«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وفاة مؤلف أشهر الكتب الروحية التى نشرتها إيبارشية ببني مزار
نشر في البوابة يوم 18 - 03 - 2020

توفي العلامة الأرثوذكسي أنتوني كورنياس، اليوم الأربعاء، مؤلف أشهر الكتب الروحية التى نشرتها إيبارشية ببنى مزار القبطية الأرثوذكسية، عن عمر يناهز 93 عام رحل عن عالمنا العلامة الأرثوذكسي الأب أنتوني كورنياس والذى قدم للمكتبة المسيحية في شتى أنحاء العالم العديد من الكتب الروحية والكنسية.
وولد الأب أنتوني في بوسطن، ماساتشوستس في عام 1926، وهو الابن البكر لوالده مايكل كونياريس، التحق بمدرسة بوسطن اللاتينية ثم انتقل إلى التخرج من المعهد اللاهوتي الأرثوذكسي اليوناني الصليب المقدس في بروكلين، ماساتشوستس.
تلقى كونيارس درجة الماجستير في اللاهوت من مدرسة اللاهوت الشمالية الغربية في مينيابوليس، واستمر في الدراسات في مجالات الدين والطب النفسي في جامعة مينيسوتا وجامعة سانت جون في كوليجفيل، مينيسوتا.
رُسِم كونياريس كاهنًا في عام 1953 وشغل منصب راعي الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية في سانت ماري مينيابوليس، مينيسوتا لمدة 39 عامًا.
بعد تقاعده في يناير 1993، كرس معظم وقته لشركة Light & Life Publishing Company التي أسسها في عام 1968. قام بتأليف أكثر من 75 كتابًا وكتيبًا.
أصبحت Light & Life واحدة من أكبر موزعي المواد الأرثوذكسية في العالم، كما حاضر في الخلوات والندوات في العديد من الأبرشيات الأرثوذكسية في الولايات المتحدة وكندا، بالإضافة إلى ذلك، كان كونيارس أستاذًا مساعدًا للطب المنزلي في مدرسة هولي كروس اليونانية الأرثوذكسية في بروكلين، ماساتشوستس، ودرّس هناك أثناء تقاعده.
حصل على جائزة حسن الجوار WCCO في عام 1973، حصل على درجة دكتوراه في اللاهوت من مدرسة اللاهوت الأرثوذكسية اليونانية الصليب المقدس، وقد قام الأب الراهب يوئيل المقاري بترجمة العديد من كتبه الرائعة إلى اللغة العربية (60 كتاب) بتصريح منه شخصيًا. وحصلت إيبارشية بني مزار عيل حق نشرها.
وكانت البوابة القبطية قد قامت بعرض لكتابات الأب أنتوني التى ترجمها الأب يوئيل المقاري، وبمناسبة رحيل الأب أنتوني نعيد نشرها...
«ماذا أصاب الحق؟».. كتاب يواجه الإلحاد والصراع الفكرى في المجتمع المعاصر
ضرورة أن تقوم الأسرة والكنيسة بالدور المعطَى لهما مِن الله «كمجتمعات الذَّاكرة»
تصدر إيبارشية بنى مزار، برعاية وتقديم الأنبا أثناسيوس، سلسلة مترجمة لكتابات الأب الأرثوذكسي، أنتونى كورنياس، وهو كاهن أرثوذكسى بالكنيسة اليونانية، يتميز بأسلوب رائع وفكر عميق، وقد نشرت الإيبارشية نحو 60 كتابًا للأب أنتونى تعد من أهم الكتب التى تصدر حاليًا في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
وفى الكتاب التذكارى الذى صدر عن حياة الأب اليشع المقارى يحكى الأب يوئيل المقاري، والذى يقوم بترجمة هذه الكتب الثرية مكتفيًا بوضع حرفى اسمه «ى - م» قصة إصدار الكتب فيقول: تعرفت عام 1994 في الصيف ببعض الطلبة المجتهدين الذين اعتادوا الحضور إلى الدير للعمل. وكان هؤلاء الطلبة من قرية غير معروفة في بنى مزار اسمها أبو جلبان. لم تكن هناك كنيسة أرثوذكسية فيها، وبها جميع الطوائف البروتستانتية. تأثر هؤلاء الطلبة برهبان الدير وما لم يسمعوه عن الأرثوذكسية، رأوه معيشًا في رهبان الدير.
وفوجئت في صيف السنة التالية أنهم نالوا درجات عالية في الثانوية العامة، التحق ثلاثة منهم بكلية الطب، واثنان في صيدلة، وطلبوا المكافأة التشجيعية أن نبنى لهم كنيسة أرثوذكسية في قريتهم. طبعًا طلب تعجيزي. اتفقنا على الصلاة مع رفع الموضوع على قدس أبونا أليشع المقاري، الذى لا يعرف المستحيل في المسيح.
فوجئت باتصال أحد الآباء من بنى مزار يُعْلِمنى بالموافقة على البناء في القرية بعد أسابيع قليلة. لا تسألنى كيف؟ اسأل يسوع الذى يعمل في ابن الإيمان المُخلِص أبونا أليشع. فسألنى أبونا فيه أرض؟ فيه فلوس؟ قلت له: فيه يسوع اللى جواك، ومبلغ عشرة آلاف جنيه، ممكن يكونوا عربون للأرض، فوافق.
لكن أبلغنى واحد من هؤلاء الطلبة أن والده في مشكلة خطيرة تعرِّضه للسجن، ومحتاج عشرة آلاف جنيه. فسألت أبونا أليشع نعمل إيه؟ فقال لي: الأهم أن ننقذ الرجل. وراحت الفلوس وبقى الرصيد صفرا. تصريح بالمباني، ورصيد مالى لا شيء ورصيد إيمانى عند أبونا أليشع لا حد له.
تم شراء الأرض وبدأت الكاسحات تزمجر في القرية، وهى توصِّل الحديد والإسمنت، وعربات الخشب، وقامت الدنيا تبنى مع الملائكة وسط أفراح القرية لينتهى البناء من الكنيسة وملحقاتها ومضايفها سنة 2000، بعد صرف مليون جنيه نقدًا غير الحديد والخشب وخلافه.
لا تسألنى الحاجات دى جات منين وكيف! أقول لك اطلع السماء واسأل أبونا أليشع وإيمانه الذى لا يعرف المستحيل. واتصل الأنبا أثناسيوس، أسقف بنى مزار ليشكر الدير على بناء الكنيسة وعرض بمحبة أن يقدم أى شيء للدير. فتم عرض فكرة الكتب التى يكتبها الأب أنتوني، فوافق الأسقف المحبوب على نشرها والتقديم لها. فانفتحت بذلك طاقة نور للقارى القبطي.
الكتب
للأب أنتونى مؤلفات عدة، منها على سبيل المثال «الأرثوذكسية قانون إيمان لكل العصور، من هو المسيح؟ الصوم المقبول، ما الحياة، تسليم الحياة لله، كيف تجعل زواجك سعيدا، معنا وسط الأتون، الاتحاد بالله، الصوم الأربعينين المقدس ربيع الروح» إلى جانب 220 نبذة مأخوذة من الكتابات.
في كتابه «ماذا أصاب الحق»، يقدم الأب أنتونى معالجات للكثير من المشكلات التى يعانى منها المجتمع المعاصر، فحول مشكلة الإلحاد يقول: أنْ تكون ملحدًا فلا بد أنْ تؤمن أنَّ التَّخطيط الموجود في الكون ليس مِن صنع خالق بارع، بل مِن اللا تخطيط، مِن الصُّدفة العمياء. قليلون هم الذين كشفوا مغالطة مثل هذا التفكير بشكل أكثر فاعليَّة مِن الفيلسوف المسيحى سي. لويس الذى كتب يقول «يوجد كل الأنواع مِن الأسباب المختلفة للإيمان بالله، وهنا سأذكر سببًا واحدًا فقط، وهو ما يلي: لنفترض عدم وجود فكر ذكى وراء الكون، ولا عقل مُبْدِع؛ في هذه الحالة لم يقم أحدٌ بتصميم مُخِّى لغرض التَّفكير. الأمر لا يعدو عن كونه ذرَّات موجودة داخل جمجمتى تقوم مصادفة بترتيب نفسها بطريقة معيَّنَة لأسباب فيزيائيَّة وكيميائيَّة؛ وكنتيجة ثانويَّة لذلك، أحصل على الإحساس الذى أُسَمِّيه الفكر. لكن إذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكننى أنْ أثق في صحَّة الفكر الخاص بي؟ يشبه ذلك سكب إبريق حليب على أَمَل أنَّ بُقَع اللبن المتناثرة ستُرَتِّب نفسها بحيث ترسم لك خريطة لندن. لكن إذا كنتُ لا أقدر أن أثق في تفكيرى الخاص، بالطَّبع لا أقدر أنْ أثق في الحجج التى تُؤدِّى إلى الإلحاد، وبالتَّالى ليس لديَّ أى سبب لأكون ملحدًا، أو أى شيء آخر. ما لم أومن بالله، لا أقدر أنْ أؤمن بالفكر: إذن أنا لا يمكننى مطلقًا أنْ أستخدم الفكر لأكفر بالله».
الأسرة والكنيسة
حول دور الأسرة والكنيسة في هذا العالم الصاخب، كتب أنتونى يقول: المؤسَّستان اللَّتان يمكنهما أن يُعَلِّما الحق بأكثر فاعليَّة هما الأُسرة والكنيسة. هذه هى «مُجتمعات الذَّاكرة» التى يشير إليها روبرت بيلاه؛ حيث يُحْفَظ التَّاريخ والتَّقاليد. المكان الأكثر تأثيرًا لتعليم حق المسيح هو الأسرة التى يرأسها أبوان لديهما مخافة الله. لهذا السَّبب يُطْلِق القدِّيس يوحنا ذهبى الفم على البيت [الكنيسة الصغيرة]. ومع ذلك، يبدو أنَّه قد تمَّ استبدال الأُسرة والكنيسة مِن قِبَل التليفزيون كجهاز إرسال للحق.
شهدت الولايات المتَّحدة «انحدارا أخلاقيا شديدا في السَّنوات القليلة الماضية. في هذا الانحدار والتسطُّح الأخلاقى يُصَوِّر التليفزيون على نحو منتظم الأشخاص ذوى السلوكيَّات المتدنِّيَة كأنَّهم أناس ليسوا عاديِّين فحسب، بل أيضًا لطفاء. ما يشاهده الأطفال في التلفاز يصير بالنِّسبة لهم سلوكًا طبيعيًّا. ويصبح التلفاز معلِّمهم ويُشَكِّل فيهم: «فكرًا»، ليس: «فكر يسوع» بل فكرًا مريضًا: فكر العالم. والنتيجة هى مجتمع مريض، حيث يحمل الأطفال أسلحة إلى المدرسة، ويطلقون الأعيرة الناريَّة بقصد القتل.
ينبغى أنْ تأخذ الأسرة والكنيسة على عاتقهما الدور المعطَى لهما مِن الله «كمجتمعات الذَّاكرة» حيث يُحْفَظ الحق ويُسَلَّم. الأُسرة المسيحية تجد الحق في الكنيسة «عمود الحق وقاعدته».
كَتَب القدَّيس إيرينيئوس (القرن الثَّاني) عن الكنيسة بكونها الحافظ والحارس للحق فقال: نحن لسنا بحاجة إلى البحث عن الحقِّ في مكان آخر، بل مِن السَّهل الحصول عليه مِن الكنيسة. بالأسلوب الأكثر شمولًا، جمع الرُّسل في الكنيسة، كما لو كان كنزًا، كل ما يتعلَّق بالحق، حتى إنَّ كل من يريد فليرتوِ بماء الحياة إنَّها (الكنيسة) هى باب الحياة، كل الآخرين سرَّاق ولصوص مِن أجل ذلك، يجب علينا أنْ نرفضهم، بينما يجب علينا أنْ نحبَّ كل ما يتعلَّق بالكنيسة بأقوى حماس، ونتمسَّك بالحقِّ المُسلَّم لنا.
أفكار جميلة
يرتكز الإيمان المسيحى الأرثوذكسى غير مؤسَّس على أفكار جميلة بقوَّة على الحق، على كلمة الله، كما هى محفوظة في الكنيسة. إنَّه مؤسَّس على حقائق موضوعيَّة، وأحداث تاريخيَّة مؤكَّدَة حدثت عندما كان أوغسطس وطيباريوس يحكمان روما. إنَّه يعتمد على كون هذه الأحداث حقيقيَّة. إنَّه مؤسَّس على حقيقة قيامة يسوع. رسالة بولس الرَّسول إلى أهل كورنثوس تُعَبِّر عن هذا الأمر بشكل واضح: «إنْ لم يكن المسيح قد قام، فباطلة كرازتنا وباطل أيضًا إيمانكم».
إصدار الأحكام والحق
يشير عالم الاجتماع آلان ولف، إلى ما يُسمِّيه الوصيَّة الحادية عشرة الجديدة في أمريكا: «لا تُصْدِر أحكامًا». الامتناع عن إصدار الأحكام نابع من الاعتقاد أنَّه لم يَعُد هناك أى حق موضوعى صحيح. قد يكون هناك شيءٌ صحيحٌ بالنِّسبة لك لكن ليس بالنسبة لي! إذن لماذا تصدر أحكامًا على الآخرين وعلى أفكارهم؟
رَدَّ ويليام بينيت على مِثْل هذا التَّفكير عندما كَتَب: إنَّ هؤلاء الذين يثيرون المفهوم العاطفى في عبارة «مَن نكون نحن حتى نُصْدِر أحكامًا؟» ينبغى عليهم النَّظَر فيما سيترتَّب على التزامنا بهذه العبارة مِن فوضى، على سبيل المثال، في قاعات المحاكم. ماذا سيحدث لو أن هيئة المحلِّفين قَرَّرَت «ألاَّ تُصْدِر أحكامًا» بشأن المغتصِبين والمتحرِّشين جنسيًّا، والمختلسين والمتهرِّبين مِن الضرائب؟ سوف تضيع العدالة.
لولا أنَّ الأمريكيِّين «يُصْدِرون أحكامًا لَمَا وضعوا حدًّا للعبوديَّة، ولعِمالة الأطفال المحظورة، ولَمَا حرَّروا النِّساء، ولمَاَ قادوا حركة الحقوق المدنيَّة. ولا كُنَّا قد احتشدنا ضد النازيَّة والشيوعيَّة... لأنَّ على وجه التَّحديد، القابليَّة والاستعداد لإصدار الأحكام على الأمور المهمَّة، هما العلامة الفارقة لديمقراطيَّة صحيحة».
إذا كان هناك حق موضوعى صحيح، فلا بد أن يَحْكُم هذا الحق على الخطأ. إذا كان هناك نور، فلا بد أنْ يَحْكُم النُّور على الظُّلمة. إذا كان الحق الخاص بكلِّ الأشخاص صالحًا على حدٍّ سواء، إذن لا يمكن أن يكون هناك أى حُكْم. لكن إذا كان الله قد كشف لنا حقه في المسيح، إذن فنحن كلنا سنخضع للمحاكمة. «وُضِع للنَّاس أنْ يموتوا مَرَّة، ثمَّ بعد ذلك الدَّينونة». الرُّوح القُدُس يمنحنا موهبة التَّمييز حتى نُصْدِر أحكامًا، لكن دومًا بمحبَّة وفطنة شديدة. وحتى نقدر أنْ نُمَيِّز بطريقة صحيحة ما هو حق، نحن بحاجة إلى أنْ يكون لدينا آذانٌ روحيَّة مصغية للرُّوح القدس باستمرار.
الشَّياطين.. والحق
يقول بول إفدوكيموف في كتاباته عن الشيطان «أبو الكذب»: بالنِّسبة لأفلاطون؛ فإنَّ عكس الحق هو الخطأ، في حين أنَّه بالنِّسبة للكتاب المقدَّس في أعمق مستوياته، فإنَّ عكس الحق هو الكذب. يقول الكتاب عن الشَّيطان إنَّه: «كذَّاب وأبو الكذَّاب» في جوهره، لذا فقد أخذ الشِّرير على عاتقه مِهْنَة مخيفة وهى تغيير الحق بذكاء. انحراف إرادته في البداية جعل مِن الممكن بالنِّسبة له أنْ يغتصب كل ما يقدر أنْ يغتصبه مِن أجل أنْ يُزَيِّف وجوده بمواد زائفة. إشعياء النَّبى يصف بوضوح هذا المُخطَّط: «لأنَّنا جعلنا الكذب ملجأنا، وبالغشِّ استترنا».
يحذِّرنا القدِّيس أثناسيوس ألاَّ نصدِّق الشياطين حتى لو نطقوا بالحق: ويقول لقد وضع يسوع لجامًا على أفواه الشَّياطين التى كانت تصرخ نحوه عند القبور. وعلى الرَّغم مِن أنَّ ما نطقوا به كان صحيحًا، وقولهم لم يكن كذبًا، «أنتَ ابن الله» و«أنتَ قدُّوس الله»، إلاَّ أنَّ يسوع لم يَقْبَل أنْ يَخرج الحق مِن فم نجس، خاصَّة مِن مثل أولئك الذين مع تظاهرهم بالحقِّ قد يخلطون معه أكاذيبهم الخبيثة.
ويُحَدِّثنا إفثيميوس أنَّ الحقَّ يصبح مجرَّد طُعْمٍ بالنِّسبة للشَّياطين التى لا تنطق بالحقِّ إلاَّ لغرض الخداع:
«لقد علَّمنا يسوع ألاَّ نُصدق الشَّياطين أبدًا، حتى عندما تقول ما هو حق ظاهريًّا. ذلك لأنَّ بما أنَّهم يحبُّون الباطل وهم الأكثر عداء لنا، لذلك فهم لا يقولون الحقَّ أبدًا إلاَّ لغرض الخداع. إنَّهم يستغلُّون الحقَّ كما لو كان طُعمًا».
بحث أساسي
مِن أهمِّ ما يبحث عنه الإنسان في حياته هو الحق. مِن أوَّل الأسئلة التى نسألها عندما نأتى إلى العالم هو سؤال: «لماذا؟». كأطفال كُنَّا نكسر اللِّعَب لنعرف ما الذى يجعل العجلات تدور. عندما صرنا كبارًا أصبحنا نقتحم الكون بواسطة التليسكوب والميكروسكوب والأقمار الصناعيَّة لنعرف ما الذى يجعل الكون يدور. إلاَّ أنَّ مَن يبحث عن الحق هو في واقع الأمر يبحث عن الله، الذى هو (النجم) الهادى إلى جميع الحق. قال لاكتانتيوس لا يوجد غذاء أكثر مُتعة للنَّفس مِن معرفة الحقŸ لماذا أنا هنا؟ مَن أنا؟ إلى أين أنا ذاهب؟ ما هدفى في الحياة؟» أولئك الذين يسألون تلك الأسئلة هم في الحقيقة يبحثون عن الله. العدد الكبير من الدِّيانات في العالم يكشف إلى أى مدى صار جوع البَشَر وتعطُّشهم إلى الحق، أى إلى الله.
الباطل مُتنكِّر في ثوب الحق
يكتب القديس بولس، ويقول: «الشَّيطان نفسه يُغَيِّر شكله إلى شِبه ملاك نور». الباطل أيضًا يقدر أنْ يتنكَّر ليبدو وكأنَّه الحق. في الواقع، هناك أسطورة قديمة مكتوبة في إحدى قصائد هوراس تحكى الأسطورة أنَّ الحق والباطل ذهبا معًا للسِّباحة. وفقًا لهذه الأسطورة، سَرَق الباطل ملابس الحق، والحق فضَّل أنْ يذهب عاريًا على أنْ يظهر في ثياب الباطل، ومِن هنا نَشَأ تعبير «الحقيقة العارِيَة (المُجرَّدَة)». الحق يرفض أنْ يرتدى ثياب الباطل، إلاَّ أنَّ الباطل لا يتوانى أبدًا عن ارتداء ثياب الحق. وكما لبس إبليس قناع الحيَّة ليخدع أول رجل وأوَّل امرأة، هكذا هو اليوم يرتدى الآلاف من الأقنعة التى تبدو بريئة مِن أجل أنْ يخدعنا. إنَّه يُحَوِّل نفسه إلى «ملاك نور»، حتى يُقَدِّم لنا الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل.
قال أحد آباء الكنيسة الأولى: «هناك شيء يبدو منطقيًّا جدًّا ويكون على الرغم من ذلك باطلًا».
والقصَّة التالية تُعَبِّر تعبيرًا جيِّدًا عمَّا أصاب الحق والقِيَم في مجتمعنا هذه الأيام: حدث ذات مرَّة في مملكة بعيدة، أنَّه بعد حصاد محصول الحبوب وتخزينها، اكتُشِف أنَّ المحصول كان مُسَمَّمًا، وكان أى شخص يأكل منه يصاب بالجنون. اجتمع الملك ومستشاروه على الفور ليتشاوروا بشأن ما عليهم أنْ يقوموا به. كان مِن الواضح أنَّه لم يكن هناك طعام كافٍ متوفِّر من مصادر أخرى لإطعام السكان. لم يكن هناك خيار سِوى أنْ يأكلوا الحبوب المسمَّمَة. قال الملك «حسنًا، لنأكل هذا المحصول، لكن يجب علينا في نفس الوقت أنْ نُطْعِم قِلَّة من الشعب بغذاء مختلف، وذلك حتى يبقى في وسطنا البعض الذين يتذكَّرون أنَّنا مجانين ويُذَكِّروننا بذلك».
هدف الكنيسة هو أن تُذَكِّر العالم أنَّ حقَّه وقِيَمه قد أُصيبت بالجنون، وأنْ تشير إلى طريق الحق والتعقُّل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.