عُرض ضمن برنامج المسابقة الدولية بالدورة ال46 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، فيلم اغتراب للمخرج التونسي مهدي هميلي، الذي يقدم معالجة درامية لقصة شخص يقرر البحث عن الحقيقة الغائبة، بعد موت صديق له في العمل، داخل مصنع للصلب، على وشك الإفلاس والخصخصة. ووراء هذا الموت لغز يحاول كشفه واسترداد حق الصديق الراحل، وأثناء ذلك يخوض صراعا مع أطراف من العاملين والمسئولين، وصراعا داخليا من الهواجس والأفكار، ولا يخلو العمل من التشويق وبعض الخطوط التي تثير الرعب من خلال المؤثرات الصوتية والإضاءة، والفيلم من إنتاج شركة يول فيلم هاوس التونسية، التي أسسها مهدي والمنتجة مفيدة فضيلة، بالإضافة إلى دعم عدة جهات أخرى مثل صندوق البحر الأحمر، والجونة، وآفاق. يناقش العمل قضية العمالة في مصانع خطرة، والتأمينات وشروط السلامة والفساد الإداري، عبر هذه القصة الغامضة، وينتهي الفيلم باهداء خاص من المخرج إلى "عمال المصانع". وعن دوافع هميلي وراء صناعة هذا الفيلم، التقت الشروق به على هامش فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.. -حدث حالة التفاف حولك بعد العرض من الجمهور، كيف استقبلت ردود الفعل؟ سعدت جدا بردود الفعل، وسعدت أكثر بصبر الجمهور ومشاهدته الفيلم للنهاية وأيضا انتظارهم للجلسة النقاشية عقب الفيلم، ومناقشة الفيلم معي، كان الأمر مثيرا بالنسبة لي، خاصة وأنا أعلم أن الفيلم ليس سهلا، إيقاعه بطيء ودراميا بحدة، عالم مختلف يحتاج إلى اندماج من المتفرج، ولكن رد الفعل طمأني لأن الجمهور يشاهد أفلام كثيرة ولديه حالة تشبع، لكنه صبر مع الفيلم وشاهده للنهاية. -هناك كثير من الكواليس خلف هذا الفيلم منها اختفاء البطل وتحوله من تسجيلي إلى روائي.. ماذا حدث ؟ من البداية وأنا لدي طموح تصوير هذا المصنع، وكان لدي خوف دائم من أن المصنع سيتم خصخصته، وقررت صناعة فيلم تسجيلي، ولكن بطل الفيلم –وهو عامل في المصنع- تعرض للسجن، ولم يكن لدينا خيار آخر سوى تغيير الحكاية من تسجيلية إلى فيلم روائي، لكي نستطيع التصوير في هذا المكان قبل أن يتم منعنا تماما من دخوله، أما المقاطع التي سُجلت بالفعل في النسخة القديمة من 2016 ربما نحتاجها في فيلم آخر فيما بعد، خاصة أنه خرج من السجن الأسبوع الماضي. اغتراب فيلم يعتبر رد فعل على كل ما جرى، كان لدي رغبة ألا تعيقني الظروف من تصوير الفيلم في هذا المصنع مهما كانت التحديات، وبالفعل واجهت كثير من الصعوبات للحصول على تصاريح التصوير داخل المكان، ولكن خضتها جميعا من أجل الانتهاء من هذا المشروع. -لماذا تمسكت بقصة هذا المصنع إلى هذه الدرجة؟ علاقتي بدأت بهذا المصنع منذ سنوات بعيدة، جدي كان يعمل به منذ بداية الستينيات، وكان مصنعا حكوميا عظيما وفخر للصناعة للبلد، ولكنه حاليا تحول إلى شبح على الطريق، لدي رغبة ملحة لحكي قصة هذا المصنع وعماله، عشت معهم سنوات طويلة، وفهمت معاناتهم والقسوة والمخاطر التي يتعرضون لها والظلم، والعنف الاقتصادي، لذلك كان لدي رغبة أن يصل صوتهم للعالم، كما أن لدي علاقة خاصة مع المصنع ذاته، كلما مررت من أمامه أشعر أنه يناديني، لذلك منحته صوتا داخل الفيلم، آخر يوم تصوير داخله شعرت بالحزن لأني سوف أغادر، شعرت كأنه فرد تورطت معه بمشاعر، وهذا التأثير ظهر في الفيلم، الألوان المستخدمة في الفيلم مستوحاه من المصنع، النار والصدأ والدماء، وشريط الصوت عملنا عليه لمدة 3 شهور، لكي نستطيع تجسيد صوت المصنع بشكل وفي له. -في تصريح سابق تحدثت عن حبك ليوسف شاهين.. إلى أي مدى هذا التأثير يظهر في أعمالك؟ يظهر في كل شيء، في حبي للممثل، في أسلوبي أثناء توجيه الممثلين داخل اللوكيشن، وأنا بدأت ممثل مسرح وكان لدي رغبة أن أصبح ممثل مثله تماما، ولكن قررت أروح للإخراج لكي أسيطر على التعبير وعملية الصناعة، هناك كثير من الأمور تجمعني به، ومنذ فترة سألت ماريان خوري على مكان قبره في الإسكندرية، وبالفعل ذهبت إلى هناك وقرأت الفاتحة له، وجاء شخص ظن أني حفيده، وهذا غمرني بالسعادة، لأن بالفعل هناك علاقة أبوة أشعر بها مع جو، لأنه والدنا جميعا، هو مدرسة نتعلم منها جميعا.