كان الشيخ محمد صديق المنشاوى حالة متفردة بين قارئى القرآن، صوتًا وأداء، وكان له طريقة متفردة عند الجلوس لقراءة القرآن فى السرادقات، فلم يكن يجلس كعادة المقرئين متربعًا، بل يثنى رجليه فى وضع السجود، ثم أنه لا ينظر إلى مستمعيه أبدًا، فنظره يتركز فى الأرض، وينفصل عن الجميع فى حالة وجدانية يستحضر فيها الخشوع وينطلق صوته عذبًا خاشعًا. كان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب يصف الشيخ المنشاوى بأنه «الصوت الذى تلين له القلوب والجلود معًا»، وكان الشيخ الشعراوى يُسميه «الصوت الخاشع»، وكان سمِّيعة القرآن يطلقون عليه «الصوت الباكى» و«أجمل من قرأ سورة طه من مقام النهاوند»؛ وذلك منذ أن ذاع صيته فى الصعيد وأرسل إليه أمين بك حماد رئيس الإذاعة يستدعيه لاعتماده مقرئًا فى الإذاعة فى الفئة الممتازة ليتقاضى 12 جنيهًا فى التسجيل، وهو ما أغضب الشيخ مصطفى إسماعيل الذى طالب أن يزيد أجره عن المنشاوى ولو نصف جنيه «حفظًا للمقامات». تزوج الشيخ المنشاوى، الذى كان خفيف الظل ويتذوق النكتة ويعشق صوت أم كلثوم ويراها «تمتلك صوتًا ساحرًا وفخيمًا»، زواجًا تقليديًا فى أول حياته على عادة أهله فى الصعيد، وأنجب منها ابنه الأكبر سعودى وثلاث بنات؛ لكنه خلال إقامته فى أخميم وقع فى هوى واحدة من بناتها فقرر أن يتزوجها، لكنه كان بحاجة لموافقة والده بعد أن تعهد بأن يعدل بين زوجتيه؛ ومن الزوجة الثانية أنجب الشيخ ثمانية بينهم خمسة ذكور وثلاث بنات. فى كتابه «غرام المشايخ» يروى الكاتب الصحفى أيمن الحكيم أن الشيخ وزوجتيه وأولاده أقاموا جميعًا فى بيت واحد وفى سلام ووئام يفوق ما رأيناه فى الدراما الاجتماعية الشهيرة «عائلة الحاج متولى»، وأقامت أسرة الشيخ فى فيلا بحدائق القبة، ثم بنى الشيخ عمارة للأسرة، واختار لنفسه الدور الأول، كما ألحق بالعمارة مسجدًا يحمل اسمه. ومن طرائفه يروى الحكيم: كان الشيخ قد اعتاد أن يرتدى جلبابًا أبيض وطاقية من نفس اللون ويجلس أمام العمارة فى ساعات العصارى فى شهور الصيف، وحدث أن جاء ضيف لا يعرفه فظن أنه بواب العمارة، فطلب منه بعنجهية أن يصعد لإحضار الشيخ فى أمر عاجل، وبهدوء صعد الشيخ إلى شقته وارتدى ملابسه الرسمية -الجبة والقفطان والعمامة- ونزل إلى الضيف وقال له بهدوء: أدينى جبتلك الشيخ.. أفندم!.