تميزت مصر منذ فجر التاريخ بالعمارة، إذا خلفت العمارة المصرية القديمة العديد من الآثار التى تدل على حرفية وإتقان الفنان المصرى عبر العصور، وقدرته الفائقة على تشييد القصور، إذ كشفت الحفريات في مدينة تل العمارنة، والأقصر عن عدد كبير من القصور، واستمر الوضع عبر العصور والحضارات المتعاقبة على مصر فمرورًا بالعصر البيزنطى، والقبطى، والإسلامى، وحتى الدولة العلوية، فبدأت القصور في مصر تأخذ العديد من الطرز المعمارية، وفى هذه السلسلة من الحلقات والتى تستمر على مدى شهر رمضان الكريم سنتعرف على أهم القصور في مصر المحروسة. على بُعد خطوات من دخول شارع المعز في قلب القاهرة الفاطمية، وبالتحديد بالقرب من سبيل الأمير عبدالرحمن كتخدا.. تجده شامخًا متحديًا الزمن إنه قصر الأمير بشتاك، والذى أقيم على جزء من أرض القصر الكبير الشرقى الفاطمى، والذى يعود بناؤه إلى العام 1334 ميلاديًا، و735 هجريًا واستمرت أعماء البناء والتشييد قرابة الخمسة أعوام. وأقيم القصر على رقعة أرض القصر الكبير الفاطمى، وقد عثر على إحدى القطع الحجرية منقوشا عليها صورة سيدة على رأسها غزال، وكان القصر الكبير يعود للأمير بدر الدين بكتاش الفخرى، والمعروف بالأمير سلاح، وبعد وفاته اشترى الأمير بشتاك هذا القصر من ورثته، كما حصل من السلطان الناصر محمد بن قلاوون على قطعة أرض كانت داخل القصر تعود ملكيتها لبيت المال، كما ضم لأرض القصر مجموعة من المبانى ومنها دار تعرف بدار «قطوان الساقى»، كما قام بهدم أحد عشر مسجدًا وأربعة معابد، والتى كان يسكنها الفقراء، ولم يستثن منها سوى مسجد «الفجل»، ليصبح قصر الأمير بشتاك من أعظم مبانى القاهرة، فارتفاعه بلغ أربعين ذراعًا. فكان الأمير سيف الدين بشتاك الناصرى، أحد الأمراء المقربين للسلطان الناصرى محمد بن قلاوون، والذى منحه لقب أمير فامتلك الأملاك والأراضى، وكان له منزل على النيل وخانقاه كان شيخها الشيخ شهاب الدين القدسى، وقد عاش «بشتاك» حقبة مليئة بالصراعات والنزاعات بين المماليك وانقلابات على الحكام، والتى انتهت بتدبير مكيدة له من قبل الأمير قوصون عند عودته من الحج وقام بالقبض عليه وجرده من أملاكه وقام بسجنه بالإسكندرية ثم قتله في عام 742 هجرية أى في فترة حكم السلطان الأشرف علاء الدين بن الناصر بن محمد قلاوون. وعن القصر الذى تبقى من كل أملاك الأمير «بشتاك» فنجد انه لم يمكث فيه طويلًا، ولم يتمتع به مطلقًا وكأنه قصر ملعون، فكان ينقبض صدره كلما دخله، ولهذا فقد قرر بيعه لزوجه بكتمر الساقى، وتناقل ملكية القصر ورثتها حتى آل إلى السلطان الناصر حسين بن قلاوون، واستمر القصر في تناقل ملكيتة حتى ساءت أوضاعه وأصبح في حالة يرثى لها، بفعل الإشغالات حوله، بعد أن كان من أعظم مبانى القاهرة التاريخية، وواجهات الثلاث التى تطل على شارع المعز، ويحوى القصر نوافذ صنعت بطريقة المشربية المستطيلة والنوافذ المعقودة من الجص المعشق بالزجاج الملون، وتتكون القاعة الرئيسية من إيوانين كبيرين تتوسطهما دور قاعة والتى توجد في مستوى أقل انخفاضًا عن الإيوانين تتوسطهما فسقية من الرخام الملون، إلا أن هذه القاعة بها أيضًا إيوانان جانبيان عبارة عن سدلين والسدلة عبارة عن داخلة في الحائط لوضع مقعد طويل منخفض. أما أرضية القاعة فقد فرشت بالبلاطات الحجرية، ويعلوها سقف خشبى غنى بالزخارف البالغة الروعة.