سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مغامرة "البوابة نيوز" في جبال دشنا للبحث عن الآثار.. مفتاح المقبرة في "إيد الشيخ".. الدليل: تأكيد المشايخ شرط الاستمرار في الحفر.. والبعض لا يستطيع السيطرة على الجن
خلال السنوات الأخيرة، أضحى الجميع يلهث وراء استخراج تاريخ مصر المدفون فى باطن الأرض، لجنى مكاسب طائلة من ورائها، خاصة أن طرق السرقة واستخراج الآثار، تنوعت وانتشرت بفضل التطور التكنولوجى فى عمليات التنقيب والبحث عن الثروة الفرعونية. «البوابة نيوز» عايشت هذا الواقع داخل إحدى قُرى شرق مركز دشنا بمحافظة قنا، حيث تأتى على رأس قائمة محافظات؛الأقصر والمنيا وأسوان والجيزة والشرقية، التى تكثُر فيها حوادث التنقيب غير الشرعى عن الآثار، حسبما أكدته دراسة بحثية صدرت عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية. وانتقلنا إلى الجبل، حيث يسود الاعتقاد لدى الكثير بوجود القطع والتماثيل الأثرية، وهوس البحث والتنقيب عما يُسمونه «المساخيط»، وبدأنا رحلتنا التى استغرقت 7 ساعات، من العاصمة القاهرة، حتى الوصول ليلًا إلى واحدة من قُرى شرق مركز دشنا، التى تضم «العجمى، ونجع عبدالقادر، وأبودياب، والميات، وأبومناع، ونجع سعيد». فى البداية كنا على موعد، مع أحمد فكرى، الاسم المُستعار لدليلنا، الذى رافقنا فى تلك الرحلة بمصاحبة محمد مبارك، أحد أبناء القرية. ولعل أصدق جملة تعبر عن حالة الهوس والوهم التى وصل إليها قاطنو تلك القرية، وما حولها، هى التى قالها واحد من أبنائها، الذى اشتعل رأسه شيبًا، أثناء سرده لقصته مع التنقيب عن الآثار، حيث قال: «عند المعبد بتاعى فى الجبل». 9 كيلومترات تقريبًا، هى المسافة التى قطعناها من حدود القرية إلى داخل الجبل فى تمام السابعة صباحًا، وهى نفس المسافة أيضًا لوصولنا إلى أول مجموعة من «الحُفر» التى قام بها عدد من الأشخاص منذ عامين، ولا يتعدى عمق الواحدة منها الأربعة أمتار. وبدأ «الدليل» حديثه، قائلًا: إن التنقيب عن الآثار فى الجبل بدأ مُنذ حوالى 50 عامًا، غير أنه انتشر بشكل واسع خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد ثورة يناير، مضيفًا أن مجموعة الحُفر التى أمامنا بدأ العمل بها مُنذ عامين. وتابع فى لهجة صعيدية: «كانوا 3 أفراد بينقبوا هنا، ولسه شغالين، بيجيبوا كل فترة شيخ فيؤكد لهم أن المكان فيه «مساخيط» بس لا يستمر معاهم، أو ممكن تقول إن الشيوخ دى خدمتها من الجن ضعيفة، فمبيعرفوش يخلصوا»، مؤكدًا أن تأكيد الشيوخ لوجود الكنوز شرط للاستمرار فى الحفر والتنقيب، وعن سبب التنقيب بعيدًا عن القرية، وفى أماكن لا يبدو أن قدماء المصريين سكنوها، قال «فكري»: إن المدينة القديمة لمحافظة قنا كانت قريبة من منطقة الجبل، بحكم مجرى النيل أو فيضان النيل، ومن المعروف أن الحضارة المصرية كانت تُقام على ضفاف النيل، وبعيدة عن المياه حتى لا يلحق بها ضرر. ونوه إلى أن التنقيب عن الآثار موجود فى القرية نفسها، لكن السبب الرئيسى خلف سعى الناس للتنقيب فى الجبل، هو البُعد عن الأنظار والعمل والحفر بحرية أكثر. وبالعودة إلى رحلتنا، فلم يفصلنا عن المنطقة الأخرى من الحفر والتنقيب سوى 5 كيلومترات، لنكون بذلك على بعد 14 كيلومترًا أو أكثر من حدود القرية، وأثناء السير، لَفت «الدليل» انتباهنا لزاوية فى أحد الجبال، وهو يقول: إنه فى هذا المكان يوجد معبد «فيلة». ووجهنا حديثنا له: «معبد فيلة فى أسوان مُش هنا»، ليقول: إن بعض الأشخاص المنقبين بهذا المكان هم من أطلقوا عليه هذا الاسم، وأنه قد يكون ذلك ناتجًا عن مدى ما وصلوا إليه من اعتقاد و«عشم» فى الخيرات الموجودة بداخله». وذَكر «فكري»، أن بعض المنقبين فى هذا الحيز من المكان عثروا على «مسلة» فرعونية يصل طولها إلى أكثر من ثلاثة أمتار، وباعوها إلى «ناس تقيلة»، على حد قوله، منذ ما يقرب من خمسة أعوام، بمساعدة وسطاء معروفين فى تجارة الآثار، ولذلك لا يستبعد أن يكون فى هذا المكان معبدًا أو اكتشافًا كبيرًا. ووصلنا إلى حفر كبير، يبدو أنه مختلف عما سبقه، ففى حيز المكان توجد بقايا معدات بدائية للتنقيب، وسلم خشبى، وحبال كانت مستخدمة فى البحث، وأدوات أخرى مثلت دليلًا على أن المنقبين كانوا يُقيمون خيمة صغيرة تستخدم فى أوقات النوم والراحة. الحفر يبدأ بعمق 2 متر، وعرض أقل من المتر الواحد، لتجد منحدرًا أو مدخلًا بسيطًا، ثم يأخذ التنقيب طريقين، الأول إلى الأسفل وعلى عمق أربعة أمتار وأكثر، والثانى متوازٍ مع سطح الأرض وعلى مسافة 3 أمتار، وتبدو جوانب الحفر من الحجارة فى شكلها الطبيعى، وعلى غير العادة ما يتركه التنقيب من خدش وتكسير فيما عدا المداخل. ولا يعلم «فكري»، عن هذا المكان غير أنه بدأ العمل به من بعد ثورة يناير مباشرة، وأنهم ما زالوا يأتون لاستكمال التنقيب من فترة لأخرى، وأن العمل قائم بدليل ما كُتب على حجر صغير بجوار الحُفرة: «راجعين بإذن الله». وكانت الساعة تقترب من الواحدة ظهرًا، عندما اصطحبنا الدليل، سيرًا على الأقدام، إلى قمة جبل، تبدو وكأنها قريبة ولا تستدعى كل ما حملناه من مياه شرب حتى نصعد، لكنها كانت أشبه بالمعاناة، حيث الصعود إلى ما يقارب من 1200 متر، وعلى القمة؛ توجد مجموعة كبيرة من الحُفر الصغيرة، التى لا يتعدى عمق الواحدة منها ال3 أمتار. ويقول «فكري»: إنه فى واحدة من تلك الحُفر وجدوا إناءً فرعونيًا، ولذلك سعى الكثيرون للتنقيب فى نفس المكان، ويشير بيده إلى الجانب الآخر، وهو يؤكد أنه لولا الضباب والغيوم البسيطة لكُنا رأينا مجرى نهر النيل من تلك القمة. وسألناه، ونحن على مشارف نهاية رحلتنا، عما إذا كانت هناك مقبرة تم فتحها واستخراج ما بها من قطع أثرية فى تلك الأماكن، وأوضح «فكري» قائلًا: «كل اللى طلع من الأماكن دى قطع منفردة، و90٪ من اللى بيدوروا ما بيلقوش حاجة، لأسباب كتيرة، أولًا الرصد الفرعونى على الحاجات دى شديد لأن المدفون لكهنة، والكاهن محصنها كويس، تانى حاجة أن الجبل هنا مش ملك لحد، ولا تابع لقرية بعينها، وفيه ناس بتيجى من حتت بعيدة معاها شيوخ وأجهزة بتطلع وإحنا منعرفش». بينما تحدث محمد مبارك، دليلنا الثانى، عن أن التنقيب انتشر بقوة أيضًا فى داخل المنازل، وأن قرى كثيرة يتملكها الهوس بالتنقيب فى غرب وشرق المحافظة، وعلى رأسها؛ المراشدة، وبركة نجع حمادى، والساحل، والعركى، والحاج سلام، وشنهور، ويُرجع السبب الرئيسى فى كل ذلك إلى الاعتقاد بأن الآثار هى الطريق الوحيد والأسرع للهروب من الفقر. وكُنا على يقين تام، أثناء رحلة العودة إلى القرية، أن هناك أماكن أخرى فى الحيز الذى وصلنا إليه؛ ما زال الحفر والتنقيب قائمًا بها، وأنه من حولنا أشخاص يضربون بعزم فى صخر الجبل للوصول إلى قطع أثرية، بالإضافة إلى يقيننا بأن فكرى دليلنا فى الرحلة، لم يعطنا الفرصة كاملة للوصول إلى أماكن جديدة، لها شأن ودليل كبير على عمليات التنقيب الخطير، أو حتى إلى أماكن حية وما زال العمل بها قائمًا، وربما يرجع ذلك إلى حرصه على سلامة نفسه وعلى سلامتنا.