"نحن بحاجة لأسماء جديدة" !..اذا كان هذا عنوان أحد أهم الأعمال الابداعية الافريقية في القصة خلال عام 2013 والتي اثارت اهتمام الصحافة الثقافية الغربية فنحن هنا في مصر بحاجة لأسماء جديدة وافكار جديدة في التفاعل الثقافي مع افريقيا ان لم يكن في عديد ملفات حيوية اخرى. وبعيدا عن اجترار "مقولات القوة الناعمة" رغم اهميتها لعل السؤال الذي يتجدد بصورة اكثر الحاحا وواقعية:"متى تطرح اسئلة الثقافة الافريقية بجدية في المشهد المصري وبما يحقق التفاعل الحقيقي بين الثقافة المصرية وثقافات القارة السمراء "؟!. فالنظرة الواقعية تكشف بلا عناء عن نوع من الخلل في العلاقة بين الثقافة المصرية وثقافات افريقيا وغياب مؤسف او تغييب للمنجز الثقافي-الابداعي الافريقي عن ارض الكنانة واغفال او عدم معرفة بالجديد في هذا المنجز رغم ان البعد الافريقي حاضر ضمن مستويات الهوية المصرية ومكوناتها الثرية. وثمة حاجة ملحة للتعرف على المنجز الابداعي-الثقافي الافريقي وجديده كما ان اسئلة الثقافة الافريقية تتجاوز بكثير المهرجانات والشعارات وينبغي ان تكون حاضرة في العقل الثقافي المصري ليبحث لها عن اجابات متجددة وغير تقليدية. هذا العام الذي لم تتبق منه سوى ساعات معدودة كان بحق عاما مشهودا للأدب الأفريقي حتى ان الصحافة الثقافية الغربية اعتبرت ان عام 2013 هو عام لاينسى في تاريخ السرد الثقافي الافريقي فيما ظهرت وجوه ادبية جديدة واعدة بالكثير لتضاف لقائمة اصحاب الأقلام الراسخة في الابداع وان كان هذا العام قد شهد رحيل احد اعظم ادباء القارة السمراء وهو النيجيري تشينوا آتشيبي. ووسط حضور نيجيري وانثوي ظاهر بقوة فان النظرة العامة للمشهد الأدبي الأفريقي جنوب الصحراء في عام 2013 تكشف عن ابداعات جديرة بالتأمل والتذوق وبعضها جاءت كباكورة الابداع مثل المجموعة القصصية القصيرة: "السعادة مثل ماء" لشينلو اوكبارانتا وهي اول مجموعة لهذه القاصة النيجيرية الشابة وتتمحور حول التحديات التي تجابه نساء بلادها في الداخل والخارج. وهناك ايضا قصة "نحن بحاجة لأسماء جديدة" للكاتبة الزيمبابوية نوفيوليت بولايو التي حصلت عام 2011 على جائزة كاين وهي جائزة بوكر الافريقية عن قصتها "ضرب بودابست" كما اختارتها مجلة فوربس ضمن قائمتها عن عام 2013 لأقوى 20 امرأة شابة افريقية من حيث التأثير في القارة السمراء. وفي قصتها "نحن بحاجة لأسماء جديدة" تتناول نوفيوليت بولايو فكرة الحلم الجماعي والواقع بين ماهو كائن وماينبغي ان يكون والمثير للاهتمام انها تتناول هذه الفكرة في الواقع الأمريكي الذي عاينته وخبرته جيدا لتجد انه بعيد حتى الآن عن الحلم الموعود والمثال المأمول. ونوفيوليت بولايو التي تحمل لقب الزمالة لجامعة ستانفورد الأمريكية وصل عملها الابداعي الجديد "نحن بحاجة لأسماء جديدة" للقائمة القصيرة لجائزة المان بوكر لعام 2013 لتكون اول اديبة من افريقيا جنوب الصحراء يطرح اسم عمل لها ضمن القائمة القصيرة لهذه الجائزة الأدبية المرموقة عالميا والتي تختلف عن جائزة كاين المخصصة للأدب الافريقي المكتوب بالانجليزية. وكذلك "غانا لابد وان ترحل" وهو اول كتاب لتايي سيلاسي والتي لفتت الأنظار في الصحافة الثقافية الغربية من قبل بطرح كان عنوان "ياله من افريقي متحضر" فيما تشد الأنظار مجددا بهذا الكتاب كرواية تركز على تجربة الافريقي المهاجر المعذب بمشاعر الفقد والوجد والرحيل في مواجهة الحداثة الأمريكية. وبعد ان تصدرت اسماء شابات افريقيات المشهد الثقافي الابداعي لافريقيا جنوب الصحراء في عام 2013 هاهو النيجيري لوجني باريت يفرض نفسه على المشهد بمجموعته القصصية الثانية "الحب قوة او شييء مثل ذلك" وهي مجموعة تتركز اغلب قصصها القصيرة على الحب في نيجيريا المعاصرة. وفي "الحب قوة او شييء مثل ذلك" تنبض القصص بشخصيات مثيرة للتأمل مثل ضابط الشرطة الفاسد الذي يضرب زوجته بقسوة والشاب الذي يغوي الرجل على شبكة الانترنت منتحلا هوية امرأة. كما اثار الكونجولي الاين مابانكو اهتماما ثقافيا بقصته الجديدة "غدا سيكون عمري 20 عاما" وهي قصته الخامسة وصدرت اصلا بالفرنسية ثم ترجمت للانجليزية. تحكي القصة عن الصبي ميشيل الذي يعيش مع والديه في كونجو السبعينيات من القرن العشرين سارحا بخياله في مقاصد ووجهات الطائرات التي تحلق دوما فوق رأسه وهي على نحو ما استدعاء لطفولة مابانكو صاحب "ذيل الأفعى". وكان لكينيا حضورها في مشهد 2013 الثقافي الابداعي بقصة "ابناء سبأ" للكاتبة والصحفية ان كى ريد التي تعيش مابين نيروبي وسيدني فيما يعبق عملها الابداعي الجديد بالثقافة الافريقية وتوغل في تاريخها بحميمية وحب ورغبة لاتخفى في استعادة امجاد افريقية ونفض تراب الاهمال عن تاريخ القارة السمراء. وتعود نيجيريا مجددا للمشهد الثقافي الابداعي الافريقي في عام 2013بابداعاتها النسائية الشابة بقصة "اميريكانا" لشيماماندا نوجزي اديشي الموزعة بين نيجيريا وامريكا بين حبيبين جمعهما الحب منذ ميعة الصبا وفرقتهما الديكتاتورية حتى كتب لهما اللقاء من جديد فهل يعود الحب بعد كل هذا الشتات وركام التجارب المختلفة في حياة تلاطمت موجاتها العاتية كقدر محتوم؟!. واذا كانت الثقافة الافريقية قد فقدت هذا العام الروائي والشاعر النيجيري الكبير تشينوا آتشيبي فانه قد يحق التساؤل في هذا السياق عن عدد الكتب التي ترجمت للعربية سواء في مصر او بقية العالم العربي لهذا المبدع الافريقي الذي ولد عام 1930 وتنوعت اهتماماته مابين الرواية والشعر والنقد حتى بات من اعلام الأدب الأفريقي المعاصر الى جانب مواطنه صاحب نوبل وول سوينكا. ولن تنسى الذاكرة المصرية الموقف الرائع والشريف للروائي النيجيري وول سوينكا الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1986 عندما سعى للتطوع وحمل السلاح مع المصريين اثناء العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956. واللافت في سياسات مايعرف باسم القوى الصاعدة مثل البرازيل ذلك الاهتمام الكبير بالقارة الافريقية فيما شهد هذا العام اعلان الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف ان بلادها ستسقط او تعيد جدولة مايصل الى 900 مليون دولار من ديونها المستحقة على دول في القارة السمراء. وفيما ينظر لهذه الخطوة بوصفها محاولة لتعزيز الروابط الاقتصادية بين البرازيل التي اضحت سابع قوة اقتصادية في العالم وافريقيا تظهر احصاءات رسمية ان التجارة بين البرازيل ودول القارة الافريقية ازدادت خمسة اضعاف خلال العقد الأخير وتجاوزت 26 مليار دولار في عام 2012 . ولعل تعظيم الدور الثقافي لمصر في القارة السمراء يمكن ان يحل محل الدعم الاقتصادي في الظروف الراهنة بل قد يكون اكثر جدوى على المدى الطويل فيما يمكن لو صدقت النوايا وتوافرت الارادة اسناد هذا الدور الثقافي ببنية تعليمية مصرية يشارك فيها الأزهر بقوة في ربوع افريقيا. نعم حان الوقت لترجمة مقولات "القوة المصرية الناعمة" لخطط يجري تنفيذها على ارض الواقع بأفكار جديدة وبحيث يكون "البعد الثقافي" حاضرا بقوة فى الاستراتيجية المصرية الخاصة بالتعامل مع الدائرة الافريقية ومن منطلق المصالح المشتركة بين الأشقاء والأصدقاء. واذا كان من الصحيح ان علاقة مصر ببقية دول القارة السمراء ومن بينها دول حوض النيل لايجوز اختزالها في مسألة مياه النيل والحيلولة دون اي ممارسات ضارة بالحقوق المائية المصرية التي تشكل قضية حياة او موت للمصريين وان هذه العلاقة الأبدية لابد وان تكون شاملة وتعاونية وتكاملية وتحقق مصالح كل الأطراف بعدالة للجميع فان للثقافة المصرية دورها المأمول والكبير في سياق هذه النظرة الشاملة والبعيدة عن ثقافة الصراع. لافريقيا ان ترى في عيني مصر الثورة بداية عام نشوان بالأمل والعمل رغم جسامة التحديات..انها مصر التي اعطت بالحب وما استكفت..قلبها يتوهج حبا وحنانا وحنينا..قلب يبوح بالحب لكل الأفارقة ولن تغل اللحظة الصعبة يديها ولن تستجدي رشفة!.