اليوم يقول رئيس وزراء تركيا أن مصر بلا دور!!! هو يعلم جيدا أن الدور المصري كان صخرةً تحطمت عليها أحلام النفوذ التركي مرتين في التاريخ الحديث والمعاصر! الأولى بالسلاح والثانية بالسياسة! كسر السلاح مجد الإمبراطورية العثمانية، حتى وصل الجيش المصري لمسيرة يومين من الآستانة! وكسرت السياسة الدور الإقليمي الذي حاولت تركيا القيام به من خلال حلف بغداد. لهذا يكره "أردوجان" أي دور إقليمي لمصر، ويعرف يقينا أنه سيكون خصما من الدور التركي! في ديسمبر (كانون الأول) عام 1831م تحرك الجيش المصري بقيادة "إبراهيم باشا"، نحو الشام حتى وصل إلى قرية "الزراعة" فالتقى هناك بجيش الترك بقيادة "عثمان باشا"، ليلحق به هزيمة منكرة في 25 إبريل (نيسان) 1832م! ثم يحاصر "إبراهيم باشا" الملقب باسم "ساري عسكر عربستان" قلعة عكا، فتسقط في يده وهي التي أعجزت نابليون قبل ذلك واستعصت عليه، ومن يومها سمي "إبراهيم" بنابليون الشرق! وأُسِرَ والي عكا التركي "عبد الله باشا الجزار" وأرسل في الأصفاد إلى المحروسة. واستمر "إبراهيم" في زحفه نحو دمشق، قلب العروبة، فهزم حاميتها التركية وحررها، ثم التقى بالأتراك من جديد في معركة حمص في 8 يوليو (تموز)، ثم في معركة بيلان في 30 يوليو (تموز)، وينهزم الترك وقد تحول انهزامهم أمام الجيش المصري إلى عقدة تاريخية! ثم زحف "إبراهيم" إلى الأناضل ليهزم الأتراك في عقر دارهم في معركة قونية في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1832م، ويأسر "رشيد باشا"؛ الصدر الأعظم العثماني نفسه. ويتقدم ليحتل "أدنة" العاصمة التاريخية لتركيا قبل الآستانة، وكذلك كوتاهية، ويصبح الطريق مفتوحا للآستانة بغير جيش يحمي السلطان! ولولا تدخل الروس لصالحه لصار أسيرا في الأصفاد! تدخل الروس بأسطولهم، وضغطت فرنسا على "محمد علي باشا" فقبل معاهدة كوتاهية في 8 إبريل (نيسان) 1833م، وتنازل السلطان مرغما لمحمد علي عن حكم الشام التاريخي مع مصر. وعندما نقض اللسطان عهده في 1839م عاد الجيش المصري لتأديبه في معركة نصيبين في 24 يونيو (حزيران) ليصبح الطريق لاحتلال تركيا مفتوحا لولا تدخل أوروبا من جديد! كان هذا هو نصر السلاح، أما نصر السياسة فبدأ مع ثورة يوليو، والتي قادت الحركات التحررية في المنطقة ليرد الغرب بحلف بين تركياوالعراق في ۲4 فبراير (شباط) ۱۹55م، وانضمت له بعد ذلك بريطانيا وإيران وباكستان! وكانت تركيا – كما هي الآن – عضوا في حلف الناتو، فأصبح حلف بغداد الدفاعي جزءا من حلف الناتو. وحاول "نوري السعيد" إقناع "جمال عبد الناصر" بدخول الحلف، فرفض "ناصر" بطبيعة الحال، ووقف في القاهرة خطيبا يوم ۳۰ مارس (آذار) ۱۹55م يقول: "جه نوري السعيد يقول لي: ادخل في حلف معنا ومع تركيا وباكستان، وسندخل نحن في حلف مع أمريكا وإنجلترا وإيران، وبذلك نغطيك أمام الناس! قلت له أنا ثائر مش حاكم، ومش هشتغل بوجهين" . بينما شاركت مصر خلال مؤتمر باندونج في أبريل من نفس العام في تأسيس حركة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز. كما استطاعت في العام نفسه عقد حلف دفاعي ثلاثي بين مصر والسعودية وسوريا، تم توقيعه في ۲۰ أكتوبر (تشرين الأول) ۱۹55م ليكون هذا الحلف أول إرهاصات الوحدة بين مصر وسوريا! وحاول هذا الحلف تهديد سوريا بالحشود التركية على حدودها في 1957م بعد أن عقدت سوريا اتفاقات مصافي النفط مع تشيكوسلوفاكيا وكذلك صفقات سلاح مع روسيا. فجاءت الوحدة بين مصر وسوريا لتكشف خواء هذا الحلف، واكتشفت بريطانيا أن التركي خدعها حين تحدث عن نفوذه في المنطقة العربية! فحولت رعايتها ودعمها للاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن، قبل أن ينهار الاتحاد والحلف معا بسقوط الملكية في العراق! وانتهى الحلم التركي في تجديد النفوذ سريعا! هذا هو الدور المصري ولو رغمت أنوف أقوام! ونرد على أردوجان اليوم بمقطع من أغنية "إني ملكت في يدي زمامي" يقول؛ دماء أبنائك سالت تروي بطولتي وقصة انتصاري.