يزخر القرآن الكريم بالقصص التى لم تكن مجرد عرض للتسلية وإنما ليزداد المؤمن ثباتًا على الحق وإصرارًا على مواجهة الباطل، من خلال إطلاعه على مواقف الأنبياء والمرسلين وقصصهم. وكان القصص القرآنى له النصيب الأكبر من قبل علماء المسلمين والباحثين والمفكرين، وخلال شهر رمضان المبارك نستعرض سيرة الرسل والأنبياء حتى تكون عبرة ونهجًا وصراطًا مستقيمًا نسير عليه. {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّى أَرَىٰ فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} يحتفل المسلمون فى كل عام بعيد «الأضحى» والذى يوافق العاشر من ذى الحجة، والذى يأتى تخليدًا لذكرى تضحية سيدنا إبراهيم النابعة من قوة إيمانه بالله سبحانه وتعالى بابنه إسماعيل، والى كان من الصالحين المطعين، وكان رجلًا حليمًا، فبعد أن شارك أباه فى بناء الكعبة المشرفة، والتى جاءت بعد أن أمره الله ببنائها. فبعد عودة سيدنا إبراهيم، وجد سيدنا إسماعيل قد صار فتى نشيطًا يسعى فى مصالح أبيه ويتحرك فى قضاء حاجاته، ويؤمن له طلباته، حتى جاء يوم رأى سيدنا إبراهيم رؤية فى منامه، وفى أثناء سيرهما معًا أخبره سيدنا إبراهيم بتلك الرؤيا، فقد رأى إبراهيم فى المنام أنه يذبح ابنه وحيده، ولأن رؤيا الأنبياء تكون وحيًّا وأمرًا من الله عز وجل، وفهم إبراهيم الرسالة التى أرسلها له الله، ووقف على حقيقة الرؤيا والمقصود منها، ألا وهى أن الله سبحانه وتعالى يأمره أن يذبح ابنه الوحيد إسماعيل، والذى وهبه له على الكبر، وبعد أن صار سيدنا إسماعيل رجلًا شديد البنيان، مطيعًا ومصاحبًا لوالده، وتيقن سيدنا إبراهيم أنه لابد وأن ينفذ مشيئة الله وإرادته. وكان على إبراهيم أن ينفذ أمر الله، ولله حكمة فى ذلك الأمر، ومهما كان الأمر شاقًا وصعبًا ومرهقًا على النفس، لكن لابد أن يذبح بيده ابنه ورجاءه، وكان عليه أن يتحمل ما فى ذلك الأمر من مشقة وصعوبة، وإنه ابتلاء وامتحان ممن الله عز وجل، وفيه إعلان كامل بالعبودية والاستسلام لأوامر الله سبحانه وتعالي. وبالفعل توجه سيدنا إبراهيم إلى تنفيذ الأمر، وهو راضٍ عن أمر الله مستسلم لقضائه، ولكنه أراد أن يشرك معه ابنه الصالح الحليم الصابر «سيدنا إسماعيل» لذة الاستسلام لله، والرضا بقضائه، والتحقق بعبوديته، ولهذا قام بعرض الموضوع عليه وإخباره بشأن تلك الرؤية، وطلب منه الرأي، رغم يقينه بجواب ابنه، لأنه أنشأه على البر والحلم، والاستسلام والعبودية لله. ولم يخب سيدنا إسماعيل ظن أبيه إبراهيم، وقال له يا أبت افعل ما تؤمر، فقد علم الابن مقدار حب أبيه لهن واهتمامه به، ويعلم أن ما رآه إنما هو أمر من الله سبحانه وتعالى، ولهذا ساعد أباه على الاستسلام والتنفيذ، وكان عونا فى ذلك، وأخبر أباه على مشقة التنفيذ، وصبره على ألم الذبح، حيث قال له: ستجدنى إن شاء الله من الصابرين»، حيث نجد أن سيدنا إسماعيل استمد العون والصبر من مشيئة الله سبحانه وتعالى. واستسلم النبيان الصالحان الصابران لأمر الله وبدا مشهد التنفيذ والذبح، وركع سيدنا إسماعيل على الأرض وجبينه نحو الأرض وهو غاية فى الخضوع والعبودية والاستسلام لله والصبر لأمره، والرضا بقضائه، وها هو سيدنا إبراهيم الأب الصابر المستسلم لله، واقف فوقه، يحمل سكينه ويكاد يهوى بها على عنق ابنه، لا يصرفه عن ذلك شيء، من التردد أو الشك أو التآخر، ولم يبق إلا لحظة ويتم الذبح، وفى آخر لحظة وقبل أن يمر إبراهيم السكين على عنق إسماعيل، ناداه الله، طالبًا منه عدم الذبح، لأن الغاية من الرؤيا قد تحقق. فقد أمر الله سيدنا إبراهيم بذبح ابنه من باب الابتلاء والامتحان والاختبار، له ولابنه إسماعيل عليه السلام، وقد نجحا فى الامتحان نجاحًا باهرًا، فقد فدى الله إسماعيل بذبح عظيم، حيث قدم لإبراهيم كبشًا عظيمًا كبيرًا، وطلب منه أن يذبحه فداءً لابنه، وكان هذا جزاء المحسنين، فقد أظهرًا حسن الإيمان، والخضوع لله والاستسلام لأوامره، وتصديق بوعده وتنفيذ لأوامره.