تناولت مساجد أسيوط، في خطبة اليوم الجمعة، موضوع "نعمة الماء وضرورة المحافظة عليها وترشيد استخدامها"، حسبما عممتها وزارة الأوقاف. وجاء نص الخطبة كالتالي: "من أجّل نعم الله عز وجل على خلقه، وأعظمها قدرا، نعمة الماء، فهو أصل الحياة، وأساس الحضارة والرقي، ومن أهم مصادر الرخاء وأصل النماء وسبب البقاء، وقد جاءت النصوص الشرعية تقرر أن الماء أصل الحياة، ومصدر الإحياء". "فالماء أغلى ما تمتلكه الإنسانية، به حياة الأرواح، وطهارة الأبدان، قال تعالى: "وأنزلنا من السماء ماء طهورا"، وهو رزق يسوقه الله عز وجل لخلقه ينزله على من يشاء، ويصرفه عمن يشاء بقدرته، وقال تعالى: "أفرأيتم الماء الذي تشربون، أأنتم أنزلتموه"، وقال تعالى: " هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب"، وقال تعالى: "وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج"، وكثيرا ما يذكرنا رب العزة سبحانه بنعمتي الماء والطعام ويجمع بينهما". "ومما يشعرنا بأهمية وقدر هذه النعمة اهتمام القرآن الكريم بالحديث عنها، فقد تحدث القرآن الكريم على لسان فرعون وهو يتباهى باتساع وعظمة ملكه". "ومن صور المحافظة على الماء، ترشيد استهلاكه، وعدم الإسراف، حتى وإن كان ذلك في ممارسة العبادات والطاعات، فالمسرفون يكرههم الله تعالى فهم مبعدون من رحمة الله ورضوانه، محرومون من نوره وهدايته، وشدد النبي في النهي عن الإسراف في استخدام الماء واعتبره تعديا وظلما، فهذا الصحابي الذي جاء إلى النبي ليتعلم منه الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا، ثم قال: "هذا الوضوء، فمن زاد على هذا، فقد أساء، أو تعدى، أو ظلم"، فجعل النبي الزيادة على قدر الحاجة ظلما وإساءة في استعمال النعم التي أنعم الله تعالى بها علينا، والإسراف في استخدام الماء تعد على حق الآخرين، ولم لا؟ والإسراف في الماء صورة من صور الفساد وإهلاك الحرث والنسل". "ومن صور المحافظة على الماء، الحرص على الاستفادة منه مهما كان قليلا، فقد كان النبي ربما يغتسل أو يتوضأ مع بعض نسائه في إناء واحد، فعلينا أن نقتدي برسول الله ونحرص على الاستفادة من الماء بكل قطرة منه، وعدم تلويثه، أو الاعتداء على مصابه ومصادره ومجاريه التي يعد الاعتداء عليها اعتداء على حق المجتمع كله، وتضييعا لمصلحة معتبرة بما يتنافى مع قيمة هذه النعمة، فالماء الذي نهدره سيحاسبنا لله على كل نقطة منه". "ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الأمثلة وهو يعلمنا قيمة الماء وضرورة المحافظة عليه، وعدم الإسراف في استخدامه، حيث كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد – والمد ملء كفي الرجل المتوسط-، ويغتسل بالصاع –أربعة أمداد إلى خمسة -، وإنما كان القدر القليل يكفي النبي لوضوئه أو اغتساله من شدة حرصه على الماء، فالماء الذي ساقه الله عز وجل إلينا بقدر محدود، ونظام محكم، يجب أن يستخدم بحذر، ليحيا به الإنسان، والحيوان، والطير، والنبات، والإسلام ينظر إلى نعمة الماء بوصفها ثروة قومية وإنسانية، لكل الناس حق فيها فلا يحرم منها أحد، ومن ثم حرص سلفنا الصالح على الماء حرصا شديدا، كما حرصوا على بقائه طاهرا حتى يتمكنوا من شربه والتطهر به في صلاتهم وسائر عباداتهم التي تحتاج إلى طهارة". "والمجتمع المصري منذ نشأته تقوم عقيدته على احترام نعمة نهر النيل، وتقوم ثقافة أبنائه منذ القدم على الحرص على نهر النيل وعدم تلويثه، واعتبار تلويثه جريمة من الجرائم الكبرى، وقد كان المصري القديم يكتب من ضمن وصاياه في نهاية حياته أنه لم يفعل كذا وكذا من الجرائم، وأنه لم يلوث ماء النهر، وكأنه يقترب إلى الله بهذه الفضيلة، وابتعاده عن تلك الجريمة النكراء، جريمة تلويث مياه النهر". "فهذه ثقافة المصريين منذ القدم، وعقيدتهم منذ الأول في احترام مياه النهر، والحفاظ على المياه، وعدم تلويثها، وهو ما أكدت عليه شريعتنا الغراء". "ولقد اعتبر الإسلام الماء ثروة يمكن التصدق بها كالمال، وأوجب على كل الناس المحافظة عليها، فحينها أراد اليهود أن يحتكروا ماء المدينة بشراء بئر رومة، قال النبي: "من يشترى بئر رومة، فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين".