ممر ضيق، لا يتعدى الأمتار الثلاثة، يأخذك إلى منزل عتيق بأحد الشوارع الخلفية بمنطقة فيصل، فى الدور الأرضى أربعة أبواب حديدية تفتح يوميا مع شروق الشمس، لتظن أنها أحد محلات البقالة أو محلات الملابس، حتى تقترب منها، لتكتشف أنها بالفعل تلبى احتياجات الناس، ولكن من نوع آخر، وهم طالبو العلم وعاشقو التراث الورقى. يجلس بين جبال الكتب والمجلات والجرائد الورقية يروى أحداث الماضى بدقة واستفاضة، أخبار فنية وسياسية، يرى التاريخ يوميا يمر أمام عينيه من أقلام مصطفى أمين، وبشارة تقلا، يتحسر أحيانا، ولكنه غرام من نوع آخشر، يجلس بين الصحف التى بلغ عمرها عقودا من الزمن تتجاوز أعمار بعض الدول، يبحث فى ذكرى اليوم من 50 عاما. يقلب فى أوراق الصحف، بالأمس كنا أرباب القلم، لا يكتب الصحفى، إلا ليمتع القارئ بقلمه، وقتها كانت المهنة للعظماء أصحاب العقول والفكر، رحل عظماء المهنة، فجمع ما تبقى لهم من تراث يحفظه بين جدران مخزنه. هنا على غلاف إحدى المجلات صورة للراحلة سعاد حسنى، وبالصفحة الأولى بإحدى الجرائد مانشيت «الجيش يقود الثورة»، وآخر «محاكمة قتلة السادات». يقول محمد صادق، صاحب العقود الأربعة من الزمن، مهنتى «أرشفجى» أو «وراق» أى جامع لكل الجرائد والأوراق والمخطوطات القديمة، وهى مهنة توارثتها أبا عن جد، وبدأت العمل بها منذ كان عمرى عشر سنوات، وعشقتها من اليوم الأول، لأننى أعتبر ما أقوم به رسالة، وهى توصيل العلم إلى طلابه، مثل طلاب الماجستير، والدكتوراه، وغيرهم من محبى وجامعى التراث الورقى. وتابع، أملك أربعة مخازن تروى تاريخ مصر، حيث أصول عشرات الجرائد والمجلات القديمة التى تعود تاريخها إلى 1920 بداية من عهد الملك فاروق، مرورا بكل فترات حكم رؤساء الجمهورية، والأحداث التى دارت فى كل فترة، كتنحى جمال عبدالناصر، واغتيال محمد أنور السادات، وشرارة ثورة 23 يوليو. وعن أحلامه يقول ل«البوابة»، أتمنى من الدولة الاهتمام بالتاريخ القديم للصحافة، لأنها بمثابة وثائق تروى أحداث الماضى، وإنجازات مصر فى جميع المجالات الفنية والسياسية والاجتماعية، واستخدام هذا الأرشيف الضخم فى إقامة معارض مختلفة.