توجه أحد وزراء الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، إلى منزل الشيخ «محمد صديق المنشاوي»، في فترة الستينيات، طلب منه تجهيز حاله والقدوم معه لإحياء حفل يحضره الرئيس، وقال له: «سيكون لك شرف القراءة أمام جمال عبدالناصر»، فجاء رد الشيخ مفاجئًا: «ولماذا لا يكون للرئيس جمال عبدالناصر شرف سماع القرآن من صوت الشيخ المنشاوي»، معلنًا رفضه إحياء الحفل. الاعتزاز بالنفس الذي أظهره الموقف السابق ورثه «الشيخ محمد» من والده «صديق المنشاوي» والذي يروى مريدو التلاوة عنه قصة شهيرة تقول «إن أحد أعيان محافظة قنا دعاه لإحياء عزاء شقيقه، وكان يتقاضى حينها جنيها واحدا عن الليلة، وبعد انتهاء العزاء دس شقيق الميت الأجر في جيب «الشيخ صديق»، فانصرف دون أن يرى قيمة المبلغ، وفى البيت تفاجأ بأنه «مليم واحد»، ليأتى له الثرى إلى منزله ويعتذر له ويخبره بأنه كان يملك «جنيها ذهبيا ومليما»، وأخطأ وأعطاه «المليم» دون أن يلحظ ذلك فما كان من الشيخ إلا أن رفض الزيادة، ورضى بنصيبه قائلًا: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا». كما تروى قصة أخرى عن «المنشاوى الأب» تقول إن أحد «باشاوات وأعيان الصعيد» اعتاد كل شهر رمضان استضافة «الشيخ صديق» في منزله طوال الشهر الكريم لقراءة القرآن داعيًا كل فقراء قريته، وفى أحد الأعوام شب حريق في «محصول القطن» الذي جادت به أرضه، وانصرف متوجهًا إلى القاهرة قبل رمضان ليبيع بعض ممتلكاته وعندما عاد وجد «الشيخ صديق» يرتل القرآن في منزله مثل كل عام، وما إن رآه حتى أقسم بالاستمرار في التلاوة إلى إن يشاء الله دون أجر. نعود إلى «محمد صديق المنشاوي» في حديث الحكايات، وتحديدًا ابنه الذي يروى أن أحد الموسيقيين عرض على والده في فترة الستينيات «تلحين» القرآن، قائلًا له: «أنت الوحيد الذي سيقبل صوتك الموسيقى»، فرد الشيخ المنشاوي: «يا سيدى لقد أخذت الموسيقى من القرآن الكريم، فكيف تلحن أنت القرآن بالموسيقى؟». طلبت منه الإذاعة التقدم لاختباراتها لإجازته قارئًا رسميًا، فرفض وفعل والده مثله من قبل، ما دفع مسئولى الإذاعة لينتقلوا بأنفسهم لإحدى حفلات «المنشاوي» لتسجيل تلاوته، ويروى مقربون له أن وفاة شقيقه في حادث كانت سببًا رئيسيًا في صوته الحزين الشجي، الذي دفع تميزه لوصف محافظته سوهاج ب«بلد المنشاوي». ختم «المنشاوي» القرآن وسنه 8 سنوات في كُتاب قريته، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة للنيل من علوم القرآن والقراءات في الثانية عشرة من عمره، ثم بدأ يقرأ في المساجد والمحافل حتى ذاع صيته وأطلق عليه لقب «مقرئ الجمهورية المصرية المتحدة»، لقدرته على تفسير القرآن وتجسيده بتلاوته. ومن الحكايات التي تروى عنه أن كارهى صيته وشهرته الذائعين حاولوا تسميمه خلال حفل كان يتلو خلاله القرآن، يرويها بنفسه لأحد مقربيه فيقول: «كنت مدعوًا للعشاء بعد إحدى التلاوات الليلية، فأوصى أحد الحاقدين الطباخ بأن يضع لى السم في الطعام، لكن الطباخ أخبرنى وطلب منى ألا أفشى سره»، ومن أطرف ما روى عن الشيخ أن أحد التكفيريين، أفتى بتكفير كل الشيوخ العظام عدا «الشيخ محمد صديق المنشاوي»، فسألوه عن السبب، فقال: «مش ممكن يكون حد يقرا القرآن بالحلاوة دى ويبقى كافر!». يقول رواد «دولة التلاوة» دائمًا إن «أفضل وأنقى وأجود وأعذب نسخة من المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم» هي التي سجلت بصوت «الشيخ المنشاوي» دون غيره. يقول «سعودى المنشاوي» نجل الشيخ إن والده كان يجلس في «شارع السودان» بمنطقة المهندسين ب «الجبة والقفطان» ليستقبل مريديه ومحبيه، وفى مرة من المرات –وكان الشيخ في أوج عظمته وشهرته- جاءه قبطى وسأله في مجلسه أمام عمارته: «انت البواب؟»، فرد الشيخ: « أيوه.. عايز مين حضرتك»، فقال له الضيف: «عايز الشيخ محمد صديق» فقال له: «أنا الشيخ!».