إنه” قيثارة السماء” التى جاد بها الزمان.. وهب نفسه وحياته لتلاوة القران.. فدخل صوته إلى القلب بلا استئذان.. حين يقرأ القرآن تهتز المشاعر ويتحرك الوجدان، وتطرب لصوته القلوب قبل أن تسمعه الأذان، فتسبح معه الروح غائبة عن الوجود الحسي، لترقى فى فضاء الطهر والصفاء. انه المرحوم الشيخ محمد صديق المنشاوى أحد أعلام قراء القرآن الكريم فى مصر والعالم الذى نشأ فى أسرة قرآنية محبا للقران الكريم متعلقا به .. فإذا به درة متفردة ليس لها نظير او شبيه بين كوكبة من قراء القران، وهو واحد القلائل فى مملكة التلاوة الذى يشعرك بالحزن فى أدائه فصوته ملئ بالشجن والخشوع .. ولد المنشاوى فى يناير 1920 من الميلاد بمدينة المنشاة جنوب محافظة سوهاج هادئ الطباع فى وجهه وقار القران الكريم وسمات الصالحين اتم حفظ القران فى سن الثامنة من عمره على يد والده الشيخ الجليل المرحوم صديق المنشاوى صاحب المدرسة المنشاوية والتى استمد منها كثيرا وطور أسلوبه وتعلم أحكام التلاوة وعلوم القراءات على يد الشيخين محمد السعودى ومحمد ابو العلا اللذين لم يجدا عناء فى تعليمه حيث وجداه موهوبا ولدية جميع مواصفات القارئ النابغ .. جاب بعدها محافظات صعيد مصر بصحبة والده وعمه فى ليالى عامره بنور الذكر الحكيم وانطلقت شهرته وذاع صيته وترامى الى أسماع المسئولين بالإذاعة المصرية التى انتقلت للشيخ الجديد بمعداتها وانطلق صوته يعانق السحاب عبر ميكروفون الإذاعة من مدينة إسنا التى كان يحيى بها إحدى الليالى عام 1953 وهو نفس العام الذى تم اعتماده فى الإذاعة وتوالت التسجيلات الإذاعية له . وله تسجيل كامل للقران مرتلا باذاعة القرآن الكريم، وله أيضا العديد من التسجيلات فى المسجد الأقصى والكويت وسوريا وليبيا كما سجل بصوته الخاشع خدمة قرآنية مجودة بالإذاعة المصرية وقراءة مشتركة برواية الدورى مع القارئين الشيخين كامل البهتيمى وفؤاد العروسى ويعد المنشاوى من أشهر القراء فى العالم الاسلامى وشقيقه القارئ الشيخ محمود صديق المنشاوى يسير على نفس الدرب وتزوج الشيخ محمد مرتين وأنجب من زوجته الأولى أربعة أولاد وبنتين ومن الثانية خمسة أولاد وأربع بنات وقد توفيت زوجته الثانية وهى تؤدى مناسك الحج قبل وفاته بعام وفى عام 1966 أصيب بمرض دوالى المرئ ورغم مرضه ظل يقرا القران حتى رحل عن الدنيا . وقال عنه أمام الدعاة الشيخ الراحل محمد متولى الشعراوى: “انه ورفاقه الأربعة مقرئون يركبون مركبا ويبحرون فى بحر القران الكريم ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتى يرث الله – سبحانه وتعالى – الأرض ومن عليها “. وقد توفى المنشاوى فى 20 يونيو 1969 عن عمر يناهز 49 عاما وكرمته الدولة فى احتفال ليلة القدر عام 1992 وذلك بمنح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى لروحه كما أطلق اسمه على احد شوارع محافظة الجيزة واختير فى كثير من الدول العربية والإسلامية قارئ القرن العشرين وسيظل صوته مشرقا بنور القران الكريم يصل الأرض بالسماء إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها.