وكأن جدرانه شيدت لتصدح فيها نغمات الموسيقى والطرب، يتجلى دور الإبداع وعبقرية التصميم فى الشغل الهندسى الرائع على مشربيات القاعات المغطاة بالرخام، إلى جانب إضاءة عبقرية وزجاج ملون معشق على السقف الخشبي، وبالرغم من روعة بناء هذا القصر إلا أن «بشتاك» كرهه ولم يعش فيه ثم باعه إلى زوجة الأمير «بكتمر»، هجره مالكه، وبعد قرون، تحول إلى أهم منابر الإبداع الفني والأدبي. يقول حازم جابر مدير آثار منطقة قلاوون بشارع المعز، قصر الأمير «بشتاك» هو نموذج فريد للعمارة المدنية فى العصر المملوكى يقع بشارع المعز بالقاهرة الفاطمية وأنشأه الأمير سيف الدين بشتاك الناصرى أحد أمراء الناصر محمد بن قلاوون الذى قتل بمكيدة من الأمير قوصون أثناء حكم السلطان الأشرف علاء الدين كجك، تقلد «بشتاك» عدة مناصب إلى أن وصل لمنصب، كاتب سر السلطان، الأمر الذى جعله يحظى باحترام الناصر قلاوون، فقام بتزويجه ابنته. ويضيف، القصر فى البداية كان يقطنه الأمير بدر الدين «بكتاش» ثم اشتراه الأمير «بشتاك» من الورثة، وأضاف إليه المساحات التى كانت حوله وكان قد أنشئ حوله أحد عشر مسجدا وأربعة معابد من آثار الفاطميين ودار قطوان الساقي، تعرض القصر فى عام 1992 إلى زلزال أكتوبر، الذى كاد أن يقضى على القصر، مما تطلب إجراء عمليات صيانة وترميم له بالتعاون مع معهد الآثار الألماني، استغرقت عامين بتكلفة وصلت إلى 50 مليون جنيه، ليتم صدور قرار للسيد وزير الثقافة بتخصيص القصر ليكون مقرًا لبيت الغناء العربى كأحد مراكز الإبداع الفنى التابعة لصندوق التنمية الثقافية. وللقصر ثلاث واجهات، الأولى وهى الرئيسية تقع بالجهة الشمالية الغربية مطلة على شارع المعز، وتتكون من ثلاثة طوابق بها مشربيات ليست على استقامة واحدة بل على جزءين أحدهما غائر والآخر بارز، وبها رسومات هندسية آية فى الجمال، أما الواجهة الثانية فتقع بالناحية الشمالية الشرقية وتطل على درب ترمز، بها عدد من النوافذ المغطاة بأجنحة معدنية، بها أيضا بوابة تؤدى للقصر. والواجهة الثالثة بالجهة الجنوبية الغربية تطل على حارة بيت القاضي، وبالنسبة للمدخل الحالى فيتم الوصول إليه بسلم خشبى مزخرف يؤدى إلى باب خشبى عليه كتابات عن منشئ القصر. يتكون القصر من طابقين الأرضى به قاعة وإسطبلات ومخازن غلال وغرف الخدم، الطابق العلوى يضم قاعة الاحتفالات وغرف النوم، وكان يحتوى طابقا ثالثا للنساء لكنه تهدم. المدخل يفضى إلى دركاة مربعة «مساحة»، على يمينها سلم يؤدى إلى الطابق الثانى وعلى يسارها إسطبلات يصل إليها من خلال دهليز به بئر أثرية للاستعمال اليومى للخيول، يعلو الإسطبلات حجرات خاصة بالقائمين على خدمة الخيل. القاعة الرئيسية يتصل بها سلم صاعد يتقدمها سطح مكشوف وتتكون من أربعة إيوانات مساحة مربعة مفتوحة للجلوس، ودور قاعة وسطحى مغطاة بالرخام فى أشكال هندسية، والأسقف الخشبية يتدلى منها وحدات إضاءة فريدة الشكل، هذا بالإضافة إلى الإيوان الشرقى الذى يمتاز بمشربياته الخشبية الكثيرة والإيوان الغربى يحوى نوافذ جصية معشقة بالزجاج الملون أما الإيوانان الشمالى والجنوبى فيحوى كل منهما بائكات ثلاثية العقود ترتكز على أعمدة رخامية ذات قواعد وتيجان على الطراز الإسلامى، وملحق بهذه القاعة عدد من الحجرات ودورات المياه، وتوجد فتحة باب مؤدية إلى ممرات مطلة على الدور «قاعة» وكانت هذه الممرات تستخدم قديما لرؤية ما يجرى بالقاعة حيث كانت النساء تجتمعن بغرف الحرملك بالدور الثالث المندثر، ولا يسمح لهن بالجلوس مع الضيوف بالدور الثاني.