تونس تسعى لحسم التأهل أمام تنزانيا.. والسنغال تحاول فك شفرة المجموعة المعقدة    بعد قليل جنايات الجيزة تحدد مصير اللاعب رمضان صبحي و3 متهمين في قضية التزوير    اليوم.. عزاء المخرج عمرو بيومى    وزير الصحة يعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد    أسعار الدولار اليوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2025    بعد قليل.. استكمال محاكمة 32 متهما بقضية خلية الهرم    التموين تعلن اعتزامها رفع قيمة الدعم التمويني: 50 جنيه لا تكفي    محمود العسيلي: "عمرو دياب بتعلم منه وهو رقم واحد"    مجانًا ودون اشتراك بث مباشر يلاكووووورة.. الأهلي والمقاولون العرب كأس عاصمة مصر    جراحة قلب دقيقة بالتدخل المحدود في مستشفيات جامعة بني سويف تُعيد مريضًا إلى حياته الطبيعية خلال أسبوعين    القبض على المتهمين بقتل شاب فى المقطم    طقس اليوم الثلاثاء| عودة الاستقرار الجوي.. ودرجات الحرارة في النازل    السيطرة على حريق داخل محل أسفل عقار بمدينة نصر.. صور    نتنياهو يوافق على طلب ترامب استئناف المحادثات مع سوريا وتنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق غزة    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم الثلاثاء 30 ديسمبر    هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر    القاهرة الإخبارية: خلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة حول ملف الضفة الغربية    محمد منير في جلسة عمل مع أمير طعيمة لتحضير أغنية جديدة    نجما هوليوود إدريس إلبا وسينثيا إيريفو ضمن قائمة المكرمين الملكية    تراجع الأسهم الأمريكية في ختام تعاملات اليوم    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الثلاثاء 30 ديسمبر    زيلينسكي: لا يمكننا تحقيق النصر في الحرب بدون الدعم الأمريكي    "فوربس" تعلن انضمام المغنية الأمريكية بيونسيه إلى نادي المليارديرات    الإمارات تدين بشدة محاولة استهداف مقر إقامة الرئيس الروسي    وزارة الداخلية تكشف تفاصيل واقعة خطف طفل كفر الشيخ    تفاصيل مثيرة في واقعة محاولة سيدة التخلص من حياتها بالدقهلية    مندوب مصر بمجلس الأمن: أمن الصومال امتداد لأمننا القومي.. وسيادته غير قابلة للعبث    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين    بعد نصف قرن من استخدامه اكتشفوا كارثة، أدلة علمية تكشف خطورة مسكن شائع للألم    أستاذ أمراض صدرية: استخدام «حقنة البرد» يعتبر جريمة طبية    حوافز وشراكات وكيانات جديدة | انطلاقة السيارات    نجم الأهلي السابق: زيزو لم يقدم أفضل مستوياته.. ومصطفى محمد يفتقد للثقة    ناقدة فنية تشيد بأداء محمود حميدة في «الملحد»: من أجمل أدواره    صندوق التنمية الحضارية: حديقة الفسطاط كانت جبال قمامة.. واليوم هي الأجمل في الشرق الأوسط    سموم وسلاح أبيض.. المؤبد لعامل بتهمة الاتجار في الحشيش    حسام عاشور: كان من الأفضل تجهيز إمام عاشور فى مباراة أنجولا    أزمة القيد تفتح باب عودة حسام أشرف للزمالك فى يناير    نيس يهدد عبدالمنعم بقائد ريال مدريد السابق    تحتوي على الكالسيوم والمعادن الضرورية للجسم.. فوائد تناول بذور الشيا    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    الكنيست الإسرائيلي يصادق نهائيًا على قانون قطع الكهرباء والمياه عن مكاتب «الأونروا»    الزراعة: نطرح العديد من السلع لتوفير المنتجات وإحداث توازن في السوق    مجلس الوزراء: نراجع التحديات التي تواجه الهيئات الاقتصادية كجزء من الإصلاح الشامل    ترامب يحذر إيران من إعادة ترميم برنامجها النووي مرة أخرى    أمم إفريقيا – خالد صبحي: التواجد في البطولة شرف كبير لي    وزير الخارجية يجتمع بأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي من الدرجات الحديثة والمتوسطة |صور    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    نيافة الأنبا مينا سيّم القس مارك كاهنًا في مسيساجا كندا    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"تجنيد الأطفال".. استراتيجية "داعش" لتعويض خسائره
نشر في البوابة يوم 20 - 07 - 2018

من أصل 6 مشكلات تكاد تعصف بتنظيم «داعش» الإرهابي؛ يتصدر النقص العددى أهم مأزق يواجه التنظيم، وهو ما أكده كتاب بعنوان «إدارة التوحش» رصد أبرز المعوقات التى تواجه التنظيم الدموي، واعتبر مؤلفه نقص العناصر البشرية أو «العناصر المؤمنة» أو نقص الكوادر الإدارية المنضمة لصفوف التنظيم، المشكلة الأولى التى تُهدد باختفائه.
وإذا ما أضفنا إلى النقص العددي، المأزق الذى يتعرض له التنظيم على خلفيَّة الهزائم المتلاحقة التى يلقاها فى كل من سوريا والعراق، نجد أن «داعش» اضطر لنقل أنشطته إلى خارج الأراضى السورية مع اشتداد المعارك، إلى أماكن تقع فى القارتين الأفريقية والأوروبية، مما أدى إلى إضعاف قوة التنظيم، خاصة بعد عملية «فك الارتباط» مع تنظيم القاعدة التى قادها زعيم جبهة النصرة «أبو محمد الجولاني» فى يوليو 2017. وأمام النقص العددى ذلك المأزق الاستراتيجى الذى يعصف ب«داعش»، اضطر التنظيم لتجنيد عناصر غير تقليدية من أجل تعزيز صفوفه القتالية، ولم يتوقف الأمر هنا عند حد الاستعانة بالنساء كجزءٍ أساسيّ بين صفوف مقاتليه، تلبيةً للاحتياجات التى فرضتها التطورات على ميدان القتال، ولأغراض سد النقص العددى بين فصائله، وكذلك استخدامهن فى عمليَّات تكتيكية أخرى، وهو ما عززته فتوى صادرة من قِبَل أمير التنظيم السابق «أبوبكر البغدادي» بوجوب مشاركة نساء التنظيم فى القتال فى يوليو 2017، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل لجأ التنظيم إلى تجنيد الأطفال لأسباب لا تختلف كثيرًا عن حالة النساء.
ارتبطت عملية تجنيد الأطفال لدىَ تنظيم داعش ببعدين استراتيجيين جعلا منها «فكرة جذابة» أمام صانع القرار فى التنظيم، ويرتبط البُعد الأول بواقع أزمة النقص العددى التى يعانى منها التنظيم، بينما يرتبط البعد الثانى بما تتميز به عملية تجنيد الأطفال، حيث تتسم بعدد من المزايا التى تدفع قادته إلى الاعتماد عليها، وهناك جوانب متنوعة جعلت «داعش» يلجأ إلى تجنيد الأطفال، وهى على النحو التالي:
أولًا: تعويض نقص المقاتلين فى ظل امتداد خطوط المواجهة بين التنظيم ومناوئيه أو الراغبين فى استئصاله لمساحات شاسعة، وعلى جبهات مختلفة.
ثانيًا: ربط أجيال جديدة بالتنظيم، فأطفال اليوم هم شباب الغد، حيث يراهن التنظيم على رفع المستوى التدريبى للمقاتلين الصغار، ولاسيما مع حداثة أعمارهم، واعتبار ذلك فرصة لتنشئتهم على أفكاره ومعتقداته الدينيَّة والقتاليَّة.
ثالثًا: يتيح الأطفال للقادة الميدانيين فى التنظيم فرصة لتمويه أعدائهم وخداعهم، إذ يسهل استخدام الصغار فى العمليات الانتحاريَّة النوعيَّة دون أن يلفتوا الانتباه.
رابعًا: ربط أسر الأطفال بالتنظيم، فقد انتقل بعض المنتمين له إلى الأرض التى يسيطر عليها التنظيم مع زوجاتهم وأطفالهم، وهناك من تزوجوا وأنجبوا أطفالًا فيما بعد.
خامسًا: يعطى توظيف صغار السن فى العمليات الميدانية فرصةً للتنظيم، كى يسوق بعض صور ضحايا حروبه من الأطفال فى دعايته الرامية إلى تشويه خصومه.
الخيم الدعوية
تقوم ظاهرة تجنيد الأطفال داخل تنظيم «داعش»، على غرس فكرة رئيسية داخل عقول الأطفال، وهى أنَّ قائد التنظيم «أبوبكر البغدادي» هو مولاهم، وأنَّهم من دونه كفار مرتدون، وهو ما يتم فيما يطلقون عليه «الخيم الدعويَّة»، وهى مقرات لممارسة عمليات غسل أدمغة الأطفال بشكل كامل، ليقوموا بنقلهم بعد ذلك إلى المكاتب الدعوية، ومن ثم تقديم طلب الانضمام رسميًّا للتنظيم، فيما يُعرف بالمبايعة.
ثم تأتى الموافقة أو الرفض عن طريق رسالة تُسمى «بريد الدعوة»، والتى تصدر يوميًّا متضمنةً أسماء من تمت الموافقة عليهم، وتتم تلك العملية تحت قيادة كل من «أبو الحوراء العراقي» ومعاونه «أبو ذر التونسي»، وبعد الموافقة على الانضمام، ينتقل الأطفال إلى معسكرات تنقسم إلى نوعين على النحو التالي:
الأول: يبقون فيه 15 يومًا، يتعلم خلالها الطفل معارف شرعية؛ كالصلاة، وكيفية الوضوء ودراسة بعض آيات القرآن المتصلة بالجهاد لكن وفقًا للمنظور الداعشي، بالإضافة إلى دورات لتعلم القراءة والكتابة، وتتم بالمعسكرات التى تقع فى المناطق التى يسيطر عليها التنظيم.
النوع الثانى من معسكرات الدواعش للأطفال: يبقى فيها الطفل نحو 40 يومًا، يتعلم خلالها فنون القتال والتدريب على حمل السلاح، وبعد إتمام تلك المرحلة يتم توزيعهم إلى الميدان.
ويتبع التنظيم فى إطار عملية تجنيد الأطفال العديد من الأساليب التى تعتمد على سياسة التجويع، وإغراء الأهالى بإرسال أطفالهم مقابل المال، ومن خلال التغرير بالأطفال من خلال المخيمات سالفة الذكر، يتم توزيع الهدايا على الأطفال والسماح لهم باللعب بالأسلحة ومغازلة ميولهم الطفولية، كما يعتمد التنظيم بدرجة كبيرة على المواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي.
مراحل دمج الأطفال
بجانب ما سبق يعتمد التنظيم على مراحل 6 يسعى من خلالها إلى دمج الأطفال بين صفوفه، وهذه المراحل ترصدها دراسة صادرة بعنوان «من الأشبال إلى الأسود: نموذج المراحل الست لدمج الأطفال داخل الدولة الإسلامية» وأعدَّ الدراسة أربعة باحثين، هم: «جون جى هورجان، ماكس تايلور، ميا بلوم، تشارلى وينتر» ونشرتها دوريَّة «دراسات الصراع والإرهاب فى العالم» عام 2017، والمراحل الست تتمثل فى:
1- الإغواء Seduction: يقوم خلالها التنظيم بعرض أفكاره وممارساته لأول مرة على الأطفال؛ وذلك عبر لقاءات غير مباشرة تجمعه بهم فى مناسبات عامَّة يلتقون خلالها بأفكار بعض الأعضاء داخل التنظيم.
2- التعليم Schooling: والتى يتم خلالها تلقين الأطفال بشكل مكثَّف مبادئ وممارسات التنظيم، إضافةً إلى مقابلتهم المباشرة بالقادة المسئولين عن التنظيم.
3- الاختيار Selection: يتم وفقًا لاهتمامات وكفاءة كل طفل، حيث يتم استقطابهم للتنظيم وتدريبهم وإعطاؤهم مهام مختلفة يتم من خلالها اكتشاف قدراتهم.
4- الإخضاع Subjugation: حيث يتعرضون لتدريبات مكثفة جسديَّة ونفسيَّة تتضمن قدرًا كبيرًا من الوحشية، ويتم خلالها عزلهم عن أسرهم، وإرغامهم على ارتداء زى موحد، وتعميق الالتزام داخلهم بقيم الولاء والتضحية والتضامن الذى ينتج عن المشقة المشتركة التى يواجهونها.
5- التخصص Specialization: فى هذه المرحلة يسعى أعضاء التنظيم إلى تعزيز الخبرات التى تم اكتسابها خلال فترة التدريب، بالإضافة إلى اجتيازهم المزيد من التدريبات المتخصصة.
6- التعيين Stationing: حيث يتم خلاله تعيين كل طفل فى الدور الملائم له وفقًا لكل ما سبق، مع اختيار بعض الأطفال للمشاركة فى المناسبات العامة من أجل ترشيح واستقطاب أعضاء جدد.
أشبال العز
تُعد عملية التقدير الإحصائى لأعداد الأطفال بين مقاتلى تنظيم «داعش» واحدة من العمليات التى يصعب على أى باحث أو متابع القيام بها بدقة، وذلك بسبب عدد من العوامل التى يأتى فى مقدمتها الطبيعة العسكرية للتنظيم، وما تفرضه من ضرورة للسرية، فضلًا عن قيام مقاتلى التنظيم بتغيير أسمائهم أثناء القتال، وهو ما يعوق السلطات الرسميَّة عن تحديد تلك الأعداد بدقة.
وتم تجنيد الأطفال فى التنظيم من خلال معسكرات «أشبال العز» للتدريب على القتال بين الأطفال المجندين، وتراوحت أعمار الأطفال المشاركين فى تلك المعسكرات ما بين 7 و14، كما تم تشكيل تنظيم كتيبة «فتيان الإسلام، فى ناحية السعدية «تبعد 60 كم شمال شرق بعقوبة» لتجنيد الصبية والمراهقين فى صفوفه، وهنا نشير إلى أن هذا التنظيم يُعد حالة استنساخ لتجربة تنظيم «طيور الجنة» الذى شكله تنظيم القاعدة نهاية 2007، لإعداد صبية متمرسين على عمليات القتل، أو للاستفادة منهم فى تنفيذ عمليات انتحارية.
وفى هذا الإطار رصد تقرير صادر عن الأمم المتحدة تجنيد التنظيم لنحو 3 آلاف و500 طفل، بعضهم يتراوح بين 800 و900 طفل خُطفوا من الموصل «ثانى أكبر المدن العراقية» لتعزيز صفوف مقاتلى داعش بهم، كما يشير التقرير إلى تضاعُف عدد الأطفال الذين شاركوا فى معارك 2015 ثلاث مرات مقارنة بعام 2014.
إلا أن عدد الأطفال الذين انضموا إلى صفوف التنظيم خلال العام 2015 شهد ارتفاعًا وصل إلى 1800 على الأقل؛ حيث كان غالبيتهم من السوريين، وقد قضى منهم ما لا يقل عن 350 طفلًا حتفه، وقام 48 آخرون على الأقل منهم بتفجير أنفسهم بعربات مفخخة أو أحزمة ناسفة فى عدة مناطق سورية.
وفى عام 2016 تزايدت وتيرة ارتفاع تجنيد الأطفال، ووفقًا لتقرير صادر عن مجلة «سى تى سى سنتينيل» الصادرة عن «مركز مكافحة الإرهاب» التابعة للأكاديمية العسكرية الأمريكية فى «ويست بوينت» بولاية نيويورك، أنه خلال المدة من 1 يناير 2015، إلى 31 يناير 2016 وفى إطار حملاته الدعائية نعى تنظيم داعش 89 طفلًا ويافعًا، وذكر أن 51٪ منهم لقوا حتفهم فى العراق، فى حين قُتل 36٪ منهم فى سوريا، أما الأطفال واليافعون الباقون؛ فقتلوا خلال عمليات فى اليمن وليبيا ونيجيريا.
ووفقًا لتقرير صادر فى مارس 2016 عن مؤسسة «كيليام»، للأبحاث حول الإرهاب، ومقرها لندن، تبين أن 31 ألف امرأة حملت فى الأراضى التى كان يسيطر عليها تنظيم داعش فى الفترة ما بين 1 أغسطس و9 فبراير 2016.
كما يوثق المرصد السورى لحقوق الإنسان، أن العام 2017 وحده شهد انضمام ما لا يقل عن 400 طفل دون سن ال18 إلى صفوف التنظيم، وشهد العام نفسه تخريج دفعة جديدة مما يسمى ب«أشبال الخلافة» من معسكرات «داعش» بلغ عددهم 175 طفلًا مقاتلًا على الأقل، إذ تم إرسالهم إلى جبهات القتال فى كل من ريف الرقة الذى يشهد اشتباكات بين تنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية، وريف حلب الذى يشهد 3 جبهات قتال للتنظيم، الأولى مع قوات سوريا الديمقراطية، والثانية مع قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وعربية وآسيوية، والأخيرة مع الفصائل المقاتلة والإسلاميَّة بريف حلب الشمالي.
مخاوف الغرب
مع تنامى التدخل الغربى «الولايات المتحدة وأوروبا» غير المتزن فى قضايا الشرق الأوسط، بما أسفر بدوره عن تعقيد الأزمات واتساق الخراب الذى طال غالبية دول المنطقة تحت مظلة المؤامرة التى استغلت لحظات الاضطراب التى عرفتها المنطقة منذ أواخر عام 2010 بدايةً من تونس مرورًا بمصر وحتى اليوم، مع ذلك الموقف باتت أوروبا فى مقدمة المستهدفين من الإرهاب كرد فعل على سياساتها الضارة تجاه قضايا المنطقة.
فمنذ تفجيرات مدريد 2004 لم تنته الأحداث الإرهابية التى تشهدها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ومن غير المتوقع أن تهدأ حدتها، بل إن كل المؤشرات تتجه نحو تصاعد حدة الأعمال الإرهابيَّة مستقبلًا؛ وذلك كرد فعل للدور الغربى المتواطئ مع الإرهاب فى الشرق الأوسط بل والداعم له، الأمر الذى يثير قلق العالم الغربى من تطور حجم النشاط الإرهابى بل وانخراط الأوروبيين أنفسهم فيه، بسبب نجاح الآلة الدعائية لتنظيم «داعش» فى تجنيد الأوروبيين للقتال بين صفوفه.
ويكشف مفوض الاتحاد الأوروبى لمكافحة الإرهاب «جيليس دى كيرشوف» عن وجود نحو 2500 أوروبى يقاتلون فى صفوف تنظيم «داعش» فى سوريا والعراق؛ قائلًا: «لدينا 5 آلاف أوروبى قاتلوا فى صفوف داعش فى سوريا والعراق، من بينهم 1500 شخص عادوا إلى أوروبا ونحو ألف آخرين قُتلوا خلال المعارك، ومن بين نحو 2500 مقاتل أوروبى موجودين اليوم فى العراق».
وتُقَدِّر بعض الإحصاءات عدد الأجانب من الأوروبيين المنضمين إلى «داعش» بخمسة آلاف يشكل الفرنسيون 40٪ منهم، كما يُقَدَّر عدد الأطفال ممن هم دون الثامنة بمائة طفل، ومنذ سنة عادت 13 عائلة جهادية إلى فرنسا تضمّ 30 طفلًا معظمهم تحت الخامسة، كما أنه وفقًا لإحصاءات وزارة الداخلية الفرنسية، فإنه يوجد 689 امرأة فرنسيَّة فى سوريا والعراق، فى مناطق خاضعة لسيطرة تنظيم داعش، منهم 275 من النساء، و17 من القاصرات.
وبحسب التقديرات الحكومية الفرنسيَّة، فإن نحو 1700 فرنسى توجَّهوا للانضمام إلى صفوف المتشددين فى سوريا والعراق منذ عام 2014، ومن بين هؤلاء قُتل 278 شخصًا، إلا أن الحكومة تقر أن هذا الرقم أعلى بكثير على الأرجح، وقد عاد 302 آخرون حتى الآن إلى فرنسا، هم 178 رجلا، أوقِف منهم 120- و66 امرأة، أوقفت منهن 14 - و58 قاصرًا غالبيتهم تقل أعمارهم عن 12 عامًا.
وفى شهر يونيه 2016، أعلنت السلطات الفرنسية عن وفاة نحو 300 فرنسى من بين ألف سافروا إلى ساحات القتال فى العراق وسوريا، ولا يزال هناك نحو 700 شخص، بينهم 300 امرأة، بالإضافة إلى 400 طفل، فبغض النظر عن الدور الذى كان يلعبه هؤلاء النساء والأطفال فى مناطق الصراع فى الشرق الأوسط، إلا أنَّ هذا العدد الكبير -300 امرأة و400 طفل- بات يُمَثِّلُ أزمةً حقيقيَّةً مُلِحَّةً فى فرنسا، لا سيما أنَّ هؤلاء النساء يعترفن بذنبهن.
صغار ألمانيا
أما فى ألمانيا التى شهدت فى عام 2016 وحدها 5 عمليات إرهابية على الأقل، تم تنفيذ 3 منها بواسطة قاصرين، قام منفذها «الذى دخل ألمانيا منفردًا طالبًا اللجوء» بالاعتداء على رُكَّاب قطار فى «وورزبيرغ» ما أدَّى إلى إصابة 5 أشخاص قبل أن تطلق الشرطة النار عليه وتقتله.
وكما تذهب المخابرات الألمانية، فإن حوالى 150 مقاتلًا من هؤلاء المتشددين الألمان قُتلوا فى المعارك هناك، فيما عاد ثلثهم - أى حوالى 320 مقاتلًا - إلى ألمانيا، على أن المتبقين منهم إما معتقلون لدى السلطات العراقية أو هاربون، ومن بين المعتقلين نساء مع أطفالهن، وتتفاوض الحكومة الألمانية مع السلطات العراقية لإعادة هؤلاء الأطفال وأمهاتهم إليها.
ووفقًا لرئيس جهاز المخابرات الألمانية هانز جورج ماسن، فإن عددًا صغيرًا فحسب من 290 رضيعًا وطفلًا رحلوا من ألمانيا أو وُلِدُوا فى سوريا والعراق عادوا لألمانيا حتى الآن، وتتوقع الحكومة الألمانية عودة أكثر من 100 طفل ورضيع وُلِدُوا لمقاتلين ألمان منتمين ل«داعش» فى العراق وسوريا خلال الأعوام الماضية.
وبحسب تقديرات حكومية؛ فقد غادر حوالى 960 شخصًا ألمانيًا للانضمام إلى «داعش» أو جماعات متشددة أخرى منذ العام 2012، معظمهم من الرجال حاملى الجنسية الألمانية، فيما تُشَكِّل النساء 15 فى المائة منهم، وقد أنجب عدد كبير منهن أطفالًا فى مناطق سيطرة «داعش» فى سوريا والعراق.
وفى ضوء ما سبق يبدو «داعش» التنظيم الأكثر دموية، وخطورة فى القرن العشرين، واحدًا من أهم التحديات التى تُواجِه الأمن الإقليمى بل والعالمي، فعلى الرغم من المأزق الاستراتيجى الذى يعانى منه التنظيم، والذى يدفع قادته إلى استحداث كل الأساليب غير التقليدية للتجنيد، والعمل على إطالة فترة بقائه ما بين التوسع والمناورة، وتجنيد النساء والأطفال، فإنه فى ضوء ما تعانيه منطقة الشرق الأوسط من تناقضات خلَّفها التعارض الجذرى بين مصالح القوى الرئيسية فيه، إضافة إلى مخاطر التوسع التركية والإيرانية والإسرائيلية بالمنطقة، بل وازدواجية المعايير الأوروبية فى التعامل مع أزمات المنطقة من جهة، ومخاطر الوضع الداخلى الذى تعانى منه دول المنطقة سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، يستمد تنظيم داعش الإرهابى فرص بقائه واحتمالات نموه.
حيث لا تكفى المواجهات الأمنية التى تتبعها الدول الغربية وبعض دول المنطقة، الأمر الذى يُبْرِز أهمية اتباع التجربة المصرية فى مواجهة الإرهاب، من خلال استراتيجية شاملة لا تقف عند حدود التعامل الأمني، الذى انتفضت له الدولة المصرية من خلال آلتها العسكرية فى ظل التحديات المحيطة، لتمتد فتشمل كل الأبعاد الاجتماعية والفكرية، والتى ليس بآخرها استراتيجية الأزهر لتطوير الخطاب الدينى القائم على نشر الفكر المعتدل ومواجهة التطرف، وهو ما لا ينفصل عن جوهر الرؤية الوسطية الإسلاميَّة، بل والمصرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.