تسعى السلطات الفرنسية باستقبالها مجموعة أولى من 19 لاجئاً أفريقياً اختيروا في تشاد، إلى الكشف عن توجهاتها الجديدة في موضوع الهجرة التي تشمل استقبالاً انتقائياً للاجئين من جهة، وسياسة طرد "صارمة" للمهاجرين غير الشرعيين، من جهة ثانية. وأثار التشديد رد فعل رافضاً لدى عدد من منظمات وناشطي اليسار مع تحذير المدافعين عن حقوق الإنسان من خطر "الفرز" في مراكز الإيواء التي تريد الحكومة إجراء مسح للمقيمين فيها. ووصل جمال، البقال السابق من أفريقيا الوسطى، صباح الإثنين، إلى فرنسا مع زوجته كوربا وأبنائهما الأربعة. وقال: "أمضيت 4 سنوات في مخيم" للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في نجامينا: "كنا حوالى ألف شخص هناك". وجمال ضمن مجموعة أولى تعد 19 شخصاً أغلبهم من السودان اختارتهم فرنسا في تشاد، ستليها مجموعات أخرى في إطار الآلية الجديدة التي ستؤدي إلى استقبال 3000 لاجئ أفريقي حتى نهاية 2019. وفيما تؤكد السلطات الفرنسية أن الهدف يكمن في "منع تعريض أفراد حياتهم للخطر عبر ركوب البحر انطلاقاً من ليبيا"، فإنها أيضاً لا تخفي رغبتها في ضبط شديد الصرامة لتدفق الهجرة. وكرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخيراً أن "الجمهورية الفرنسية تأسست على عادات الاستقبال وتوفير الملاذ، وأنا متمسك بهذا الأمر في العمق"، مضيفاً في المقابل: "إلا أنني أرغب في أن نُرحل بشكل صارم الذين لا يحملون تأشيرات" إقامة. وسجلت فرنسا في العام الماضي 85 ألف طلب لجوء قبلت 36 ألفاً منها، وزادت حالات إبعاد الأجانب الذين لا يتمتعون بوضع قانوني ب 14% في غضون 11 شهراً من العام، على ما أعلن وزير الداخلية جيرار كولومب اليوم الإثنين. وأصدر كولومب مذكرة في آخر نوفمبر حول الإعداد الجاري لمسودة قانون لتلبية "الحاجة إلى الصرامة والفعالية"، وأكد أن "مكافحة الهجرة غير النظامية، من أولويات العمل الحكومي". وأكد الوزير على خلفية "أزمة هجرة غير مسبوقة" منذ 2014 "إذا لم نتخذ عدداً من الإجراءات فسنواجه وضعاً لا يحتمل". ومع صعود حزب اليمين المتطرف الجبهة الوطنية، الذي راكم الانتصارات الانتخابية ودفع بمرشحته مارين لوبن، إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، تسعى الحكومة الوسطية بوضوح إلى توفير ضمانات لرأي عام غالباً ما يبدو ناقداً في موضوع الهجرة. واعتبرت الصحافية في صحيفة ليبراسيون اليسارية، اليكساندرا شوارتزبرود أن "وطن حقوق الإنسان لم يعد يفكر إلا في إغلاق حدوده والطرد الجماعي". وتابعت أن "الانتخابات الألمانية خاضت التحدي نفسه، وأظهرت الثمن الذي يتكبده السياسيون لفتح الأبواب على مصراعيها أمام بؤس العالم، كادت المستشارة أنجيلا ميركل تحرم من كرسي المستشارية". فالاقتصاد الأوروبي الأول استقبل حوالى 890 ألف مهاجر في 2015 ما وضع الهجرة في أعلى أولويات الجدل السياسي وأسهم في صعود حزب اليمين المتطرف "البديل لألمانيا". وتراجع هذا العدد إلى 280 ألفاً في 2016. وقررت الحكومة الفرنسية بشكل خاص إجراء مسح للمقيمين في مراكز الإيواء الطارئة لتوجيههم حسب وضعهم، ما أثار غضب الجمعيات الناشطة في هذا المجال التي تخشى الطرد الجماعي للذين لا يملكون وثائق ثبوتية قانونية. ونددت الجمعيات اليوم الإثنين بإرادة "السيطرة المعممة على الأجانب" بهدف "التعرف على هوياتهم وإجراء فحص إلزامي لحقهم في المكوث في فرنسا"، داعيةً رئيس هيئة "المدافع عن الحقوق" المستقلة عن الحكومة، جاك توبون، إلى التدخل. وصرح توبون على إذاعة فرانس انتر: "إننا في وضع صعب"، مشيراً إلى خطر "الفرز" في مراكز الإيواء. وصرح مدير اتحاد الناشطين للتضامن فلوران غوغان أخيراً: "نرفض الفرز" مضيفاً: "إذا تحولت المراكز إلى فخ للمهاجرين فسينسحب عدد من الجمعيات منها، وسيتوقف المهاجرون عن الذهاب إليها".