نشأ محبا لكتاب الله متعلقا به .. فإذا به درة متفردة ليس لها نظير أو شبيه بين كوكبة من قراء القرآن الكريم، وأحد القلائل في مملكة التلاوة الذي يشعرك بالخضوع والتسليم والحزن فى أدائه، فصوته ملئ بالشجن.. إنه المرحوم الشيخ محمد صديق المنشاوى. ................................................................ ولد الشيخ الجليل فى يناير 1920 بمدينة المنشاة فى محافظة سوهاج فى الصعيد ونشأ فى أسرة قرآنية عريقة، فأبوه الشيخ صديق المنشاوي هو من علمه فن قراءة القرآن الكريم بعدما وضع والده الشيخ الجليل مدرسة عتيقة ومتفردة بذاتها بإمكاننا ان نطلق عليها (المدرسة المنشاوية) فأخذ منها الشيخ محمد صديق أسلوبه وطوره بما يناسبه فصار علما من أعلام خدام القرآن الكريم. وقد استمد شيخنا من تلك المدرسة الكثير الذى كان سببا فى نجاحه بعد صوته الخاشع. ولقب الشيخ محمد صديق المنشاوي ب" الصوت الباكي" وكان هادئ الطباع وفى وجهه وقار القرآن وسمات الصالحين، أتم حفظ القرآن الكريم فى سن الثامنة من عمره، وتعلم أحكام التلاوة وعلوم القراءات على يد الشيخين محمد السعودي ومحمد ابوالعلا اللذين لم يجدا عناء فى تعليمه، حيث كان موهوبا، ولديه مواصفات القارئ النابغ، كما كان شديد التواضع. تزوج الشيخ محمد صديق المنشاوي من ابنة عمه عام 1938 وأنجب منها 4 أولاد – ولدين وبنتين – ثم تزوج بأخرى من مركز اخميم وكان عمره قد تجاوز الأربعين، وكانت زوجتاه تعيشان معا في مسكن واحد، يجمعهما الحب والمودة، وبعد حياة عامرة بالمودة توفيت الزوجة الثانية فى أثناء أداء فريضة الحج قبل وفاته بعام واحد . جاب الشيخ محمد الصعيد من أدناه الى أقصاه بصحبة والده وعمه في ليال زاخرة وعامرة بنور الذكر الحكيم، وذاعت شهرته وترامت إلى مسامع المسئولين بالإذاعة المصرية التي انتقلت للشيخ الجديد الذي سبقته شهرته بمعداتها، وانطلق صوته يعانق السحاب عبر الإذاعة من مدينة اسنا جنوب الصعيد والتي كان يحيى بها إحدى الليالي في عام 1953 وهو العام نفسه الذي تم اعتماده في الإذاعة وتوالت التسجيلات الإذاعية له. كما كانت له العديد من التسجيلات في المسجد الأقصى والكويت وسوريا وليبيا واندونيسيا ولندن بالإضافة إلى قراءة مشتركة مع القارئين كامل البهتيمى وفؤاد العروسى ويعد من أشهر القراء في العالم الاسلامى وكان على رأس قراء مصر في فترة الخمسينيات أمثال المرحوم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وغيرهم من القراء . وكان للزعيم الراحل جمال عبد الناصر بصمة في حياة الشيخ محمد صديق، عندما دعا الشيخ للمشاركة فى التلاوة بالسرادق المقام لمأتم والد الزعيم بمدينة الإسكندرية، وبعد انتهاء الليلة طلب منه أن يبيت بالحجرة المجاورة له، وفى الصباح طلب منه عبد الناصر سماع تلاوته، وبعد عشر دقائق بكى الزعيم متأثرا واصدر قرارا له بتسجيل المصحف المرتل للإذاعة المصرية وكل اشقائه يحفظون القران الكريم ومنهم القارئ الشهير الشيخ محمود صديق المنشاوي والأبناء، وقد تتلمذ على أسلوبه العديد من القراء الذين يتبعون مدرسته ويقلدون صوته وكانت علاقته بأهل بلدته المنشاة لا تنقطع وكان عطوفا على الفقراء . توفى الشيخ في 20 يونيو عام 1969 عن عمر يناهز 49 عاما وكرمته مصر في احتفال ليلة القدر، وتم منحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، كما أطلق اسمه على احد شوارع محافظة الجيزة، واختير في كثير من الدول العربية والإسلامية قارئ القرن العشرين .. وسيظل صوته مشرقا بنور القرآن الكريم يصل الأرض بالسماء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .