"يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى"، وفي المطلق لا يستطيع العقل البشري استيعاب أن يقبل أب علي ذبح ولده ولكن رأى سيدنا إبراهيم في منامه أنه يذبح سيدنا إسماعيل. ورؤيا الأنبياء حق واجب النفاذ، فكانت الرؤيا بمسابة محنة تدك الجِبال، وتثقل الرجال، ومن الأحداثُ الجِسام، يؤمر بذبحِ ولدِه، وفريِ أوداجِ فلذة كبدِه وإنهار دمه بيده أي نفسٍ تطيق هذا البلاء، وأي قلب يقوَى هذا العناء، ذبح اسماعيل الذي جاء بعد طول انتظار، ولكن خليل الله سيدنا إبراهيم امتثال لأوامر الله وصدق الرؤيا لتكون في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فوائد وعبر وعظات للمسلمين. البداية كبر سيدنا إبراهيم وعقمت سارة اشتدَت لوعة الوحدةِ ومرارة الوَحشة، فدعا إبراهيمُ ربه أن يهب له عقبا صالحًا، و بمشورةِ سارة تزوج من هاجر الأمينة المُؤمنة، فأنجبَت له إسماعيل عليه السلام فأقر به عينه. ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهما السلام ويؤمر إبراهيم عليه السلام بأن يذبح ابنه إسماعيل، ولده الوحيد العزيز إنه لأمر تنوء بحمله الجبال واستجاب إبراهيم لربه، وامتثل أمره، وسارع إلى طاعته، فشد الرحال إلى ابنه ليلبي أمر الله فيه، ولم يلبث أن أخبر ولده بما أمره الله به، فقال:"إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى" فبادر الغلام بالطاعة، وقال:"يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين"، فقال إبراهيم نعم العون أنت يا بني على أمر الله. ساعة التنفيذ ومضى سيدنا إبراهيم ليكب ابنه على جبينه استعداداً للذبح، والغلام مستسلم لا يتحرك امتثالاً للأمر، وأسلما جميعاً أمرهما لله بكل ثقة وطمأنينة ورضى وتسليم ،"فلما أسلما وتله للجبين"، ولم يبق إلا أن يُذبح إسماعيل، ويسيل دمه. وهنا كان سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام قد أديا الأمر، وحققا التكليف، وفي حقيقة الأمر أن الله عز وجل لا يريد أن يعذب عباده بابتلائهم، وإنما يريد أن يختبر صبرهم وإيمانهم ويقينهم، ولما كان الابتلاء قد تم ونتائجه قد ظهرت، وغاياته قد تحققت، وتحقق مقصود الرؤيا. النداء الرباني وجاء النداء الرباني لسيدنا إبراهيم فقال تعالي "أن يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ,إن هذا لهو البلاء المبين" ولأن خليل الله جاد بأعز شيء لله عز وجل، فقد عوضه الله فداء عظيماً لابنه، وأبقى ذكره في العالمين، وبشره بإسحاق نبياً من الصالحين، لقول الله تعالي:"وفديناه بذبح عظيم، وتركنا عليه في الآخرين". سنة البذح كل عام ومضت بذلك الأضحية سنة باقية في العالمين، يُقتدى فيها بالخليل إلى يوم الدين، وخلَّد الله ذكرى هذه الحادثة العظيمة في كتابه، لبيان حقيقة الإيمان وأثر الطاعة، وكمال التسليم ولتعرف الأمة حقيقة أبيها إبراهيم الذي تتبع ملته وترث نسبه وعقيدته ولتعلم أن الإسلام هو دين الرسل جميعاً وأن حقيقته إنما هي الاستسلام لأوامر الله، بدون تردد . التوكل علي لله وفي قصة سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام تأكيد علي أن الله عز وجل لا يريد أن يعذبه بالابتلاء، ولا أن يؤذيه بالبلاء وإنما يريد منه أن يأتيه طائعاً ملبياً، لا يتألى عليه، ولا يقدم بين يديه، فإذا عرف منه الصدق أعفاه من الآلام والتضحيات واحتسبها كما لو أداها، وأكرمه كما أكرم أباه إبراهيم من قبل.