لم يكن جوته، الذي تمر اليوم 28 أغسطس ذكرى مولده، شاعرا عاديا أو روائيا فقط بل كان واحدا من أشهر أدباء ألمانيا الذين غيروا كثيرا في الأدب والنظرية الأدبية ليس فقط على مستوى ألمانيا بل على المستوى العالمي، فقد ترك إرثا أدبيا وثقافيا ضخمًا للمكتبة الألمانية والعالمية، وكان له بالغ الأثر في الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية، وما زال التاريخ الأدبي يتذكره بأعماله الخالدة التي ما زالت أرفف المكتبات في العالم تقتنيها كواحدة من ثرواتها، وقد تنوع أدب جوته ما بين الرواية والكتابة المسرحية والشعر وأبدع في كل منهم، واهتم بالثقافة والأدب الشرقي واطلع على العديد من الكتب فكان واسع الأفق مقبلًا على العلم، متعمقًا في دراساته. ونظرًا للمكانة الأدبية التي مثلها جوته تم إطلاق اسمه على أشهر معهد لنشر الثقافة الألمانية في شتى أنحاء العالم وهو "معهد جوته" والذي يعد المركز الثقافي الوحيد لجمهورية ألمانيا الاتحادية الذي يمتد نشاطه على مستوى العالم، كما نحتت له عدد من التماثيل. قام جوته خلال حياته بدراسة مختلف العلوم، مثل الرياضة والرسم والشعر والموسيقى والتصوير، كما قام بدراسة النبات والطب والهندسة والحقوق والسياسة. تعلم العديد من اللغات الحية فدرس كل من اللاتينية، اليونانية، الإيطالية، الفرنسية، الإنجليزية والعبرية، وسعى جوته نحو التعرف على ثقافات أخرى فتعمق في الأدب الشرقي فاطلع على الأدب الصيني والفارسي والعربي، بالإضافة لتعمقه في الفكر الإسلامي، ولم يكتف في مجمل اطلاعه على الثقافة العربية على الشعر العربي فقط بل أطلع على كتب النحو والصرف متلهفا وساعيا نحو المعرفة، كل هذه الأمور أهلته لأن يكون شاعرا متمكنا واسع الثقافة مطلع على العديد من العلوم. كل هذا ليضرب لنا مثالا للكاتب والأديب الذي يهتم بفكرة الثقافة وكيف يكون منفتحا على ثقافات الشعوب وحضاراتها. وقد اهتم جوته باللغة العربية ووصفها بقوله: "ربما لم يحدث في أي لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية، وإنه تناسق غريب في ظل جسد واحد"، ومن دراسته للغة العربية قام بدراسة الشريعة الإسلامية دراسة متعمقة، واطلع على الأشعار والملاحم العربية وتأثر بعدد من الشعراء مثل المتنبي، وقام بإدراج بعض من ملامح أشعاره في روايته "فاوست"، كما تأثر بأبي تمام، والمعلقات السبع فقام بترجمة عدد منها إلى اللغة الألمانية عام 1783 م بمساعدة معلمه هيردر، وقرأ لفحول الشعراء مثل امرؤ القيس، طرفة بن العبد، عنترة بن شداد، زهير بن أبي سلمى وغيرهم، وكانت للأشعار والمفردات العربية تأثير بالغ على أشعاره وأدبه. وتنوعت مؤلفات جوته بين الرواية والقصيدة والمسرحية نذكر من مؤلفاته: ألام الشاب فرتر، من المسرحيات نذكر نزوة عاشق، المتواطئون، جوتس فون برليخنجن ذو اليد الحديدية، كلافيجو، ايجمونت، شتيلا، إفيجينا في تاورس، توركواتو تاسو، ومن قصائده بروميثيوس، فاوست "ملحمة شعرية من جزأين"، المرثيات الرومانية، وسيرة ذاتية بعنوان من حياتي..الشعر والحقيقة، الرحلة الإيطالية، الأنساب المختارة، كما قدم واحدة من أروع أعماله وهي "الديوان الغربي والشرقي" والذي ظهر فيه تأثره بالفكر العربي والفارسي والإسلامي، ولعل جوته هو أول شاعر أوروبي يقوم بتأليف ديوان عن الغرب والشرق مجسدا قيم التسامح والتفاهم بين الحضارتين، هذا بالإضافة للعديد من المؤلفات القيمة الأخرى. جاءت وفاة جوته في الثاني والعشرين من مارس 1832 بفيمار، وهو في الثانية والثمانين من عمره، وذلك بعد أن أثرى المكتبة الألمانية والعالمية بالعديد من المؤلفات الأدبية القيمة، وقد كان له أثر كبير في الحياة الأدبية في عصره، الأمر الذي أهله لأن يظل التاريخ يردد اسمه كواحد من أعظم الأدباء.