أسعار السمك في أسوان اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025    أسعار الأعلاف في أسوان اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025    زيلينسكي يصل إلى الولايات المتحدة استعدادا لمحادثات مع ترامب    الدفاع العراقية: 6 طائرات جديدة فرنسية الصنع ستصل قريبا لتعزيز القوة الجوية    رئيس الحكومة العراقية: لم يعد هناك أي مبرر لوجود قوات أجنبية في بلادنا    طقس أسوان اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025    محمد معيط: العجز في الموازنة 1.5 تريليون جنيه.. وأنا مضطر علشان البلد تفضل ماشية استلف هذا المبلغ    نيللي كريم وداليا مصطفى تسيطران على جوجل: شائعات ونجاحات تُشعل الجدل    أبرزهم أحمد حاتم وحسين فهمي.. نجوم الفن في العرض الخاص لفيلم الملحد    أمطار ورياح قوية... «الأرصاد» تدعو المواطنين للحذر في هذه المحافظات    حزب "المصريين": بيان الخارجية الرافض للاعتراف بما يسمى "أرض الصومال" جرس إنذار لمحاولات العبث بجغرافيا المنطقة    بحضور وزير الثقافة.. أداء متميز من أوركسترا براعم الكونسرفتوار خلال مشاركتها في مهرجان «كريسماس بالعربي»    لجنة بالشيوخ تفتح اليوم ملف مشكلات الإسكان الاجتماعي والمتوسط    عمر فاروق الفيشاوي عن أنفعال شقيقه أثناء العزاء: تطفل بسبب التريندات والكل عاوز اللقطة    فيديو جراف| تسعة أفلام صنعت «فيلسوف السينما».. وداعًا «داود عبد السيد»    محمد معيط: أسعار السلع كانت تتغير في اليوم 3 مرات في اليوم.. ومارس المقبل المواطن سيشعر بالتحسن    أسبوع حافل بالإنجازات| السياحة والآثار تواصل تعزيز الحضور المصري عالميًا    انتخابات النواب| محافظ أسيوط: انتهاء اليوم الأول من جولة الإعادة بالدائرة الثالثة    «الداخلية» تكشف مفاجأة مدوية بشأن الادعاء باختطاف «أفريقي»    ما بين طموح الفرعون ورغبة العميد، موقف محمد صلاح من مباراة منتخب مصر أمام أنجولا    واتكينز بعدما سجل ثنائية في تشيلسي: لم ألعب بأفضل شكل    أمم إفريقيا - لوكمان: تونس لا تستحق ركلة الجزاء.. ومساهماتي بفضل الفريق    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    أحمد سامى: كان هيجيلى القلب لو استمريت فى تدريب الاتحاد    لافروف: نظام زيلينسكي لا يبدي أي استعداد لمفاوضات بناءة    هل فرط جمال عبد الناصر في السودان؟.. عبد الحليم قنديل يُجيب    2025 عام السقوط الكبير.. كيف تفككت "إمبراطورية الظل" للإخوان المسلمين؟    حادثان متتاليان بالجيزة والصحراوي.. مصرع شخص وإصابة 7 آخرين وتعطّل مؤقت للحركة المرورية    لافروف: أوروبا تستعد بشكل علني للحرب مع روسيا    نوفوستي تفيد بتأخير أكثر من 270 رحلة جوية في مطاري فنوكوفو وشيريميتيفو بموسكو    ناقد رياضي: الروح القتالية سر فوز مصر على جنوب أفريقيا    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميل روبير الفارس لحصوله علي جائزة التفوق الصحفي فرع الصحافة الثقافية    مها الصغير تتصدر التريند بعد حكم حبسها شهرًا وتغريمها 10 آلاف جنيهًا    آسر ياسين ودينا الشربيني على موعد مع مفاجآت رمضان في "اتنين غيرنا"    «زاهي حواس» يحسم الجدل حول وجود «وادي الملوك الثاني»    بعد القلب، اكتشاف مذهل لتأثير القهوة والشاي على الجهاز التنفسي    المحامي ياسر حسن يكشف تطورات جديدة في قضية سرقة نوال الدجوي    عمرو أديب يتحدث عن حياته الشخصية بعد انفصاله عن لميس ويسأل خبيرة تاروت: أنا معمولي سحر ولا لأ (فيديو)    حمو بيكا خارج محبسه.. أول صور بعد الإفراج عنه ونهاية أزمة السلاح الأبيض    كيف يؤثر التمر على الهضم والسكر ؟    وزير الصحة يكرم مسئولة الملف الصحي ب"فيتو" خلال احتفالية يوم الوفاء بأبطال الصحة    رابطة تجار السيارات عن إغلاق معارض بمدينة نصر: رئيس الحي خد دور البطولة وشمّع المرخص وغير المرخص    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهم في واقعة أطفال اللبيني    أخبار × 24 ساعة.. التموين: تخفيض زمن أداء الخدمة بالمكاتب بعد التحول الرقمى    محافظ قنا يوقف تنفيذ قرار إزالة ويُحيل المتورطين للنيابة الإدارية    الإفتاء توضح حكم التعويض عند الخطأ الطبي    القوات الروسية ترفع العلم الروسي فوق دميتروف في دونيتسك الشعبية    سيف زاهر: هناك عقوبات مالية كبيرة على لاعبى الأهلى عقب توديع كأس مصر    طه إسماعيل: هناك لاعبون انتهت صلاحيتهم فى الأهلى وعفا عليهم الزمن    المكسرات.. كنز غذائي لصحة أفضل    أخبار مصر اليوم: انتظام التصويت باليوم الأول لجولة الإعادة دون مخالفات مؤثرة، تطوير 1255 مشروعًا خلال 10 سنوات، الذهب مرشح لتجاوز 5 آلاف دولار للأوقية في 2026    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإرهاب وتلوث الهوية المصرية "12"
نشر في البوابة يوم 23 - 02 - 2018

لم تكن أفكار الاتجاهين المتعصبين للموروث العقدى أو للفكر العلمانى الأوروبى من أهم ملوثات الهوية المصرية فحسب، بل كانت هناك وما زالت مؤثرات أخرى لا تقل أثرًا أو خطرًا عن سابقتها: - فإذا كانت أفكار الجماعات الإسلامية المتشددة - التى قادت شبيبتنا إلى العنف انتصارًا للفهم الجانح والتأويلات الجاهلة بحقيقة الشرع ومقاصده - والأفكار العلمانية التى روجت لها مئات الكتابات والأحاديث - وذلك لتزييف الرأى العام التابع لا سيما للشباب المنبهر بتقدم الغرب واليائس من نهوض مصر بخاصة والشرق بعامة والرافض لسلوك المتأسلمين وخطابهم الدعوى المتهافت عقليًا وعلميًا والمنفصل تمامًا عن نبض الحياة فعملت على نشر الفوضى بينهم وغرست فيهم جراثيم الشك والإلحاد - قد نجحت فى انقسام العقل الجمعى وشتتت ولاءه – بعد انسحاق الطبقة الوسطى المستنيرة - إلى فريقين متناحرين!
فإن فساد المؤسسات الحكومية - بما فى ذلك التعليم والثقافة والإعلام - قد لعبت دورًا أكثر خطورة وأقوى أثرًا فى بنية الهوية المصرية. فالفقر والعوذ وتفشى الأوبئة وغيبة الرعاية الصحية والاجتماعية ولاسيما فى الطبقات الدنيا، واتساع الهوة بين الطبقات، قد دفعت شبيبة المعوزين إلى الجنوح بكل أشكاله بداية من انحطاط الأخلاق، ومرورًا بممارسة العنف فى الجريمة المنظمة وتعاطى المخدرات وانتهاءً بجحد مشخصات الهوية وعقيدة الولاء للأرض والانتماء للعائلة. أجل إن انحطاط مستوى التعليم فى كل مراحله قد حرم خريجى المدارس والجامعات من إيجاد فرصة عمل فى الداخل أو الخارج (تلقين، معارف بلا مقاصد، مدارس فنية بلا خبرات وكليات ومعاهد بلا تخطيط، وزراء بلا رؤية، حكومات بلا صلاحيات واستراتيجيات)، وذلك على العكس تمامًا من سياسة القادة المستنيرين فى فجر النهضة المصرية الذين كانوا يخططون وينفذون ويعدلون ويطورون فى عمل متواصل اختفت فيه الأنانية والتبعية والانتهازية وعلت فيه الرؤى العلمية الإصلاحية والمصالح العامة المدروسة. ناهيك عن غيبة المقررات الدراسية التى كانت تعمل على تربية النشء خلقيًا ووجدانيًا وتربويًا وسياسيًا (التربية الدينية - الأخلاق العملية - التربية الوطنية والتربية القومية - الأنشطة الفنية) فقد أضحى جميعها من المدركات المهمشة التى لا تخلو من الإهمال الخلل والعوج. وقد حاق هذا التردى والانحطاط بمنابرنا الثقافية (صحف إخبارية، أقلام مرتعشة، أبواق مزيفة للوعى وتابعة للجالسين على الكراسى الحكومية أو رجال المال الذين يملكون الثروة والعطايا) وقد أدى ذلك إلى تعملق الأقزام وانزواء المبدعين وتزييف الوعى وخضوع الكتاب والمفكرين - من بقايا الطبقة الوسطى - إلى من يدفع الثمن، فلم تعد برامجنا الإذاعية والتليفزيونية وأفلامنا ومسرحياتنا قنوات فياضة ناعمة للتربية والتثقيف والتنوير، الأمر الذى دفع الشباب للعزوف عنها إلى غيرها من الثقافات المغايرة لهويتنا ومشخصاتنا. وباتت آدابنا الشعبية (الأغنية، الموال، الملحمة، الحدوتة، الحكاية، النكتة) لا تمثلنا ولا تعكس أوجاعنا وطموحاتنا بل جاءت مصطبغة بصبغة الثقافة العفنة السائدة فبدت فى أثواب قذرة كلمات مريضة وألحان لا صنعة ولا فن فيها وأصوات أقرب إلى الرقاعة والبهيمية منها إلى العذوبة والحلاوة والجمال، وحكايات وقصص مهجنة سفاحًا لا جدة ولا طرافة فيها من فرط التقليد ونكات إباحية لا نقد فيها يقوم المعوج ولا سخرية تنذر بالخطر المتحدق بنا. أما القنوات الإعلامية فحدث ولا حرج لا سيما بعد الخصخصة والانفتاح على العالم دون تحفظ أو تطعيم الرأى العام بأمصال تقيه خبائث أجوائه. ومن المؤسف أن الحكومات المتتالية بداية من فترة السبعينات إلى الآن - لا سيما بعد الانتقال المفاجئ من الاشتراكية الناصرية غير المدروسة إلى نفايات الليبرالية ووحشية الرأسمالية - لم تحاول وضع خطة لمعالجة ذلك التلوث الذى أوشك أن يصبح وباء، بل على العكس من ذلك تمامًا إذ ساعدت السياسات العشوائية للحكومات المتتالية على انتقال الواقع السيئ إلى الأسوأ، فأضحى الشارع المصرى شاغلًا بالسفالة والجهالة والانحطاط والصراع والاغتراب واليأس والتطاول والتبجح والتطرف بكل أشكاله والانحلال بكل مظاهره. وإليك بعض الأمثلة:
- قانون الإسكان الذى تحطمت على نصوصه العديد من القيم والمشخصات وعلى رأسها الولاء للمكان والألفة بين العشيرة فى الحى والتعاون والتآزر والحمية والشهامة والآداب العامة بين الجيران، فبات شعار (الولاء الأوحد للمال) ومن أراد العيش يجب أن يعمل لامتلاء جيوبه دون تحفظ على الوسيلة (اللذة القريبة والمضمونة هى الحقيقة التى يمكن التأكد من وجودها، أما الفضائل فمشكوك فى صحتها وقائليها والثواب عليها فى غد مجهول).
- وإليك أيضًا: غياب المدارس العسكرية وانسحابها من مشهد التعليم وإهمال نظام التجنيد وتسريح الشباب، وإهمال تحديث المعايير للالتحاق بكليات الحقوق، والسياسة والاقتصاد، والإعلام، والتربية، والآداب، وقد هُدمت بذلك البوتقة، التى كانت تلفظ رجالات النهضة والمسئول الأول عن صناعة الطبقة الوسطى والضامن الأقوى لعقيدة الولاء والانتماء والتضحية والإخلاص من أجل مصر.
- ناهيك عن غيبة الرقابة على المصنفات الفنية التى كان يقودها الأحرار من المستنيرين والأيقاظ الواعون بمصلحة البلاد، وذلك تحت شعار أجوف هو حرية الإبداع، الأمر الذى كان وراء ما يمكن أن نطلق عليه مخلفات الفكر وجيف الابتداع ومرايا القبح فى جل أعمالنا التى لا يمكن وصفها بأنها فنية لأنها شاغرة تمامًا من مواطن الأصالة والابداع.
أجل تلك كانت أهم ملوثات الهوية المصرية ومظاهرها وعللها المباشرة وغير المباشرة، تلك التى لا يمكن فصلها عن البيئة والأوضاع الاجتماعية السياسية والعلمية والاقتصادية، فمن الخطأ الاعتقاد بأن التطرف والجنوح والجموح عن مشخصات الهوية هو العلة الحقيقية لما نحن فيه من تلوث أوشك أن يصيب هويتنا فى مقتل بل إن ذلك كله هو مظهر ورد فعل مباشر لغيبة الطبقة الوسطى التى أشرنا إليها وبيّنا رسالتها ومسئوليتها ودورها فى تربية الرأى العام وتوجيه العقل الجمعى والحفاظ على مشخصات الهوية الثقافية والاجتماعية المصرية. وأخيرًا لا أقول إن هناك للحديث بقية، بل أنتظر - من الذين لم يقتلهم اليأس ولم يثبطهم الفساد المتفشي، ولم يقعدهم عدم إصغاء الجمهور إلى تحذيرهم وندائهم ودعوتهم لإعادة البناء - أجل أنتظر من يلبى دعوتى منهم لفعل ما يقدر عليه لاسترداد وتعافى هويتنا المريضة وإنقاذها مما حاق بها من ملوثات تستشرى لقتلها ولكن هيهات! فإذا لم يفعل من نطلب منهم العون فسوف يأتى يوم تستيقظ فيه العقول وتتطهر فيه الأنفس وترتقى فيه الأذواق وتخلص فيه النوايا وتنبض فيه القلوب بحب مصر التى لن تموت أبدًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.