"لا نتعلم إلا من الكتب التي لا نستطيع تقييمها، أما الكتاب الذي نستطيع تقييمه فعلى كاتبه أن يتعلم منا". قالها يوهان جوته، أحد أهم الأدباء الألمان، الذي ترك إرثًا أدبيًا وثقافيًا، وكان له بالغ الأثر في الحياة الأدبية، وما زال التاريخ يحتفظ بأعماله التي ما زالت تتصدر أرفف المكتبات في العالم؛ حيث تنوعت أعماله بين الرواية، والكتابة المسرحية، والشعر، وكان مُهتمًا بالثقافة والأدب الشرقي. ولد يوهان فولفجانج فون جوته، في الثامن والعشرين من أغسطس عام 1749 في مدينة فرانكفورت لعائلة ميسورة الحال؛ وكان والده يحلم بأن يتبوأ ولده مناصب عُليا في الدولة، وعندما كان في سن العاشرة قام الفرنسيون باحتلال فرانكفورت، وقام أحد الضباط الفرنسيين باحتلال منزل العائلة، ما ترك أثرًا بالغًا في نفسيته. وفي السادسة عشرة قام والده بإلحاقه بكلية الحقوق، ولم تكن ميول يوهان تتوافق كثيرًا مع دراسة الحقوق فلم يحقق بها الكثير من النجاح فقد كان الأدب هو عشقه الأول، وعلى الرغم من ذلك أكمل دراسته بها. أثناء دراسته بالجامعة عاش يوهان أولى قصص الحب، فأحب فتاة اسمها آنا كاترين شونكويف كانت ابنة صاحب حانة كان يتردد عليها، وذكرها في العديد من قصائده الأدبية في هذه الفترة مُطلقًا عليها اسم "آنيت"، وهي المجموعة التي نشرها عام 1767؛ ولكن قصة الحب هذه لم تستمر كثيرًا، فما كادت الفتاة تُبادله الحب حتى انصرف عنها. مال جوته إلى التبحر في مختلف العلوم، فانكب يدرس العلوم، الفنون، النبات، الطب، الهندسة الحقوق، والسياسة؛ كما عكف على تعلم اللغات وساعده والده في ذلك، فدرس اللاتينية، اليونانية، الإيطالية، الفرنسية، الإنجليزية والعبرية، وسعى للتعرف على ثقافات أخرى، فاطلع على الأدب الصيني، الفارسي، والعربي، بالإضافة لتعمقه في الفكر الإسلامي؛ ولم يكتف بإطلاعه الشعر العربي فقط بل سعى إلى كتب النحو والصرف، فكان واسع الثقافة ومطلعًا على العديد من العلوم؛ كما كان يميل إلى منهج "العاصفة والتيار"، وكان هذا هو التيار السائد في هذا العصر في مواجهة تيار آخر عرف ب"عصر التنوير"، والذي كان يُعمل العقل في كل النواحي، بينما كان منهجه متجددًا ورافضًا لوضع أي قيود على المشاعر والأحاسيس؛ ثم تحول فيما بعد إلى الكلاسيكية التي تسير على نهج الحضارة الرومانية اليونانية القديمة. تنوعت مؤلفات جوته بين الرواية مثل آلام فرتر، والقصيدة التي كان أهمها ملحمته الشعرية فاوست، والمسرحية مثل "المتواطئون" وسيرة ذاتية بعنوان "من حياتي.. الشعر والحقيقة"، كما قدّم واحدة من أروع أعماله وهي "الديوان الغربي والشرقي"، والذي ظهر فيه تأثره بالفكر العربي والفارسي والإسلامي، وكان أول شاعر أوربي يقوم بتأليف ديوان عن الغرب والشرق مجُسّدًا قيم التسامح والتفاهم بين الحضارتين. عشق جوته اللغة العربية، وقال عنها: "ربما لم يحدث في أي لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية، وإنه تناسق غريب في ظل جسد واحد"، فعكف على دراسة الشريعة الإسلامية، وتأثر بشعراء مثل المتنبي، وأدرج بعض من ملامح أشعاره في ملحمته "فاوست"، كما تأثر بأبي تمام، والمعلقات السبع فقام بترجمة عدد منها إلى اللغة الألمانية عام 1783. توفيَّ يوهان جوته في الثاني والعشرين من مارس 1832 بفيمار، وهو في الثانية والثمانين من عمره، وذلك بعد أن أثرى المكتبة الألمانية والعالمية بالعديد من المؤلفات، وتم إطلاق اسمه على أشهر معهد ثقافي ألماني في العالم وهو "معهد جوته"، والذي يعد المركز الثقافي الوحيد في ألمانيا الذي يمتد نشاطه على مستوى العالم.