«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نيجيريا من وجهة نظر كاتبيها الكبيرين
»أتشيبي«و»سونيكا« يقاومان مذكرات الألم والقلق
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 12 - 2012


تشينو أتشيبي كان هناك بلد!
نيجيريا لم تنكسر إلاّ مرة واحدة. هذه هي القصة كما تستدعيها ذاكرة عملاق الأدب الأفريقي. مذكرات جديدة تحوي مفاجآت في آراء تشينوا أتشيبي - 82 عاما - يحكي فيها عن تجربته أثناء تلك اللحظة التي كلّفت بلاده الكثير من أجل الانفصال، بعد سنوات من »التوحّد الزائف« الذي صنعه الاستعمار البريطاني حسبما يصف.
يسرد أتشيبي في كتاب »كان هناك بلد: قصة شخصية عن بيافرا« الصادر مؤخرا عن دار نشر »بنجوين بوكس« روايته الشخصية وتعليقاته علي الحرب الأهلية النيجيرية - استمرت من 16 يوليو 1967 حتي 13 يناير 1970 - وحصدت أرواح الملايين. يٌقدّم نقداً حادا للحياة السياسية لإفريقيا ما بعد الاستقلال ويأسف لحالة الاضطراب والانشطار العرقي والجغرافي، رواية شخصية تقاوم خطر النسيان.
في نظر صاحب »الأشياء تتداعي« فإن الاضطرابات في نيجيريا والانقسامات الإثنية والدينية الشديدة (يعيش بالبلاد ما يُقدّر بنحو 250 جماعة عرقية تتكلم بأكثر من 500 لغة) لم تفقدها وضعها باعتبارها الدولة الأفريقية الجاذبة أو »المغناطيسية« ! نيجيريا - كما يراها في مذكراته - هي »تكساس أفريقيا«: كبيرة ومزدحمة وصاخبة. إمكانياتها هائلة، ومواهبها غير مستغلّة. وأخيرا تعج بالصراعات القاتلة والثروات البترولية. لديها قدرة فريدة علي السخرية والتأمّل الذاتي بحكم العادة الثقافية وتكتيك البقاء الذي تمرّست عليه. باختصار »الوعي الحاد بمحيطك ضرورة لمن أراد أن يكون نيجيريا«. هذا إلي جانب التزام التفكير والحلم الكبير. هكذا يكتب أتشيبي.
السيادة«.
في هذه المذكرات يحن تشينوا أتشيبي إلي »إيبوويّته« إن جاز التعبير، وهو الذي صبغ التعليم الإنجليزي سنوات تكوينه في مدارس نيجيريا. أما نشر مذكراته فيتزامن مع تسلّمه حقيبة وزارة الاتصالات ببيافرا إلي جانب مهامه كمبعوث خاص ورئيس اللجنة المكلًفة بصياغة دستور البلاد.
»أنصار حركة بيافرا الانفصالية محبطون من الحكومة النيجيرية لكنهم لا يفقدون إيمانهم بأن بيافرا ممكنة« يكتب أتشيبي في ظل ممارسات يوميّة تعدم الدولة الوليدة فرص بقائها، ومسئولين في لاجوس يؤرّقهم الانفصال ويجاهدون للقضاء عليه بالقوة العسكرية.
بيافرا التي كانت يسأل محرر النيويورك تايمز: هل حقا يمكن اعتبار بيافرا »دولة« كما أراد ويريد أتشيبي في مذكراته؟ إن لجمهورية بيافرا الآن وزاراتها وآبار خاصة للنفط، وجيش، وعاصمة مؤقّتة غالباً ما يتم تغييرها من حين لآخر، ولها أيضا سيارات رسمية (يمتلك أتشيبي واحدة منها نظرا لعمله الدبلوماسي) ومطار شهير، إلا إنها مع كل هذا فهي كدولة لا تزال وليدة.
يكتب أتشيبي: »لأكثر من عامين من الوحشية ظلت حرب بيافرا أطفال بيافرا الجوعي أصحاب البطون المنتفخة رمزا للمعاناة الأفريقية، وكانت للوحاتهم الأثر في جهود الإغاثة الدولية. في تلك المذكرات نقف علي لمحات من هذه المأساة الإنسانية الهائلة عبر حكايات سارد أتشيبي.. يقول: »دأبت ملايين من المواطنين علي الهروب من منطقة الحرب، مستهدفين اللحاق بالطائرات الفيدرالية النيجيرية التي لاذت هي الأخري بالفرار. الرجال والنساء علي شفي الجنون بسبب حرب طاحنة ولا نهائية. كان مألوفا أن تري كثيرين يمشون في الطرقات بملابسهم الرثّة بلا هدف. بينما يقبع جنود الفيدرالية »الاتحادية« المتنكرين في زي شباب الزراعيين بمناجلهم في كمائن للقتل والتشويه في أقل من الثانية".
في المذكرات أو »سيرة الحرب« نلمح نوستالجيا شديدة لتلك اللحظة سريعة الزوال في ذاكرة النيجيريين الآن عندما ولدت بيافرا كثقافة وطنية مستقلة. يكتب: »لقد تولّدت روح جديدة في صفوف الشعب، روح لم يعرف لها مثيل في التصميم علي الوجود«. هذا الشعور وبعد نصف قرن يُعيد أتشيبي تذكره، ويستدعي ما سبق وسجّله في عمله الأكثر شهرة »الأشياء تتداعي«. إنها حكاية خرافية عن إعادة خلق أمّة مكتفية بذاتها كما يُعرٍف »أمازون« الرواية.
يشير الكاتب المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية والأستاذ بجامعة براون إلي تلك الفترة بالعصر الذهبي: »خلال سنوات الحرب الجميع تفكّك« وعلي الرغم من الصعوبات لم تخل الأحداث من إثارة وتشويق لا مثيل لهما. يستشهد بأحد خطابات أوجوكو الشهيرة التي قال فيها: »إنها محاولة للقبض علي معني النضال من أجل السيادة لبيافرا«.
تمجيد الاستعمار
احتفاء أتشيبي حائز البوكر بالتصميم البارع للألوان في علم الدولة الجديدة أو عُملتها الجديدة يتناقض مع الصور المؤرقة للمعاناة الناجمة عن الحرب والمجاعات والأجساد المتعفنة. لهذا يمكن اعتبار الحنين الذي يمارسه أتشيبي متنافر وفي غير محلّه في بعض الأحيان، بحسب قراءات بعض النقاد.
محاصرة بين إصرار أوجوكو وتدخل لاعبين دوليين. قُتل مئات الآلاف من المدنيين، وحوصر ما يقرب من ستة آلاف بالجوع حتي الموت. إلا أن أوجوكو رفض الاستسلام والتخلي عن حلمه. وما إن تحقق الحلم حتي قُدِر العدد النهائي للضحايا ما بين مليون وثلاثة ملايين شخص«.
كانت حرب بيافرا الصراع الأول في أفريقيا الذي يستحوذ علي اهتمام وسائل الإعلام الغربية، وأصبحت أيقونات الرسّامين عن لعبت كل هذه السمات القدرية دورها عندما أضحي كابوس ضعف الدولة القومية واقعاً في عام 1967. بعد سبع سنوات من الاستقلال »العام« اختارت قبيلة الإيبو المتمركزة شرق البلاد وجنوب شرقها والتي ظلت هدفا للاضطهاد والمذابح طيلة سنوات الحصول علي استقلالها »الخاص« بنفسها بقيادة الزعيم الكاريزمي أوجوكو الذي أطلق علي هذه الأمة الوليدة اسم »جمهورية بيافرا ذات
آخرون رأوا الحنين إلي الماضي نوعاً من أنواع التبرير أو التمجيد. حيث يمكن اعتبار التبرير أحد أفكار السيرة ومعاني ما بين السطور: »المرارة بسبب ما أصبحت نيجيريا عليه بعد الاستقلال عن بريطانيا في عام 1960« بحسب أحد تصريحات أتشيبي نفسه.
كان يقول: »كان هناك ما يكفي من المواهب، التعليم أيضا كان كافيا لجعل النيجيريين قادرين علي ترتيب شئونهم بشكل أكثر كفاءة وأكثر دقة وإن لم يكن بشكل مستقل تماما«. نيجيريا من وجهة نظره تمتلك كفاءات عظيمة عطّلتها ممارسات الفساد السياسي وانعدام الكفاءة السياسية وويلات الحرب: "كانت خيبة أمل كبيرة ومدمرة حقا لأولئك الذين عاصروا ما حدث مثلي«. ويضيف: »الاستقلال كان بمثابة فوز غير مضمون. هذه الهدية التي مُنحت لنيجيريا جلبت للبلاد سوء الحظ«.
الأسوأ من هذا جلبته الحرب الأهلية، يقول: »وَلّدَت حقبة جديدة من الانحطاط والتراجع الكبير لا تزال حتي يومنا هذا«. هكذا يرثي أتشيبي بلاده التي أصبحت »أضحوكة« علي حد وصفه. خيبة أمله تلك تحصّن اعتقاده بأن »بريطانيا شملت مستعمرتها في نيجيريا برعاية كبيرة« من أي ادعاءات بالتخوين. ومع ذلك حرص أتشيبي علي ألا يُفهم كلامه بأنه »تبرير الاستعمار«. هذا الرأي نسمعه عادة من نيجيريين مسنين ضاقوا بفوضي الحياة اليومية مثلما يبرر محرر ال»نيويورك تايمز«.
الحكم الذي يُطلقه أتشيبي علي نيجيريا المعاصرة مفرط في الحزن. فبجانب ما تطرحه المذكرات من مشاهد النفي والسجن والاعتقال والقتل، لم تفلت من أحكام أتشيبي القاسية والصريحة دوماً. قدّم من قبل في »مشكلة نيجيريا« 1983 تحليلا دقيق ل»الطريق الخطأ« الذي سلكته بلاده منذ الاستقلال، وانشغال زعمائها بأنفسهم عن تحقيق صالح الشعب النيجيري. وفي العادة، فإن أغلب ما يكتبه أتشيبي ينظر إلي الماضي بحسرة ويستهجن كل ما هو قائم: »الإمساك بإرث الإنسان الإفريقي في مواجهة الإحباط وأشكال القمع والرجعية الداخلية والخارجية«.

بين ما كان وبين القادم، تقف نيجيريا اليوم في مذكرات أتشيبي الموثقة بالأدلة الحيّة والشهادات والتقارير الصحفية علي صفيح ساخن. »مرجل يغلي« - التعبير لأمازون - بتناقضاتها والقدرة علي التدمير الذاتي الكامل، وفي نفس الوقت احتفاظها ب"الوعد" في طاقتها الهائلة ومواردها البشرية.
وول سوينكا.. تاريخ عاطفي لأفريقيا
نمي وعي وول سوينكا كمثقف من الجيل الفريد للكتّاب الأفارقة مع الأيام الأخيرة للاستعمار. شهد وعود الاستقلال وعاش الفشل في تحقيقها في الفترة التي يطلق عليها في الأدبيات الأفريقية »ما بعد الاستعمار«. بحكم اشتباكه مع الواقع، يفهم صاحب »المفسرون« بعمق المشاكل الملحّة في أفريقيا، يكتب المقالات اللاذعة هنا وهناك، وتتردد تصريحاته القوية الناقدة للقمع في كل مكان، دائما يتحدث من دون تردد. في هذا العمل الجديد يُقدّم سوينكا تحقيقا واسع النطاق في الثقافة الأفريقية، والدين، والتاريخ، والخيال، والهوية. يسعي لفهم كيفية فصل تاريخ القارة عن تاريخ المجاورين، ويستكشف الأصول الأصدق لأفريقيا: »إنسانيتها، قيمة ونوعية وجودها الخاص، وأساليب إدارة بيئتها الصعبة والغنية علي حد سواء«.
يستوعب وول سوينكا تماما في الكتاب وهو بعنوان »عن أفريقيا« القضايا الأكثر تحديا للقارة.بعض ممن قرأوا الكتاب علي المنتديات يرون أنه يرفض الانهزامية، بينما رأت صحيفة ال»نيويورك تايمز« في ملحق الكتب أنه من أكثر كتب سوينكا سوداوية.
هذا لا ينفي بلاغة صاحب نوبل العجوز في تحليل المشاكل الموروثة أغلبها من الماضي، يسأل أسئلة صعبة حول المواقف العنصرية، بين الأعراق والعنف الديني، ومحك بقاء الدول التي تضع الحدود مع الغرباء، والهوية الأفريقية والأفارقة المشردين، وأكثر من ذلك، إعادة اكتشاف سوينكا لأفريقيا في هذه المذكرات يعيد رسم القارة في خيال القارئ ويحدد خرائط جديدة للمسار نحو مستقبل السلام الأفريقي.
تحوي المذكرات الصادرة عن منشورات جامعة ييل تقييما نظريا وفكريا يجريه الأديب النيجيري لإفريقيا، سواء كما تتراءي في عيون ومخيّلة الغرب، أو كحيّز جغرافي وحقيقة ثقافية ماثلة علي الأرض، يعترف بضعف المساهمة الثقافية للقارة علي الصعيد العالمي رغم قدراتها البشرية الواعدة والإمكانيات الاقتصادية الهائلة.

سوينكا الذي نشر من قبل مذكراته عن سنوات الطفولة، عُرف مدافعا »عاطفيا« عن حقوق الإنسان. قضي في السجن (في الحبس المنفرد) سنتين إبان الحرب الأهلية في نهاية الستينات بتهمة التورط بمحادثات السلام، وبعد حوالي 30 عاما حكم عليه بالإعدام غيابيا كمعارض للجيل الأحدث من الدكتاتوريات العسكرية، بعد أن فرّ من نيجيريا علي متن »موتوسيكل«.
يلتزم بالحريات علي إطلاقها وفي أي مكان. هو أيضا عارض بشدة القمع السوفييتي في أوروبا الشرقية، وفي خطاب تسلّم جائزة نوبل عام 1986 انتقد التدخل الأمريكي في نيكاراجوا. وهاجم الادعاء بأن البلدان الآسيوية والإفريقية تحتاج إلي »مسودّة« خاصة بحقوق الإنسان غير تلك المتعارف عليها في الثقافة الغربية! كان أن انضم لبعثة تحقيق إلي دارفور رفضت الحكومة السودانية استقبالها والسماح لها بالدخول.
ومؤخرا كتب هو وزميلان إفريقيان له حازا أيضا علي نوبل هما نادين جورديمر وديزموند توتو، رسالة مفتوحة إلي رابطة دول الكومونولث تنتقد اقتراحها لديمقراطية جديدة وميثاق قانون يفتقر لتنفيذ الأحكام الجبرية.
ينظر وول سوينكا إلي مشاكل إفريقيا بقلبه. صحيح أن ندوب المجتمعات الإفريقية ترجع إلي تراث السادة والعبيد، لكن هذا لا يسمح لنا أن نتخيل عندما نقرأ كتاب سونيكا - من فرط سوداويته - أنه مع كل مشاكل ومتاعب القارة، فإن الانتخابات الديمقراطية اليوم أضحت واقعا حقيقيا أكثر مما كانت عليه الحال في جمهوريات وسط آسيا مثلا والتي كانت جزءا من الاتحاد السوفييتي.
كذلك فإن معدل نمو الاقتصاد في إفريقيا، ظل لما يزيد علي عقد ونصف أعلي بكثير مما هو في أوروبا. طبعا لا يزال يوجد ظلم مُشين لكنه لا يمنع تنامي الوعي بقضايا النهضة في القارة السمراء.
يكتب سوينكا الذي يبلغ 78 عاما كتابا عن الذكريات العامة والخاصة عن أفريقيا لكنه غامض وثقيل. الآن يلجأ سوينكا إلي ما عمد إلي الابتعاد عنه سابقا. فهو مثلا لم يذكر في كتبه السابقة كلمة »بيت« إذا كان بمقدوره أن يقول »بيئة« أو »سكن« بدلا منها، ولا يكتب وصف »أمّة« حين يفضل عنها »أبناء البلد الأصليين«. أو لا يستعمل »سائد« حين يجد سهلا استبدالها ب»مسيطر«.
هو غالبا يأنس للتجهيل في لفظة »هيمنة« عن التعريف والتخصيص في كلمة »المهيمن«.
الآن تمتلئ كل صفحة في هذا الكتاب بكل تلك العبارات. التعميمات والانتقادات العريضة سيدة الموقف في مذكرات سوينكا. يتوقع من القارئ أن يكون علي إطلاع كاف يسمح بأن يطرح الأمثلة المحددة من تلقاء نفسه علي أن تتطابق مع ما يدور في ذهن الكاتب نفسه.
من ذلك قوله: هل تتذكر بالضبط ماذا قال الرئيس أوباما في القاهرة عام 2009؟ من دون أن يجيب. غالبا يلزم قراءة فقرات الكتاب لمرتين أو ثلاث لكي تفهم ماذا تعني بالضبط، علي سبيل المثال عندما يتحدث عن الإيمان في اللاهوت المسيحي.
اللغة مرهقة ومتوترة في هذا الكتاب، وتعكس - علي ما يبدو - صراعا نفسيا داخل مؤلفه. لا ينفي ذلك ويقول عن كتابه: »يأخذ من الواقع ويُكرّر بعض الشائعات المهينة والإزدراء التي نسمعها عن أبناء إفريقيا طوال سنوات. هناك مشكلة في هذه الشعوب..
انظر لما يحصل، انظر لمقدار الفساد، قارن كل هذا مع جزء ولو ضئيل من مصادر إفريقيا الطبيعية«.
ينقل في مذكراته التي تبتعد في كثير من الأحيان عن الخاص - الشعور بالأسي لأنه علي حد وصفه من "النخبة المستثناة من دائرة الرعب والفظاعات والاستبعاد والاستعباد«.
من هنا يفسر صاحب نوبل استعداده للدفاع عن إفريقيا أمام »نوايا العالم الخبيثة« دون التخلي في نفس الوقت عن ما يسمي ب»قوة الاعتراف ومواجهة الحقائق المؤلمة«، ومنها مقطع يرد بالكتاب: »حصلت أفريقيا علي حصة الأسد من الجريمة والعنف العالمي، فضلا عن ظاهرة الجنود الصغار أحفاد الطغاة الشرسين، والتطهير العرقي والإبادة الجماعية« وأوضاع أخري أكثر سوءاً مما جري في نيجيريا ذاتها مسقط رأسه.
هذا هو »صراع المشاعر« في كتاب وول سوينكا الجديد. يفرد صفحات عديدة لما أسماه »الندوب العميقة في تاريخ إفريقيا« وتجارب الآلام من مشكلة تجارة الرقيق ثم الاستعمار الأوروبي إلي الحرب الأهلية. باختصار يُقدّم سونيكا رؤية قاتمة للقارة السوداء.
فكيف نقول إنه يدافع عنها من النقد الجارح؟ لكن لا يمكن إغفال ما يذكره بشأن »الروحانية والتسامح الأفريقي« وذلك عندما يقارن الأديان الأفريقية »المتكيّفة« مع ما أسماه »التبشير المسيحي الإسلامي«: الحملات الصليبية والجهاد والفتاوي ومحاكم التفتيش.
يكتب : »الروحانية الإفريقية ذات جاذبية والكُهّان في إفريقيا ليسوا مخلوقات غير واقعية". مرة أخري بدون طرح أمثلة حيّةَ !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.