يشير المؤرخ الدكتور محمد عبدالستار البدرى، فى كتابه «المواجهة المصرية الأوروبية فى عصر محمد على» إلى أهمية سوريا بالنسبة لمصر «من الناحية الاستراتيجية.. فسوريا كانت الفناء الخلفى لمصر، والامتداد الاستراتيجى والطبيعى لها منذ بداية التاريخ، فهى البوابة الشرقية لمصر التى جاءت منها أغلب الحملات عليها، وقد أكد محمد على هذا الأمر لمبعوثه فى إسطنبول عندما كتب يخبره بأن الشام ضرورة ملحة للأمن المصرى». ولأن سوريا كانت واقعة تحت الحكم العثمانى، فكان الصدام محتوما بين مصر والعثمانيين، وقد حدد محمد على 1831 لشن تلك الحملة، وفى أكتوبر من نفس العام تذرع والى مصر برفض والى عكا تسليم بعض المصريين الفارين من التجنيد، فأرسل حملة قوامها 25 ألف جندى وعلى رأسها إبراهيم باشا، الذى دانت له السيطرة على كل المدن السورية فى فترة وجيزة نظرا لكره الشعب السورى للحكم العثمانى. وحاول الجيش العثمانى إيقاف تقدم إبراهيم باشا، إلا أنها كانت محاولات واهية نظرا لهشاشة الجيش المتعدد الجنسيات. واصل إبراهيم باشا زحفه حتى وصل إلى «قونية» التى تبتعد بقليل عن «الأستانة» مركز الحكم العثمانى. وعن تلك المعركة يقول «البدرى»: «لقد كانت معركة «قونية» فاصلة بحق، ليس فقط فى التاريخ العسكرى المصرى، بل فى التاريخ العثمانى أيضا، فمنذ إنشاء الدولة العثمانية لم تستطع أية قوة هزيمة هذه الدولة فى عقر دارها مثلما فعلت مصر». ولم ينقذ الدولة العثمانية من زحف الجيش المصرى وإعلان قيام الدولة العربية إلا الأسطول الروسى الذى نزل على شواطئ البسفور فى 20 فبراير 1833، لتشكل فاصلا بين الجيش المصرى ورجل أوروبا المريض. وكانت شروط محمد على لوقف تقدمه لمحو الدولة العثمانية هو الحصول على الاستقلال، بالإضافة إلى الحصول على سوريا وكريت وعكا وقبرص، إلا أن السلطان العثمانى قبل كل الشروط، عدا منح محمد على الاستقلال وقبرص، وأبرم صلح «كوتاهية» فى مايو 1833. وكان الصلح بالنسبة للسلطان العثمانى عبارة عن هدنة لإعداد العدة لاستعادة كل ما أُرغم على التنازل عليه لمحمد على، فيما كان الأخير يرغب فى نيل الاستقلال التام عن الأستانة. وفى أبريل 1839 عبر الجيش العثمانى الفرات لمحاربة الجيش المصرى، وبعد إغلاق إبراهيم باشا للممرات الاستراتيجية التى تربط بين الشام والأناضول، اضطر قائد الجيش العثمانى إلى نقل قواته إلى «نصيب». وفى مثل هذا اليوم 24 يونيو من عام 1839 نشبت معركة نصيب ليلقن المصريون الجيش العثمانى درسا لم ينسوه، وكانت نتيجة المعركة مقتل 5 آلاف عسكرى ووقوع 17 ألفًا آخرين فى الأسر وكانت هزيمة ساحقة للجيش العثمانى.