لا يمكن لفن أن يلغي آخر وإنما هناك "تجاور إبداعي" المثقفون "فاقوا" في 30 يونيو بعد انشغالهم بلقمة العيش ينبغي أن نعيد قراءة أفكار كبار التنويريين لمواجهة الظلاميين يهتم الناقد (د.شريف الجيار) كثيرًا بأوجاع الثقافة العربية، وقد شارك مؤخرًا بأوراق بحثية دقيقة في احتفال خاص بالذكرى الأربعين لعميد الأدب العربي، يرى فيها أننا بحاجة ماسة إلى استعادة الدور التنويري الرائد لطه حسين ونظرائه من المثقفين والأدباء، كما يرى أن الشخصية العربية معطوبة ثقافيًا فقد تربت منذ نعومة أظفارها على أن تكون تابعة لا فاعلة تستوعب ما يتم تلقينه لها أو تستظهره ثم لا تعمل فيه عقلها. وللدكتور شريف الجيار إسهاماته النقدية أيضًا وهو يرأس لجنة الشباب باتحاد الكتاب المصري ويتفاعل مع إبداعات الأدباء الجدد عبر مسابقات تنظمها اللجنة دعمًا وتشجيعًا لشباب المبدعين.. حول أوضاع الثقافة العربية وتقييمه للمشهد الأدبي الراهن كان لنا معه هذا الحوار. كيف يؤسس المثقفون من وجهة نظرك لمشروع تنويري يقي الجماهير من خداعهم مرة أخرى باسم الدين؟ أدى غياب دور المثقف عن الشارع المصري قبل ثورة 25 يناير 2011م، واقتصار دوره على الكتابة السياسية والاجتماعية عبر الميديا، وانشغال المعظم بلقمة العيش، في ظل سيولة سياسية وأحزاب كرتونية، إلى ترك الجماهير المصرية؛ لا سيما البسطاء من أهالينا الذين يعانون الفقر والأمية، فريسة للتيارات الظلامية، التي تآمرت على الوطن باسم الدين، لتحقيق مآرب سياسة خاصة لتفكيك الدولة المصرية، على أن المثقف المصري عدل من موقفه جليا، حينما دافع عن هوية مصر الثقافية، وساهم بشكل فاعل في ثورة تصحيح المسار في 30 من يونيو، وتحقق التفاعل المباشر مع كل فئات الشعب المصري، وعلى هذا فالفرصة الآن سانحة لوضع مشروع تنويري يقي الجماهير المصرية من خداع القوى الظلامية، وذلك من خلال مشروع تعليمي تثقيفي إعلامي؛ يساهم فيه المثقف مع مؤسسات الدولة، وتشكيل ما يعرف بالقوافل الثقافية التي تتلاحم مع الناس، وتتحاور معهم بشكل مباشر، فضلا عن مساهمة المثقف بأفكار ومشروعات لمحو الأمية، وتطوير التعليم الذي يمثل عقبة حقيقية للتقدم. ما هي مسئوليات المثقف في المرحلة الراهنة وهل يقوم بها؟ على المثقف مسئوليات جسام في الوقت الراهن، فمصر في مفترق طرق، لذا عليه أن يساهم بشكل فاعل ومباشر في بث الوعي السياسي والثقافي لدى أبناء الوطن، وأن يتخلى البعض عن المصالح الشخصية الآن، وأن ينظر لمصلحة الوطن؛ الذي يتعرض لمؤامرات الظلاميين، التي يستطيع المثقف المصري أن يواجهها، بفكره التنويري ومخزونه الثقافي والحضاري الضخم. قلت إن الشخصية العربية معطوبة ثقافيًا؛ فما هي ملامح هذا العطب من وجهة نظرك، وكيف يمكن تلافيه؟ الشخصية العربية جادة ومنتجة إذا توفر لها المناخ الصحي لهذا، ولكن عانت الشخصية العربية كثيرا؛ من تأخر في منظومة تعليمية جادة، وعدم اهتمام بالبحث العلمي، وهو ما أدى إلى كونها ضحية، لذا فهي في احتياج للفكر العلمي الذي يدفع بها نحو الدولة الحديثة، ولا مفر أمام الدول العربية إلا التكاتف والتعاون من أجل علمية حداثية تطبيقية، تأخذ بسبل العلم وتنحي اللاعقلانية جانبًا، فضلًا عن ذلك ينبغي أن نعيد قراءة أفكار كبار التنويريين أمثال طه حسين بدءًا من كتاب الشعر الجاهلي، مرورًا بمستقبل الثقافة في مصر، وانتهاءً بإبداعه السردي حتى نستخلص الأفكار التي تصلح لتنوير واقعنا العربي. ومن ثم نستشرف من خلالها مستقبلًا علميًا محددًا للأجيال المقبلة. يتهم المثقف عادة بأنه نخبوي فإلى أي شيء ترجع هذه الفجوة القائمة بين الجمهور والمثقفين، وفي من تكمن العلة؟ هذا المصطلح- نخبوي - لا أتعاطف معه، لأنه يصدر الفوقية، ويحدث فجوة نفسية بين المثقف وبين باقي فئات الشعب، وينسينا أن المثقف جزء من شعبه بكل فئاته، بل هو صوت الشعب، لاسيما الطبقات الفقيرة والمهمشة، وأرى أنه بعد ثورتي 25 و30، أدرك المثقف أن الشعب المصري قد سبقه إلى واقع جديد، لذا فقد أدرك المثقف أن المعادلة قد تغيرت، لذا فعليه أن يتلاحم دائما مع آمال شعبه، وأن يساهم في وضع حلول وبدائل ومشروعات تنويرية تخدم مستقبل الأجيال القادمة. كانت رسالتك للدكتوراه عن الراحل الكبير (إحسان عبد القدوس)، من وجهة نظرك لماذا لم تبرز قامات أدبية تضاهي أو تتفوق على أسماء الراحلين العظام من الأدباء؟ كتابي عن إحسان عبد القدوس، ككاتب سياسي وإبداعي تنويري كبير، قد ساهم مع أبناء جيله من المفكرين، في تشكيل الوجدان المصري والعربي، وفى الدعوة لحرية المجتمع من خلال حرية المرأة، تلك الحرية المسئولة، لا يعنى أن جيله آخر العظماء، فمصر لا ينضب معينها من المفكرين والمبدعين؛ من الأساتذة، والتلاميذ من جيل الوسط وجيل الشباب؛ وعلى الإعلام أن يبرز هؤلاء؛ حتى لا نشعر بالجفاف. هل تعتقد أن هناك تهميشا إعلاميا يلحق بالأجيال الشابة من المبدعين؟ أعتقد أن هذا الأمر نسبى، فهناك أسماء شابة موجودة في العديد من وسائل الإعلام، لاسيما بعد هذا الزخم الثورة، ولكن أقول للشباب عليه أن يجتهد ويفرض وجوده من خلال العلمية والإبداع الحقيقي، لأنه هو الذى يخلد صاحبه. ولكن يصبح السؤال في محله حينما ننتقل لمبدعي المحافظات المختلفة، الذين لا يجدون الفرصة مواتية لهم للظهور، وذلك لمركزية الإعلام، ويقع جزء من المسئولية علينا نحن النقاد، في اكتشاف المبدعين الحقيقيين من الشباب، وتصديرهم للمشهد، حتى لا يشعر مبدع بالغبن. وهل تعاني الحياة الثقافية من سيطرة جيل بعينه؟ نعم إلى حد كبير، ولكن على جيل الشباب أن يساهم بقوة في الحياة الثقافية، لأنه لا محالة سيأخذ دوره التاريخي في يوم ما، فى إطار احترام الجيل الأكبر، الذى ينبغي عليه أن يحتضن الأجيال التالية، وأن يعطى لها الفرصة فى الوجود، وهذ سنة الحياة. ما تقييمك للمشهد الروائي الراهن؟ المشهد الروائي الراهن به زخم في الإنتاج، لذا فهو في احتياج إلى متابعة نقدية دقيقة، تقدم النضج منه، ومن ثم نقدم صورة صادقة عن المشهد، وهناك أسماء شابة جادة في كتابة الرواية مثل محمد الفخراني صاحب رواية فاصل للدهشة، وحسن كمال في رواية المرحوم، وطارق إمام صاحب هدوء القتلة....وغيرهم. هل تراجعت القصة القصيرة لصالح الرواية وهل تراجع الشعر أيضًا؟ لا يمكن أن نقول إن هناك نوعا أدبيا يلغى نوعا آخر، بل هناك ما يعرف بالتجاور الإبداعي، ففي الوقت الذى انتشر فيه مصطلح زمن الرواية، زاد انتاج القصة القصيرة، والقصيرة جدا، وزاد الإنتاج الشعرى، بل وجدنا شعراء يكتبون الرواية والقصة القصيرة، ولا حظنا أن كتاب الرواية يكتبون الرواية القصيرة، متأثرين بفنية القصة القصيرة، وهو ما يؤكد تداخل الأنواع الأدبية، دون تراجع لنوع عن الآخر. من وجهة نظرك ما الذي ينقص المؤسسات الرسمية للثقافة حتى تقوم بدور فاعل في توعية وتثقيف الجماهير؟: على وزارة الثقافة في الوقت الراهن، أن تفعل من قصور الثقافة، وأندية الأدب، في توعية الجماهير سياسيا وثقافيا وبدور كل فرد في بناء مصر، فضلا عن ذلك آمل أن تفعل وزارة الثقافة دورها في الأقاليم، حتى لا نتركها للتيارات الظلامية.