بعنوان جذّاب "تيد هيوز: سيرة حياة غير مصرّح بها" وعبر صفحات تتجاوز الستمائة مدعّمة بالصور والوثائق، تقبض هذه السيرة علي الشاعر البارز بكل تعقيدات حياته، التي يصفها في يوميّاته ب"المشتعلة". هو شاعر امتلك عناصر الأسطورة والمآسي الشخصية التي وسمت شعره، وجعلته سهلا لأن تتم مُحاكاة قصائده مُحاكاة ساخرة. في أواخر الستينيّات، قدّمت المجلة البريطانية الساخرة "برايفت آي" محاكاة ساخرة لأعماله علي الطريقة التي وصف بها جوناثان بايت، كاتب السيرة الذاتية الجديدة عن تيد هيوز، الصادرة هذا الشهر عن دار نشر هاربر كولنز والمدرجة علي القائمة القصيرة للكتب غير الروائية المرشّحة لجائزة صامويل جونسون، فقصيدة هيوز وفق بايت تتلخّص في: "غراب، دم، موت، طين، جمل قصيرة، فاصل صامت بين الجمل، ولا أفعال". يبدو هيوز (1930 - 1998) مميّزا بطرق أخري. جسمٌ ضخم، يدٌ ملطخة بالحبر، وخصلة شعر تقع باستمرار وعفوية علي عين واحدة تزيد من جاذبيته، وغيرها من الجوانب جعلت "تأثيره علي النساء هائلاً" كما يكتب جوناثان بايت في "حياة غير رسمية" وهي السيرة الثانية لهيوز منذ وفاته. عندما التقته سيلفيا بلاث، لأوّل مرة في حفل جامعة كامبريدج التي درسا فيها في عام 1956، وقعت في حبّه سريعا، وكتبت في مذكّراتها عن ذلك "الصبي الكبير الداكن، الوحيد هناك الذي كان ضخما كفاية بالنسبة لي". أما عشيقته ثم زوجته اللاحقة آسيا ويفيل فكتبت: "هو واحد من أفضل مخلوقات الله، قاطبة". تزوج تيد وبلاث واستمر زواجهما ست سنوات من الجنون والشك والألم، أثمرت "فريدا" و"نيك".
أن تكون فائق الجمال، فهذا كما هو معروف، نعمة ونقمة. هذه السيرة تدّعي أن حياة هيوز أحاطتها اللعنة من عدة طرق متداخلة، بعضها جلبه لنفسه بنفسه. انخرط في علاقات الحب، ومغامرات الصيد في جميع أنحاء العالم، فضلا عن غرامه بالتنجيم. نعرف من السير السابقة للشاعر البريطاني البارز ومن سيرة سيلفيا بلاث وكذلك السيرة المزدوجة، أن هيوز وبلاث عاشا حياة قوامها الكآبة والمآسي، الشقاء والبؤس. يقول بايت أن الشاعر الذي سطع كنيزك وسط الحياة الأدبية، سريعا ما هوي في ظلمات تفاصيل شخصية مثل زواجه وانهيار زواجه من سيلفيا بلاث وغرامياته وعلاقاته الجنسية. ومع الوقت وجد بايت نفسه يكتب سيرة لشاعر فيها القليل من الإشارة إلي أبيات شعر، في مقابل المزيد من التفاصيل الأخري غير الأدبية، وفي الوقت الذي يعتبر كثيرون هذا عارا، اعتبره جوناثان بايت فرصة للتحرّر في الكتابة عن سيرة الشاعر المنحدر من الطبقات الدنيا في مقاطعة يوركشاير ثم أصبح شاعر البلاط الإنجليزي الذي يصاحب الملكة الأم في رحلات صيد فخمة. جوناثان بايت أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة أكسفورد ومؤلف العديد من الكتب، بما في ذلك "روح العصر" (2009)، الذي يعتبر موسوعة جيدّة في التعريف بالتاريخ الفكري لشكسبير. يقدّم سيرة ثاقبة وإنسانية وعميقة عن حياة وأعمال تيد هيوز. من دفتر يوميّاته يبدو هيوز جادا في العيش من أجل شعره فقط. يلتقط كاتب السيرة الأكثر جدلا حتي الآن مسحات الجنون في مفكّرات الشاعر البريطاني الراحل، وخطط الانتقال للعيش في الصين من أجل كسب المال، "المال هو عدوّي" كما يكتب تيد هيوز. أمّا جونثان بايت فيقول عن تلك الفترة: "بعد انتحار بلاث، تعامل الجميع مع تيد من منطق الإدانة، وكم كان هذا مكبّلا ومميتا، لكن تيد هيوز لم يتخلّ عن مواصلة الكتابة، ومواصلة الشعر"، ويضيف بايت: "وربما أخذ سرّا في التكفير عن ذنوبه بالكتابة". واحدة من الأشياء التي تستدعي انتباهنا لهذه السيرة، أن بايت هو أوّل كاتب سيرة نجح في استخدام الأرشيف الكامل الخاص بالشاعر، ويعد أعظم أرشيف في تاريخ الشعر الإنجليزي، حيث يضم آلاف الصفحات من المخطوطات غير المنشورة لهيوز وصفحات الجرائد ومسودّات أعماله الشعرية ومفكّرات يوميّة، تعليقات حول أمور حياته، مسودّات "رسائل عيد الميلاد"، والأفكار الخاصة التي لم ينشرها من قبل ويوميّاته عن هوايته المحببة وهي صيد الأسماك. والعديد من الصور والوثائق الشخصية من الأرشيف الضخم الذي كان مملوكا لزوجة الشاعر الثالثة كارول هيوز ومحفوظا الآن في المكتبة البريطانية. ومن بين ما حصل عليه بايت تلك المراسلات الطويلة بين هيوز وصديقه المقرّب شيموس هيني، الشاعر الإيرلندي الحاصل علي نوبل عام 1995. لعبارة "سيرة حياة غير مصرّح بها" أو "غير رسميّة" المذيّلة في العنوان الفرعي للسيرة قصّة. كان بايت قد حصل علي إذن من ورثة هيوز ممثلين في (فريدا وأولوين) ابنته وأخته - وكيله الأدبي، للاقتباس بلا حدود من أرشيف هيوز بالمكتبة البريطانية الوطنية والذي تم الإعلان عنه في 2008، حصل بايت علي إذن استخدام الأرشيف في 2010 لإتمام سيرته عن هيوز. ثم حدث أن تراجع ورثة هيوز عن الاتفاق في 2014، مما وضع بايت في ورطة. لكن وبعد خمس سنوات من البحث والكتابة والتحليل استطاع بايت أخيرا أن ينشر كتاب السيرة المثيرة للجدل، محل النزاع اليوم بين ورثة الشاعر خاصة أرملته كارول وبين بايت، والأخير كتب فصول السيرة بصياغة ماهرة مكّنته من التلاعب بالمأزق الذي كبّل يديه لفترة. كانت من أسباب النزاع حول السيرة أنها احتوت الكثير عن الحياة الخاصة للشاعر بعيدا عن حياته الأدبية. كان والده نجارا، ثم بعد ذلك صاحب كشك بيع جرائد. اقتادت الظروف تيد هيوز (شاعر البلاط) من ريف ويست يوركشاير التي ولد فيها في عام 1930 إلي جامعة كامبريدج ليصبح بعد وقت قصير شاعر بريطانيا الأبرز منذ عام 1984 وحتي وفاته. تزوّج هيوز من بلاث في عام 1956، بعد بضعة أشهر من لقاءهما الأوّل، ثم انتحرت في العام 1963، بعد عام علي انفصالهما. كان هناك الكثير من النساء في المراحل المختلفة من حياة تيد هيوز، عشيقات ونزوات. وكانت آسيا ويفيل عشيقته التي خان بلاث معها، قد انتحرت عام1969 بنفس طريقة بلاث عبر دسّ رأسها في الفرن واستنشاق الغاز. في يوميّات الشاعر التي تعتمد عليها السيرة في أجزاء كثيرة، يعبّر هيوز عن شعور السجين في زنزانة أطلقوا عليها "كاره المرأة". بدا هيوز وكأنه يوجد المبررات التي تمنحه بعض الصفح من جمهور الشاعرة المنتحرة، وكيف أنها حاولت من قبل ارتباطهما الانتحار. ومع الوقت أصبح جلّ تركيزه هو محاولة إيجاد الوسيلة الأنسب لتكثيف مشاعره ودفعها بالاتجاه الصحيح للتعبير عن تلك الأحداث الرهيبة من حياة الزوجين المبدعين، وبما يمحو فكرة "المذنب الأوّل والوحيد" التي التصقت به. للفترة المتبقية من حياته، بعد انتحار بلاث، عاش هيوز مطاردا من أولئك الذين شعروا أنه أساء لبلاث في حياتها ومماتها، وكان سببا في نهايتها المأساوية. حتي أن لجأ بعض المخرّبين للحفر وتشويه مكان اسم هيوز علي شاهد قبر سيلفيا بلاث. شعر هيوز أنه محاصرا بشكل أو بآخر، شهد منزله العديد من حوادث السرقة والحرائق، طاردوه بوصفه الشاعر المختل، قاتل زوجته. ثم أخيرا يموت في سن ال68 بسرطان القولون. أمّا بالنسبة لهذه السيرة فإن تيد هيوز "سعي للحب كمن يسعي للحرب". المؤلف في المقام الأول هو قارئ يقظ لأعمال هيوز. وقرّر تقديم سيرة حياة الشاعر ترثي هيوز لعدم قدرته لفترة طويلة وحتي وقت متأخر علي إيجاد الصوت الأكثر حميمية الذي يعبّر ويدافع به عن نفسه. وكان هيوز حريصا علي ألا يبدو أنه يستفيد من حياته مع بلاث في كتابة أي شيء يخصّها واكتفي بعد رحيلها بدفع مخطوطات أعمالها وروايتها الوحيدة للنشر، وقيل أنه تدخّل وحرق بعض الصفحات التي تخص حياتهما وتأتي علي ذكره. "كم هو غريب أن نُدفع دفعًا لإبداء تصريحات علنية عن أسرارنا" كتب هيوز مرّة في إحدي رسائله إلي هيني، وكتب أيضا: "لكننا نفعل ذلك". انتظر هيوز طويلا حتي جرؤ علي نشر "رسائل عيد الميلاد" الذي يحتوي في صور شعرية حكايات عن حياته مع بلاث وعلاقتهما المعقّدة. تقول السيرة عن هيوز وبلاث أن الاثنين نجمان تنافسا في الشعر والحب، وربما لهذا لم يُقدّر لهما البقاء في علاقتهما. تشتمل فصول السيرة علي يومّيات كتبها هيوز عن "صُحبة الملوك". يقول المؤلف إن قمة سعادة الشاعر هي الخروج إلي الهواء الطلق، وهو دائم الغرام بالحياة البريّة التي عاشها في طفولته وأثّرت علي ملامح صوره الشعرية في إنتاجه الأوّل. لذلك كانت رحلات الصيد الملكية من أعظم تجارب هيوز ومغامراته الممتعة. كتب يصف رحلة صيد مع الملكة الأم: "الصيد مع الملكة الأم في اسكتلندا كان من أعظم أيام السنة"، ويكتب في موضع آخر: "أمّا أحاديثنا الحميمة بصحبة الأمير تشارلز، فأمر لا يُنسي". وقد سخر هيوز في بعض قصائده من العائلة الملكية. كتب في قصيدة تحت عنوان "المطر سحر للدوقة" عن معمودية الأمير هاري. وواحدة في مناسبة زواج الأمير أندرو من سارة فيرجسون. علي الرغم من هذا لا يبدو جوناثان بايت متعاطفا مع هيوز في هذه السيرة. بل تحتوي فصولا قاسية فيما تقدّمه عن حياة هيوز. فيصوّره في صورة رجل متهوّر ومعيب، وغارق في نزواته.