الحب والخذلان في حياة الشاعرة الأمريكية رسمت حياتها بدقة في رسائلها إلى عائلتها وأصدقائها تحدثت في رسائلها للمقربين منها عن زواجها وحياتها واكتشافها خيانة تيد هيوز لها عاشت الشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث حياة حافلة بالمعاناة، حياة قصيرة (1932-1963)، لكنها كانت فوق احتمال طاقة شاعرة روحها هشة رغم قوة عاطفية كبيرة تتجلى في كلماتها.. حياتها تناول تفاصيلها المأساوية كتاب كثيرون على حساب قصائدها التى تعتبر من علامات الشعر والأدب العالميين. علاقتها مع زوجها الشاعر تيد هيوز شغلت أيضا محبوها والمقربون منها والقراء، خاصة بعدما أشيع أنه كان سببا بطريقة أو بأخرى في إقدامها على الانتحار. كانت سيلفيا تكتب الشعر والقصة وتمارس الرسم أحيانا، لكنها رسمت حياتها بدقة في رسائلها إلى عائلتها وأصدقائها للدرجة التى تجعل المهتمين بها وبفنها يرون كيف عاشت، وكذلك كيف عانت تلك المعاناة التى من الممكن بسهولة أن تقود شخصا ما إلى حافة الانهيار ليختفى كنجم حارق. اهتمت سيلفيا بلاث بتأريخ كل رسالة وجهتها إلى صديقتها «آن». وكذلك صديقتها «مارشا براون». وفى رسائلها إلى والدتها تكشف مدى الترابط الذى كان يجمعها بعائلتها، خاصة والدتها التى كانت ترسل لها كل تفاصيل أيامها وما يدور فيها، ففى نهاية فبراير من عام 1956، كتبت إلى والدتها رسالة تقول فيها: «بالمناسبة قابلت شاعرا رائعا هو طالب سابق في كامبريدج في حفل حضرته الأسبوع الماضى، من المحتمل ألا أراه مجددا، لكننى كتبت عنه قصيدتى الأجمل، إنه الرجل الوحيد الذى التقيته وأشعر أنه قوى بما يكفى ليكون مساويا لى، يا لها من حياة». وفى رسالة أخرى تصف بلاث هذا الشاعر لوالدتها (والذى سيصبح قريبا زوجها)، كما تقول فاطمة نعيمى مترجمة الرسائل. «هذا الشاعر المسمى تيد هيوز، طويل القامة، ذو وجه كبير، وشعر بنى داكن، وعينين خضراوين زرقاوين متوهجتين، ويرتدى نفس الملابس القديمة طوال الوقت، سترة سوداء سميكة وسروالا خاكيا ملطخا بالنبيذ». وعلى الرغم من أنه قد تم عقد قرانهما، إلا أن الأمر بقى سرا، إذ كانت بلاث تخشى من فقدان منحة فولبرايت الجامعية إذا اكتشفت السلطات أنها متزوجة. وكما تقول المترجمة في مقدمة الكتاب: تبدأ الرسائل بتقديم صورة تفصيلية لزواجهما وتستمر إلى النهاية المأساوية؛ حيث الانفصال وعودة الاكتئاب وصولا إلى الانتحار. تعتبر رسائل سيلفيا بلاث الطويلة لأمها العمود الفقرى لمجموع الرسائل في الكتاب، ذلك أنها تؤرخ لتفاصيل ويوميات ومشاعر بلاث في جامعة كامبريدج كامرأة متزوجة، التدريس في كلية سميث والعيش في نورثهامبتون مع هيوز، جمع مدخراتهما للعيش في بوسطن والكتابة بدوام كامل، السفر إلى كاليفورنيا والإقامة في معتزل يادو في ساراتوغا سبرينغر، والاستقرار أخيرا في إنجلترا (ديسمبر 1959- فبراير 1963). ويقول الكتاب عن رسائل الشاعرة الأمريكية إلى والدتها أنها كانت إيجابية بشكل عام وتركز على الأمور العملية، ذلك أن سيلفيا كانت تدرك أن والدتها تواجه صعوبة في التعامل مع تقلباتها المزاجية. بعد ممارسة التدريس لمدة عام في كلية سميث صرحت لوالدتها بأن المهن الأكاديمية هى بمثابة «الموت للكتابة». وبالتالى فقد قررت تكريس نفسها للكتابة الإبداعية لبقية حياتها. تحدثت سيلفيا بلاث في رسائلها للمقربين منها عن زواجها وحياتها كزوجة وأم ومن بعدها اكتشافها لخيانة تيد هيوز لها وعلاقته الغرامية بآسيا وإيفل والانفصال وما لحق ذلك من مشاعر الغضب والحزن والخذلان. لكن مع كل ذلك وبغض النظر عن الظروف لم تغير بلاث رأيها بهيوز أبدا ككاتب عبقرى. لم تتمكن بلاث من أن تحب نفسها بما يكفى لمواجهة وضعها دون دعم نفسى أو زوج مخلص، وبالنتيجة فقد قامت بالانتحار في 11 فبراير 1963، على الرغم من تكرارها لعبارات مثل: «أنا قوية وعنيدة ومحاربة». وهنا نستكمل جزء آخر من رسائلها الفريدة والمليئة بالحب والخوف والرغبة في الحياة وكذلك الرغبة عنها. كتبت سيلفيا بلاث رسالة إلى أمها في 14 يونيو 1952، حينما كانت تعمل نادلة في أحد المطاعم، إذ قالت لها: أمى العزيزة بعد اليوم يجب أن تكونى مستعدة للتخلى عنى. أريد أن أوضح لك أنه عندما أتيت اليوم كنت متوترة وعلى وشك البكاء. لم أرد أكثر من أن أرمى بنفسى بين ذراعيك وأقول: «خذينى معك إلى المنزل، لن أكون نادلة جيدة أبدا». لكن لم أعرف ما الذى أقوم به. فوق ذلك أخبرتنى المديرة في المطعم بعدها أنه ليس من الضرورى أن أعمل في نوبة العشاء لأنى عملت وقت الغذاء. فكرت حينها أننى لو كنت أعلم بهذا من قبل لكان بإمكاننا التنزه معا في مكان ما، ركضت إلى غرفتى وانفجرت بالبكاء. لم أكن أعرف أين كنت وقتها. جاء «ديك» ولاحظ أننى كنت متعبة وحزينة. أصر على أن أخرج معه لتناول العشاء، بحلول ذلك الوقت، جعلتنى فكرة جلوسى وحيدة لمدة أربع ساعات مع والده السيد نورتون عندما كان من الممكن أن أكون معك، أشعر بالأسوأ. لكننى تمكنت بطريقة ما من ابتلاع هذا الشعور السقيم وتناول عشاء لطيف. بعدها قطفنا بعض حبات الفراولة البرية وذهبنا في نزهة على الأقدام إلى جانب الشاطئ حتى جاء «ديك» لإعادتى. كنت أشعر بالامتنان للطف وإنسانية السيد نورتون لدرجة أننى يمكن أن أبكى. يبدو أن هذا هو كل ما يمكننى فعله الآن. وأرجوك، أرجوك، عندما يحصل «وارن» على يوم عطلة، تعالى مرة أخرى وامنحينى فرصة أخرى. ربما لو أمكنك الوصول إلى هنا بعد الغداء، وإذا لم تتمكنى من ذلك ففى الصباح الباكر، يمكننا الذهاب حينها للسباحة معا. اكتبى لى يا أمى لأننى في حالة خطيرة من الشعور بالأسى على نفسى. جميع الفتيات يخرجن في مواعيد مع الشباب بينما أشعر أنه لا أحد يحبنى إلا رجل الثلج الذى ابتسم لى اليوم. لقد تغير ديك معى وأشعر برغبة في الطلب منه أن يتوقف عن تمثيل اللطف وأن يتركنى وشأنى. مارشا «مخطوبة» وكتبت إلى تسأل عن نيويورك وما إلى ذلك. كم أحبها! على أية حال، بما أننى لست مضطرة للعمل في المطعم في وجبة الإفطار غدا، ربما يمكننى العودة للنوم والكتابة لاحقا. في الوقت الحاضر تبدو لى الحياة فظيعة، وأنا مرهقة، خائفة، غير كفؤة، غير متجددة، ومنخفضة المعنويات بشكل عام. تحملينى! من المحزن أن تلمح من تحب أمامك وترغب في العودة مرة أخرى إلى المنزل حيث يهتمون بما إذا كنت على قيد الحياة أم لا. على أية حال، سامحينى على التصرف بشكل غريب اليوم. وأرجوك عودى قريبا مرة أخرى. شكرا لجلب الأشياء. حبى. سيلفيا وفى رسالة أخرى أرسلتها لأمها أيضا في 27 يونيو 1952، قالت فيها: أمى العزيزة يا للهول! كانت الأيام الثلاثة الماضية أشبه بالجحيم. بينما تتبختر الفتيات الأخريات في ثيابهن النايلونية الخضر ذوات الأكمام القصيرة، فإننا نرتدى ثيابنا القطنية الطويلة ذوات الأكمام الطويلة. لم تكن لدى الطاقة الكافية حتى للذهاب للسباحة هذا الصباح، وعليه فقد بقيت مستلقية في غرفتى وغفوت. على الرغم من أننى ذهبت إلى الفراش في الساعة العاشرة والنصف ليلة البارحة، إلا أننى ما زلت أشعر بالتعب. قد يكون سبب التعب هو حقيقة أننى لم أتناول وجبة طعام جيدة لمدة أسبوعين.. ولزيادة الرتابة الروتينية، كنت أحلم باستمرار بعملى كنادلة كلما ذهبت إلى النوم، وغالبا ما لا أستطيع أن أميز إن كنت قد تناولت الغداء أو العشاء عندما أستيقظ، لأننى أشعر أننى كنت أعمل أثناء نومى. بالإضافة إلى ذلك، لا بد أن السيد دريسكول قد تأثر بخطابك؛ لأنه تقدم إلى اليوم باقتراح غير تقليدى. إنهم يزيدون من تعقيد مشاكلنا الجانبية عن طريق بناء خزانة لتخزين أغطية المائدة الكتانية، وبالتالى مع وجود ثلاثين شخصا وثلاث نادلات منشغلات سيكون الأمر فظيعا. قام السيد دريسكول بعرض الأمر على في جمل سريعة، قائلا: «تقولين إنك مستعدة للعمل لجنى مبلغ إضافى، يمكنك تسليم أغطية المائدة بعد الوجبات مقابل ثلاثين دولارا شهريا. أبلغينى بقرارك على الفور، الآن أو غدا». لقد صدمت تماما. بدا مبلغ ثلاثين دولارا في الشهر مبلغا رائعا، لكننى قمت بمراجعة السلبيات والإيجابيات بشكل سريع في رأسى. تسليم الأغطية للقاعة الرئيسية يعنى ساعة إضافية إلى العمل إلى نحو منتصف الليل يومى الأربعاء والسبت بعد حفلات الرقص والكوكتيل. حسنا! اكتشفت أننى سأعمل أكثر من ثلاثين ساعة إضافية في الأسبوع مع عدم وجود وقت راحة بكل تأكيد. لا حياة اجتماعية، لا استرخاء، لا شىء! أنا أقدر هذه الفرصة لأننى شعرت أن السيد دريسكول حسن النية. لكننى أشعر أن هناك حدا لما يمكننى أن أفعله مقابل جنى المزيد من المال. عندما فكرت في العمل الذى سأقوم به مقابل المبلغ المذكور شعرت بالغضب الشديد. أخبرته بأدب شديد أننى أقدر عرضه، لكننى لن أستطيع تحمل الوقت الإضافى جسديا. لقد تجاهلنى وخرج في منتصف حديثى. كان بإمكانى أن أرميه بصحن. هناك تهور وانعدام ضمير بالغ لدى هؤلاء الناس على الرغم من الأموال التى تتدفق من خلال أيديهم. تخيلى أن أعمل أكثر من سبعين ساعة في الأسبوع! ثم يا إلهى الفتيات العاملات في القاعة الرئيسية لا يعملن بجهد أكبر منا، ومع ذلك يحصلن على خمسة أضعاف الأجور. بمعنى آخر لقد أعطيت الفرصة لقتل نفسى كى أربح ما يكسبنه هن دون أى جهد على الإطلاق. لقد كنت أحترق من الغضب! سأغادر هذا المكان بحلول التاسع من أغسطس سواء إلى الجحيم أو الأمواج العالية. ربما أمكنك الطلب من آل نورتون أن يجلبوا دراجتى معهم عندما يأتون في نهاية يوليو، هذا إذا كانوا سيأتون. إنهم لطفاء للغاية وأنا متأكدة من أنهم يتفهمون ضرورة أمور كهذه. أود الاحتفاظ بالدراجة أطول فترة ممكنة. من المضحك ملاحظة كيف تتقلب مشاعر المرء مع الوقت، بعد اندفاعى وغضبى اليوم أشعر أننى مجنونة بعض الشىء لأننى خسرت فرصة استعبادى لمدة شهرين للحصول على ما لا يزيد عن 175 دولارا. أستطيع أن أتفهم الآن موقف السيد دريسكول، كان على الأرجح يمنحنى فرصة لكسب مال إضافى، لكن مع ذلك فأنا لن أخوضها، وسأعانى من تبعات هذا القرار. هلا ذكرت جدى وجدتى بإحضار الحقائب الثلاثة الكبيرة (لإراغة) عند مجيئهم، يمكننى الاستفادة منها لتوفير بعض المساحة. يوجد شاب يروق لى: نحيف وذكى ويدرس الطب في جامعة كولومبيا الطبية ويواعد أجمل نادلة هنا، وهى أيضا طالبة في عامها الأول في جامعة جون هوبكنز الطبية. على أية حال، لقد خرجت في نزهة مع شاب اسمه راى وندرليتش لمدة ساعتين يوم الأربعاء من الساعة الثامنة إلى العاشرة مساء. وبما أنه لم يكن هناك أى شخص في الخارج في هذا الوقت المبكر، جلسنا على الشاطئ نتناول الآيس كريم وتحدثنا حول كل شىء تحت الشمس. إنه شاب لطيف، وسأكون محظوظة وسعيدة للغاية إذا التقينا مجددا. لذلك لا داعى للقلق بشأن خروجى في أوقات متأخرة وما إلى ذلك. مرة واحدة في الأسبوع سألتقى «ديك». وبالتالى لن أفقد عقلى. إذا كان بإمكانى تحمل هذه الوظيفة لمدة شهرين سأكون فخورة بنفسى. الشىء الوحيد الذى أخشاه هو أننى إذا أعطيته إشعارا بترك العمل قبل أسبوعين قد يطردنى على الفور، وبالتالى بعد ان فكرت في الأمر، لن أشتكى! لذا، يا أمى العزيزة، شكرا على كل الرسائل الجميلة المستمرة، لا تقلقى بشأنى. آمل أن تتفهمى مشاعرى هنا، رفضى لهذا «الاقتراح» اليوم كان علامة على نضوجى! حبى لك، لوران، وجدى العزيزين. لا أعلم ما أفعل بدونك! حبى. سيلفيا