ثلاثة أسابيع هى مدة البحث عن إمكانية الوصول «لمزور»، سألنا بعض سماسرة «إنهاء الأوراق والإجراءات» وأصحاب «نصبات الشاي» حول مكاتب الشهر العقارى والمحاكم، تنصل أغلبهم من معرفة أشخاص كهؤلاء، إلا بعد تردد عدة مرات على الأماكن ذاتها، استطعت أن أقنع أحدهم بتوسلات شديدة برغبتى فى عمل توكيل لبيع قطعة أرض لعلاج والدى المريض، فاتصل بأحد المزورين، وقال، إنه سيحدد المكان والموعد ويتصل بي، ثم أخذ رقم هاتفى ولم يعطنى رقمه. انتظرته عدة أيام حتى اتصل ليحدد الموعد والمكان، وفوجئت به فى آخر لحظات يغير وجهتنا من وسط البلد إلى أحد مقاهى السيدة زينب، بواحدة من الحارات القديمة التى وضع الزمن عليها بصمته بشروخ هنا وهناك، وما زالت صامدة، وأثناء سيرى شعرت بوقع خطوات منتظمة خلفى تشى لى بأننى قد أكون مراقبة، ولكنى أكملت سيرى دون أن ألتفت إلى الوراء. المقهى أقرب إلى دكان صغير، بضعة كراسى متهالكة متراصة بشكل عشوائى فى المكان، وطاولات خشبية معدودة يلتف حولها عدد قليل من الرجال هيئتهم متواضعة، تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والخمسين، وصوت قرع حبات الطاولة يخفت مع ارتفاع أصوات ضحكاتهم المريبة، لتتصادم فى سمعى مع الرؤية الضبابية التى خلفتها بعينى أدخنة السجائر وأحجار الشيشة وهى تتراص واحدا تلو الآخر دون ملل من القهوجى الستينى الذى تترنح خطواته بساق بها عرج طفيف. تسللت خارجة من المكان بدقات قلب متسارعة وأنفاس مكتومة وقررت انتظاره على الجهة المقابلة للمقهى لحين وصوله وأنا لا أعرف من سيقابلني، راقبت الطريق بتوجس قرابة النصف ساعة، اعتقدت أننى سأرى رجلا فى الأربعينات، إلا أننى وجدت شابا فى منتصف العشرينات متأنقا فى ملبسه وتفوح منه رائحة عطر شذية، عرفنى بنفسه هامسا «محمود»، بعد ان أقترب مني، ولم أعرف كيف ميزنى، مما زاد قلقي، لكنى رجحت معرفته لى من خلال الوسيط. جلسنا على طاولة بركن المقهى وبنظرات ترقب وكلمات محسوبة تحدث بحرص، وبدت عليه علامات الشك والريبة مني، أخبرته بأن جدى يمتلك قطعة أرض مساحتها 8 قراريط فى مركز طوخ ببنها، وقد باع لوالدى نصفها بتوكيل فى شهر عقارى شبرا الخيمة، وبعد وفاته أرادت عمتى وعمى تقسيم الأرض كاملة دون أن يأخذ والدى حصته المبيعة له مسبقا، وقد ضاع التوكيل أثناء نقلنا من منزل العائلة لشقة جديدة بسبب المشكلات الناشبة، ولم نجد أصل التوكيل فى الشهر العقاري، فنريد أن نزور توكيلًا لنبيع الأرض لعلاج والدى المريض. صمت قليلا ورد بكلمات مقتضبة لا مشكلة، كتبت له بيانات الأرض، وسألنى عن المنطقة التى أريد استخراج توكيل منها، فقلت له مكتب شبرا الخيمة، فتركنى وخرج من المقهى فازداد خوفى من أن يكون فُضح أمري، عاد ليقول أنه أجرى اتصالا هاتفيا بوسيط فى شبرا يعرف شخصا فى الشهر العقارى سيختم التوكيل بأختام أصلية، ولكنه لن يُسجل فى دفاتر المكتب. طلب خمسة آلاف جنيه، لكنى تحججت بأن المبلغ كبير، وأريده أن يقلد الأختام ويقلل المبلغ، وبعد محاولات مضنية وافق على هذا الحل مقابل ألفى جنيه، فوافقت ووعدته بإرسال صور بطاقات الرقم القومى ليكمل المهمة خلال أسبوع. وبعد اطمئنانه لى بأننى جادة فى تزوير التوكيل، تبادلنا أطراف الحديث عن هوايتنا فى الرسم، وبدأت فى خلق اهتمام مشترك عن طُرق الرسم المختلفة وتقليد الأختام وهوس البعض بها، بعدها حكى عن أول مرة يلجأ فيها للتزوير، بمشكلة صديقه المقرب الذى ضاقت به الدنيا حين أحب فتاة وعلم برفض أسرتها تزويجها لذى تعليم متوسط، فقرر أن يساعده بتزوير شهادة تخرج له واستغلال موهبته فى الرسم لإنقاذه من مأزقه. أما المرة الثانية زور فيها شهادة لأحد أصدقائه لتبرئته فى جنحة، وقد جاء بشهادة أصلية وأخذها سكانر وبدأ بتغيير الحروف من خلال الفوتوشوب. بشغف تحدث عن الحيل التى يتبعها للتزوير، فيأتى بنموذج توكيل من الشهر العقارى ويملأ فيه البيانات التى يريدها ويضع عليها الأختام بطرق مختلفة، أما الطريقة الأخرى هى شراء نوع محدد من الصلصال، ثم بأقلام مخصوصة يحفر عليه الختم الذى يريد تقليده ويضع عليه الحبر ويختم به الورقة المراد تزويرها، أيضا التلاعب بالأختام على الفوتوشوب يوضح كيفية تزوير وثيقة من خلال الفوتوشوب، فيأخذ صورة اسكانر من توكيلات اصلية ثم يفرغ الكلمات المكتوبة بخط الموظف المختص إلى أحرف وتكوين كلمات جديدة منها ليخرج فى النهاية بتوصيل جديد لوكن مزور بنفس خط الموظف ولكن بكلمات مختلفة أو تمرير بيضة مسلوقة أو بطاطس ساخنة على الختم الأصلى، طرق أخرى للتزوير وثقناها على لسان المزور، فيُطبع الحبر على البيضة ثم يطبعها على الورقة الأخرى وهذه الطرق أكدها أيضا خبير التزيف والتزوير فى الطب الشرعي. ويستغل المزورون أسماء الموثقين بالمكاتب على التوكيلات، فقد أنقذت العناية الإلهية «صابر» اسم مستعار موثق بالعاشر من رمضان، من الوقوع فى شبهة تزوير حيث جاءه شخص ومعه توكيل لسيارة، يقول إنه اشتراها حديثا، ويريد استخراج صورة طبق الأصل من التوكيل المُحفوظ برقم 2897 لسنة 2017، ولكن بالصدفة اكتشف الموثق تزوير التوكيل بسبب وجود إمضاء مزور باسمه عليه، وحرر محضرا برقم 3640 إدارى أول العاشر. كارثة تهريب الأختام التقليدية حلها الاستعانة بالإلكترونية الموثقة بديلاً لها باليوم والساعة كدول الخليج بحسب الباحث إبراهيم زيدان.