسال الشفرات، فتصبح كائنا حيا يمتلك ماضيا وحاضرا ومستقبلا، تشارك المتلقي أفراحه وأحزانه وتمتص غضبه ويحاكيها ويعنفها ويعتذر منها ويصغي إلى نصائحها، ويبادلها الحوار، أنها أفق واسع من السحر والخيال، وتابع: من هنا تأتي خصوصية مسرح الدمى كونه أحد وسائل التثقيف، والتنوير، والتعليم، والتوعية، الذي يستطيع من خلاله المتلقي العيش بجميع حواسه مع الشخصية والحدث الذي يقدم امامة، الأمر الذي جعل من المؤلفتين المخرجتين "رانيا وريهام طاهر خليل"، أن تلتقطا لنا موضوعة مهمة وساخنة تشكل هاجسا مقلقا لدى الجميع وهو كيف نحقق توازنا مع أهم اختراع تكنولوجي "الهاتف المحمول" الذي يعد قناة اتصال وتواصل مع متغيرات الحياة، وعلى الرغم من أهميته لكنه بالوقت ذاته يشكل خطرا على الصحة اذا ما أسيئ استخدامه بشكل مفرط وعبثي، فضلا عن الهدر بالوقت بموضوعات ليست من الأهمية والفائدة بشيء يذكر، والإشارة إلى ذلك الرفيق الذي يحقق الفائدة "الكتاب" من خلال القراءة وقضاء أوقات مفيدة، هذه الالتقاطة الفكرية الذكية على مستوى الفكرة والموضوع، كانت تحتاج إلى تفعيل بواعثها الدرامية من تشويق وتوتر فقد جاءت الأحداث هادئة بسيطة خالية من لحظات الاحتدام الدرامية، التي من شأنها أن تشد المتلقي وتجعله يترقب ويتوقع ويفكر بماذا سوف تؤول اليه الحكاية، فكل شيء كان متوقع، وهذه البساطة في الطرح انسحبت جماليا على الصورة المشهدية التي كانت مقتصدة إلى أقصى حد، اذ خلت من عوامل الابهار التي هي من أهم عوامل الجذب في العرض المسرحي لاسيما المخصص لمثل هذه الفئة العمرية، فالأثر الذي تحدثه الصورة موحشة أو مخففة عن النفس، أو كانت مدهشة أو فاتنة، ثابته أو متحركة، بالأبيض والأسود أو بالألوان، صامته أو ناطقة، فأنها تمارس الفعل وتحث على رد الفعل، وهذا ما كان على مخرجتي العمل الانتباه والعناية به، وأظن أن هذه البساطة أحد أسبابها الإنتاج. وأضاف حمدان، أن الشخصية "الدمية" هي اللاعب الأساس في ايصال مقترحات العرض المسرحي وكي تنجح في ادائها لا بد من أن يكون هناك محرك يتقن تحريكها في أن يحقق توافقا ذهنيا حركيا بين تحريكه للدمية والحوار المنطوق وأن تتسق علاقة دميته مع جميع الدمى في العرض، فأن كل ممثل هو مخرج لدميته، وأن الخيال الإبداعي الطليق من شأنه أن يوحد عوالم الممثلين الداخلية ويوشجها مع شاعرية النص المؤلف حتى يظهره عند بنائه لشخصية الدمية المسرحية، وذلك عندما يكتشف وسائل الدمية ويستثمرها لصالحه ولصالح العرض، فتكتمل الصورة في ذهن المتلقي بكل ما فيها من متعة وجمال واحساس ودفق ومعرفة، وهذه المهارة تحتاج اليها كل من "رانيا، وريهام" بوصفهما محركتا دمى العرض واللتان ستكونان أفضل في قادم العروض مع اكتساب الخبرة من خلال الممارسة والتواصل في كشف أسرار تحريك الدمى الخيطية لاسيما في بلد مثل مصر يمتلك محركين دمى على مستوى عال من المهارة والخبرة وربرتوار مسرحي لعروض مسرح الدمى، فضلا عن الريادة في هذا الجانب من فنون الدمى وما نحت في الذاكرة الجمعية لدينا مثل أوبريت "الليلة الكبيرة"، مشيدا بالاجتهاد والمثابرة والاخلاص والحب الذي دفع "رانيا، وريهام" إلى الولوج إلى هذا العالم الساحر المسرح، لاسيما مسرح الدمى وننتظر المزيد من الجمال في التقاط قضايا اجتماعية تحتاج إلى المعالجة والتوعية. يذكر أن فعاليات دورة الفنان الرائد طارق الربيعي، لمهرجان الشباب الدولي لمسرح الدمى بالعراق "أون لاين"، انطلقت الخميس الماضي، وتستمر مساء اليوم الاثنين 17 أغسطس الجاري، والتي تنظمها دائرة ثقافة وفنون الشباب قسم السينما والمسرح بالتعاون مع المركز الثقافي العراقي للطفولة وفنون الدمى، ورعاية وزارة الشباب والرياضة بالعراق، بمشاركة مجموعة من الدول العربية وهي "العراق، مصر، سوريا، الجزائر، عمان"، كما يشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان 12 عرضا مسرحيا، بالإضافة إلى 8 عروض أخرى مشاركة على هامش المهرجان. كما يهدف المهرجان إلى تفعيل فنون مسرح الدمى محليا ودوليا من خلال اتاحة الفرصة للشباب واشراكهم في تقديم عروض مسرحية بالدمى ونشر ثقافة فنون الدمى من خلال إقامة ورش ومحاضرات تثقيفية.