يحفظ التاريخ صورة للسياسى المحنك على هيئة رئيس الوزراء البريطانى الأشهر ونستون تشرشل، بقبعته الأنيقة وخطبه الحماسية والسيجار الذى لا يفارقه، والذى بدأ عشقه له منذ شبابه عند سفره لكوبا لمتابعة وقائع تمردٍ نشب ضدّ الحكومة الاستعمارية الإسبانية؛ وكان الرجل حتى وفاته منذ حينها قد اعتاد تدخين تسعة منها يوميًا، لدرجة أنه خلال الحرب العالمية الثانية تمّ تصميم قناع أوكسجين واقٍ يُتيح له تدخين السيجار. لم يكن تشرشل سياسيًا كبيرًا فقط، بل كان كذلك مقاتلًا جريئًا وصحفيًا مغامرًا قبلها، ففى عام 1899، سافر إلى جنوب أفريقيا لتغطية وقائع حرب البوير لصالح جريدة «مورننج بوست». وخلال إحدى جولاته في قطار مع الجنود البريطانيين، تعرّض لكمين من قبائل البوير الذين فتحوا عليهم النار وعطلوا السكة، وتم أسره حتى العام التالي، حيث فرّ من المعتقل وتسلّل إلى قطار بضائع وقفز منه بدافع العطش. وخاض طريقه في الغابات حتى وصل لكوخٍ يمتلكه مهندس بريطانى ساعده على الهرب إلى شرق أفريقيا. كان الخطيب المفوّه كذلك كاتبًا لا يُشقّ له غبار في وقت كان هناك روائى أمريكى في ذلك الوقت يحمل الاسم ذاته، وتجنُّبًا للخلط اتفقا أن يوقّع رئيس الوزراء البريطانى ب«وينستون س. تشرتشل». وقدّم في أول كتاباته شهادتَه عن الحملة العسكرية البريطانية في باكستان؛ واستمر في كتاباته لدرجة أنّه حاز على جائزة نوبل للآداب عام 1953. ولِكُثر اهتمام تشرتشل لفترة في حياته بالإسلام، رأى بعض من عائلته أنه لا بدّ سيعتنقه ذات يوم. جاء ذلك في رسالة من خطيبة أخيه بعثتها له محذرةً إياه قبل سفره إلى شمال أفريقيا في عام 1907 «عند أى احتكاك بينك وبين الإسلام، ستغدو مسألة اعتناقه لديك أيسر مما تظنّ». لكنه لم يُخفِ اهتمامَه بالثقافة الإسلامية دون اعتناق الدين نفسه، وخلال الحرب العالمية الثانية، استطاع جمع مائة ألف جنيه إسترلينى لبناء مسجد لندن المركزي، في محاولة منه كسب دعم المسلمين خلال الحرب، كما انتقد علنًا المعاملة السيئة للقبائل المسلمة في نيجيريا، المستعمرة البريطانية حينها؛ كذلك وجّه الانتقاد للمسلمين فيما يتعلق بمعاملة المرأة في السودان. أمّا أطرف ما روى عنه فكان في عام 1941 شاهد الرئيس الأمريكى الأسبق فرانكلين روزفلت وبعضٌ من كبار موظفى إدارته وينستون تشرشل عاريًا ذات مرة خلال زيارة له، وعند محاولة الرئيس الانسحاب، طلب منه ألا يغادر فهو «ليس لديه ما يخفيه عن أقرب حلفائه» كما قال مازحًا، وعند عودته ذكر لملك بريطانيا جورج السادس بأنه «الشخص الوحيد في العالم الذى قابل الرئيس عاريًا».