شهدت منطقة "الطالبية" بشارع الهرم صباح اليوم الثلاثاء 28 يناير جريمة اغتيال بشعة راح ضحيتها اللواء محمد سعيد مدير المكتب الفني بوزارة الداخلية، وكانت المفاجأة الصادمة تنفيذ الجناة، المجهولين كالعادة، جريمتهم عبر دراجة نارية كانا يستقلانها، وكالعادة أيضاً مازال البحث جار عن الجناة.. وبكل تأكيد فإنه لن تفلح جهود المطاردة وإغلاق الطرق والتفتيش عن تحديد هوية المجرمين. المثير للدهشة والاستياء معاً أن هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها التي يتم تنفيذها عبر الدراجات البخارية التي أصبحت المصدر الرئيسي لارتكاب أبشع الجرائم والإفلات من العقاب. وشهدت الشهور الأخيرة عشرات الحوادث الإرهابية التي استخدم فيها الجناة "موتوسيكلات"، فمنذ أيام تعرض كمين أمني بقرية "صفط الشرقية" بمركز الواسطى بمحافظة بني سويف لهجوم مسلح نفذه ملثمون مجهولون يستقلون دراجتين بخاريتين قاموا خلاله بإطلاق الرصاص على أفراد الكمين مما أدى لاستشهاد 5 من رجال الشرطة وإصابة آخرين. أكتوبر الأسود ومنذ عدة أسابيع وتحديداً في شهر أكتوبر 2013 تعرضت كنيسة العذراء بمنطقة الوراق بمحافظة الجيزة لجريمة بشعة تنم عن خسة مخططيها ومرتكبيها، حيث قام مسلحان يستقلان دراجة بخارية بفتح النيران على عشرات المسيحيين حال حضورهم حفل زفاف ما أسفر عن قتل خمسة أبرياء بينهم طفلة صغيرة تدعى مريم أدمت صور دمائها البريئة قلوب ملايين المصريين بخلاف إصابة 18 آخرين وكالعادة أيضاً فر الجناة الذين يعيشون في أمان كامل ويمارسون جرائمهم بشكل طبيعي جدا. وفي ذات الشهر تعرض كمين طلخا الأمني لهجوم إرهابي قام خلاله 4 مسلحين مجهولين يستقلون دراجتين بخاريتين بفتح نيران أسلحتهم على أفراد الكمين مما أدى لمقتل ثلاثة أفراد شرطة وإصابة آخرين وقسماً بالله العظيم فإنه كالعادة تمكن الجناة من الهرب بفضل تخطيطهم الشيطاني الرائع الذي يستعصي حتى وقتنا هذا على كافة جهود ضبطهم. وليس من قبيل المصادفة أن يشهد نفس الشهر "أكتوبر الأسود" عدة حوادث إرهابية أخرى تم تنفيذها بالاستعانة بموتوسيكلات الإرهاب ، لعل أخطرها حادثة استهداف مقر القمر الصناعي بالمعادي بقذيفة "آر بى جى حيث وصل الجناة أمام سنترال المعادي فجرًا واعتلوا أسطح البناية وفتحوا نيران أسلحتهم على المقر، وفروا هاربين. وحتى الآن لم تتمكن الأجهزة الأمنية سوى من ضبط أحد المتهمين المشاركين في الحادثة، وأشارت التحقيقات بشأن انتمائه إلى جماعات جهادية متغلغلة في البلاد وتعتنق الفكر المتشدد، وفى مطلع الشهر الجاري أيضًا اقتحم عاطلان كمينًا أمنيًّا بالغربية، وأصابا أمين شرطة ورقيبًا، بعد أن صوّبا أسلحتهما النارية من أعلى دراجتين بخاريتين كانا يقودانها. 250 ألف شيطان وبطبيعة الحال لم يكن ما سبق سوى سرد مبسط جداً وليس حصراً شاملاً للجرائم التي ترتكب بواسطة هذه "الدراجات الشيطانية"، وتؤكد تقارير الغرفة التجارية بالقاهرة أن الأعوام الثلاثة الأخيرة شهدت دخول 250 ألف موتوسيكل مجهول لم يسجل منها بإدارات المرور سوى 22 ألف أي أن أكثر من 90% من هذه الدراجات النارية يتم تسييرها بدون لوحات معدنية ولا يعرف أحد أي شيء عن بياناتها وبالتالي تستطيع أن ترتكب أي جريمة بمنتهى الأمان والحرية الكاملة. حيث تحولت هذه الدراجات البخارية من وسيلة نقل إلى كابوس خطير يهدد أمن وسلامة الشعب المصري ، بعدما تحولت إلى وسيلة لارتكاب العديد من الجرائم سواء القتل أو الخطف أو الإرهاب، وتستطيع هذه الموتوسيكلات الهروب وسط الزحام ، كما يصعب اللحاق بمرتكب الجريمة الذي غالبا ما يفاجأ ضحيته ثم يختفي. وزاد من خطورة الأمر فتح باب الاستيراد العشوائي للدراجات البخارية على مصرعيه دون ضوابط حقيقة ، حيث تشير الإحصائيات إلى أن مصر استوردت خلال العام ما يزيد عن مائة ألف دراجة بخارية من ماركات صينية. وكثير من هذه الدراجات لا يحمل أرقام مرورية، ويقودها أطفال وشباب دون الثامنة عشر من عمرهم يسيرون في عكس الاتجاه دون الالتزام بنظام الشارع مما يعرض حياة المواطن للخطر. خطف في وضح النهار ومع سهولة الحصول على الدراجات النارية المجهولة سواء بالسرقة أو الشراء بالتقسيط أو حتى الاستئجار، وجد البلطجية واللصوص فيها مشروعاً ناجحاً جداً لترويع الآمنين والسطو المسلح عليهم خصوصاً على الطرق السريعة مثل الدائري والصحراوي. فيقوم الجناة باصطياد ضحاياهم خصوصاً من أصحاب السيارات عبر عدة وسائل إحداها تضييق الخناق والمطاردة عليهم وإجبارهم على توقيف السيارة ومن ثم يشهرون السلاح في وجوههم ويستولون إما على أموالهم ومتعلقاتهم أو حتى يجبرونهم على النزول من السيارة وخطفها ومن ثم مساومتهم على ردها لهم مقابل آلاف الجنيهات. مجرمون آخرون يجوبون هذه الطرق السريعة ويهاجمون أي سيارة معطلة أو توقف صاحبها لأي سبب فيقتربون منه ويعرضون مساعدته ثم سرعان ما يهددونه ويسرقون كل ما يمكن سرقته. وفي كثير من الأحوال وفي وضح النهار يقوم اللصوص إلى الموتوسيكلات بخطف السلاسل الذهبية من أعناق السيدات والحقائب سواء من النساء أو الرجال الذي يبدو عليهم أنهم يحملون أموالا أو جهاز كمبيوتر، كما يستخدم في خطف الهواتف سواء من السائرون على أقدامهم أو أصحاب السيارات الذين يضعون هواتفهم المحمولة في متناول أيدي البلطجية واللصوص، وتعتمد هذه الطريقة على أسلوب العصابات ، حيث يكون هناك شخصين الأول يقود الموتوسيكل ، والثاني خلفه يتولى مد يده والسرقة. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن كيف نعيش في وطنٍ تهمه مصلحة المواطنين وتنام عيون كي تسهر عيون أخرى وعندما تُصبح طرقات الوطن مثل طرقات عصر العصابات وقاطعي الطرق على مفارق الوطن، فأي أمن يستطيع أن يحمينا من الدراجات الشيطانية التي أصبحت بمثابة وسيلة الموت السريع، وكيف سيحمينا رجال الأمن وهم أنفسهم يقتلون بنيران أصحابها ورغم كل ذلك ما زالوا يسمحون بمرورها ويحاولون طمأنتنا ببعض الأكمنة الاستثنائية التي غالباً ما نشاهدها بعد وقوع كل مصيبة لتحمل الجثث وتكتفي بمواصلة البحث عن هؤلاء العفاريت.