لا تزال العلاقات المصرية مع الاتحاد الأوروبي تشهد تأزُّماً كبيرا، ففي الوقت الذي أكد فيه سفير الاتحاد الأوروبي لدى مصر "جيمس موران"، أن الاتحاد لا يهاجم مصر، بل يريد رؤية نجاحها، وأمد أن الاتحاد يقف إلى جوار مصر ويدعمها بكل قوة، كشفت تسريبات عن أن البيان الختامي لاجتماع الاتحاد الذي عقد اليوم الاثنين في بروكسل، قد عبّر عن قلقه من بعض النقاط، ومن بينها اعتقال الصحفيين والمعتقلين السياسيين، ووضعية المؤسسة العسكرية في الدستور الجديد، ومحاكمة المدنيين أمام محاكمات عسكرية، وكان ملف الأوضاع السياسية في مصر قد احتل مقدمة الموضوعات التي يناقشها الاتحاد الأوروبي، اليوم الاثنين، في اجتماعه الذي يُعقد لمدة يومين على مستوى وزراء الخارجية. ويشير البيان الختامي – الذي نشرت أجزاء منه في بروكسل - إلى أن الاستفتاء على الدستور الجديد حصل على أغلبية كبيرة من الأصوات وضمن بعض الحقوق الأساسية، ومن بينها حرية التعبير والتجمع وحقوق المرأة، وأكد الاتحاد في بيانه استعداده للمساهمة في مراقبة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلتين في مصر، وإدانة كل أشكال العنف والاستفزاز والجرائم الإرهابية، ومن المتوقع أن يتضمن البيان الختامي كذلك - وفقا للتسريبات التي نُشرت في بروكسل - أن الاتحاد سيعبّر عن مخاوفه إزاء بعض التطورات التي حدثت مؤخرًا. ومن جانبه، علق السفير جلال الرشيدي، سفير مصر الأسبق في الوفد الدائم بالأمم المتحدة، على الموقف قائلا: "نحن متقاعسون إلى حد كبير في مواجهة الحملة الشرسة التي تشنها جماعة الإخوان الإرهابية المحظورة ضد مصر في الخارج"، مشيرا إلى أن الجماعة تستخدم كل ما أوتيت من مال وجهد من أجل التواصل مع الجهات الخارجية من وسائل إعلام ومراكز بحوث وبرلمانات غربية وغيرها من مراكز صنع القرار في الخارج، من أجل إقناعها بوجهة نظرها. ودعا الرشيدي – في تصريحات خاصة ل "البوابة نيوز" – إلى ضرورة المواجهة الحاسمة والقوية من النظام المصري للرد على أنشطة الإخوان في الخارج، من خلال عدد من الاستراتيجيات والآليات، حتى تبدد الصورة السلبية التي كونتها بعض الدول عن مصر ومن بينها دول الاتحاد الأوروبي، حيث طالب الرشيدي الحكومة المصرية بإرسال وفود شعبية - إلى جانب الجهود الرسمية للسفارات - على أن تشتمل هذه الوفود على عدد من الشخصيات التي لديها خلفية في السياسة الدولية وقدرة على التحاور والإقناع، حتى تتمكن من التواصل مع الكونجرس الأمريكي والاتحاد الأوروبي. وحثّ الرشيدي الحكومة المصرية على التواصل مع مراكز البحوث والبرلمانات ووسائل الإعلام الغربية، وتكوين فريق عمل متخصص للتواصل من خلال الشبكات الاجتماعية مثل "فيس بوك" و"تويتر" على مدى الأربعة والعشرين ساعة. وأكد السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن العلاقات المصرية – الأوروبية تاريخية وممتدة ولا يجب أن تتأثر بالتباين في وجهات النظر حول الوضع الحالي في مصر، مشيرا إلى أن هناك عدم استيعاب كامل لسياقها التاريخي والسياسي. وأوضح هريدي – في تصريحات خاصة ل "البوابة نيوز" – أن المصدر الرئيسي للخلاف مع الاتحاد الأوروبي هو أن الاتحاد لا يضع في اعتباره تاريخ جماعة الإخوان المحظورة من العنف والإرهاب، ومسؤوليتها عن أحداث العنف ليس فقط في مصر ولكن على امتداد العالمين العربي والإسلامي منذ الأربعينيات من القرن الماضي، ولفت "هريدي" إلى أن الحكومة المصرية فشلت في توضيح خطة التمكين التي كانت الجماعة تحاول تنفيذها في الدولة أثناء حكم الرئيس المعزول - المتهم بالعمالة والتخابر والقتل - محمد مرسي، والتي كانت السبب الرئيسي الذي دفع المصريين إلى الخروج في 30 يونيو، بعد أن استشعروا الخطر الكبير الذي يهدد دولتهم وهويتهم، وأن الجماعة اختزلت الديمقراطية في صناديق الانتخاب للوصول إلى الحكم. وشدّد "هريدي" على أن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في غاية الأهمية على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، مشيرا إلى أن إحداث تغيير جذري شامل في مصر لن يتأتّى سوى بالتعاون مع المفوضية الأوروبية وكل دولة من دول الاتحاد الأوروبي على حدة. وأضاف "هريدي" أن مصر لا بدّ أن تتعامل بنضج مع الوضع الحالي والمستقبلي، وأن نؤكد للاتحاد الأوروبي التزامنا بالديمقراطية وسيادة القانون، وأننا لا نقصي أحدا وإنما نقاوم الإقصاء الذي كانت تحاول الجماعة الإرهابية المحظورة تطبيقه. وتوقع محمد ريان، نائب الاتحاد الدولي للمصريين في الخارج، انفراج العلاقات الأوروبية مع مصر في أعقاب الانتهاء من استحقاقات خارطة الطريق، قائلا: "إن العلاقات ستتحسن بلا شك، ولكن لا بدّ أن نفكر في بناء بلدنا، وأن نحدد ماذا نريده من الآخرين تحديدا حتى يساعدونا في إنجازه". وأضاف ريان، أن موقف الاتحاد الأوروبي طبيعي، لأنه يعد استكمالا للسياسات الأمريكية، وهذه أمور معتادة في الدبلوماسية الدولية، قائلا: "إن الموقف لا يتجاوز حدود التصريحات، ولن يحمينا من هذا وذاك سوى جديتنا في بناء بلادنا، والتخطيط السليم للمرحلة المقبلة، والتطور في إنشاء المؤسسات الصحية والتعليمية"، مؤكدا أنه لا بدّ ألا نشعر بالقلق من تصريحات الاتحاد الأوروبي.