بعد افتتاحه رسميا.. نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة زينب رضي الله عنها    426 مليون جنيه إجمالي مبيعات مبادرة "سند الخير" منذ انطلاقها    رئيس اتحاد الجاليات الفلسطينية: إسرائيل لن تلتزم بقرارات العدل الدولية    فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي على شاطئ غزة منفذا لتهجير الفلسطينيين    روسيا: مستعدون لتوسيع تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة    الخارجية الروسية: لا نخطط للتدخل في الانتخابات الأمريكية    كولر يعقد محاضرة فنية قبل مران اليوم استعدادا للترجي    بحوزته 166 قطعة.. ضبط عاطل يدير ورشة تصنيع أسلحة بيضاء في بنها    إعدام 6 أطنان أسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    "القاهرة الإخبارية" تحتفي بعيد ميلاد عادل إمام: حارب الفكر المتطرف بالفن    أحمد السقا عن أصعب مشهد بفيلم «السرب»: قنبلة انفجرت حولي وخرجت سليم    وزيرة التخطيط تشارك بافتتاح النسخة الحادية عشر لقمة رايز أب    مصر تشارك بأكبر معرض في العالم متخصص بتكنولوجيا المياه والصرف الصحي بألمانيا "IFAT 2024" (صور)    تضامن الدقهلية تنظم ورشة عمل للتعريف بقانون حقوق كبار السن    الحبس والغرامة.. تعرف على عقوبات تسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها    سعر الدولار فى البنوك المصرية صباح الجمعة 17 مايو 2024    الجزار: انتهاء القرعة العلنية لحاجزي وحدات المرحلة التكميلية ب4 مدن جديدة    مواعيد مباريات الجمعة 17 مايو.. القمة في كرة اليد ودربي الرياض    سيد عبد الحفيظ: مواجهة نهضة بركان ليست سهلة.. وأتمنى تتويج الزمالك بالكونفدرالية    بعد 3 أسابيع من إعلان استمراره.. برشلونة يرغب في إقالة تشافي    ليفربول يُعلن رحيل جويل ماتيب    مصر تفوز بحق تنظيم الاجتماعات السنوية للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في 2027    17 مايو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    مصرع ربة منزل ونجليها في حادث دهس أسفل سيارة بعين شمس    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق بقطعة أرض فضاء في العمرانية    تجديد تكليف مي فريد مديرًا تنفيذيًا للتأمين الصحى الشامل    الخشت يستعرض دور جامعة القاهرة في نشر فكر ريادة الأعمال    برنامج للأنشطة الصيفية في متحف الطفل    وفاة أحمد نوير مراسل قنوات بين سبورت.. موعد ومكان الجنازة    طارق الشناوي ل «معكم منى الشاذلي»: جدي شيخ الأزهر الأسبق    الإثنين.. المركز القومي للسينما يقيم فعاليات نادي سينما المرأة    دعاء يوم الجمعة المستجاب.. «اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها» ردده الآن    انطلاق قافلة جامعة المنصورة المتكاملة "جسور الخير-21" المتجهة لحلايب وشلاتين وأبو رماد    في 5 دقائق.. طريقة تحضير ساندويتش الجبنة الرومي    مرور مفاجئ لفريق التفتيش الصيدلي على الوحدات الصحية ببني سويف    طريقة عمل الهريسة، مذاقها مميز وأحلى من الجاهزة    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    خبير سياسات دولية: نتنياهو يتصرف بجنون لجر المنطقة لعدم استقرار    «الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 17 مايو 2024 والقنوات الناقلة    احذر.. قلق الامتحانات الشديد يؤدي إلى حالة نفسية تؤثر على التركيز والتحصيل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    سيولة مرورية وسط كثافات محدودة بشوارع القاهرة والجيزة    الاغتسال والتطيب الأبرز.. ما هي سنن يوم «الجمعة»؟    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    النواب الأمريكي يقر مشروع قانون يجبر بايدن على إمداد إسرائيل بالأسلحة دون انقطاع    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    "كاميرا ترصد الجريمة".. تفاصيل تعدي شخص على آخرين بسلاح أبيض في الإسماعيلية    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحسبة الثقافية والبحث فى ضمائر المبدعين
نشر في الوفد يوم 01 - 01 - 2013

شهد صدر عام 2012 ومنذ تولى جماعة «الإخوان المسلمين» الحكم فى مصر ظهور ميل متزايد من قبل قيادات حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة إلى الاستخدام المفرط للقوانين التى تقيد حرية الرأى
والتعبير، تحت دعاوى مختلفة نتج عنها أشكال كثيرة من الانتهاكات والإجراءات الاقصائية للثقافة والمثقفين والتى كان من شأنها المساس بحرية الإبداع والمبدعين، وقد مورست هذه الانتهاكات بشكل ممنهج تمثل فى محاولة مصادرة وإغلاق صروح ثقافية ومنع مقالات تهاجم جماعة الإخوان لبعض الكتاب وغير ذلك من الانتهاكات المختلفة، ومن المتوقع فى عام 2013 صدور عدة قوانين وقرارات تعسفية تزيد من شرعية الجهات السلطوية فى ممارسة انتهاكات بالغة ضد حرية الإبداع وهوما سوف يجدون لها دائما تبريرات تحت زعم الحفاظ على الآداب العامة وغير ذلك من المصطلحات الواسعة والفضفاضة والتى ستصل بنا إلى حدود البحث فى ضمائر المبدعين وتقودنا قسراً إلى كل أشكال الحسبة الثقافية.
ولعل الاعتداء الذى تم على شارع النبى دانيال بالاسكندرية كان من أهم هذه الانتهاكات الثقافية التى حدثت فى العام الماضى، حيث فوجئ أهالى الشارع بالأجهزة الأمنية والمحلية بمحافظة الإسكندرية، تشن حملة لإزالة أكشاك الكتب الموجودة هناك، حيث تم تحطيمها وسادت حالة من الفوضى فى المنطقة، وتراكمت أكوام من الكتب فى الطريق.
كذلك اثار البلاغ الذى تقدم به إسماعيل الوشاحى محامى الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين ضد ساقية الصاوى عن وجود جماعة لعبدة الشيطان تقيم حفلات من نوع خاص داخلها ومطالبته بإغلاقها عددا كبيرا من المثقفين الذين اعتبروا الساقية بديلا لوزارة الثقافة، كما اعتبروا الحدث بداية لهجمة اخوانية شرسة على صرح ثقافى كان له دور كبير طوال السنوات الماضية.
ومن أغرب ما شهده عام 2012 كان مطالبة الشيخ حازم ابواسماعيل بإلغاء وزارة الثقافة والانتاج الثقافى وتحويل ميزانيته لدعم الاقتصاد المصرى ترشيداً لنفقات الدولة باعتبار الوزارة شيئا غير مفيد للمجتمع، وكانت تصريحات الشيخ حازم أبوإسماعيل - المرشح السابق لرئاسة الجمهورية - قد اثارت حالة من الجدل داخل الوسط الثقافى بعد هذا الطلب الغريب.
كذلك مثلت إشارة الرئيس محمد مرسى فى أول خطاب له من ميدان التحرير برغبته فى عودة الشيخ عمر عبد الرحمن الأب الروحى لجماعة الإخوان المسلمين والمعتقل حاليا فى الولايات المتحدة الأمريكية على ذمة عدة قضايا مثلت غصة فى حلق كثير من المثقفين واستدعت ذكريات مؤلمة منها فتوى عمر عبد الرحمن بقتل الدكتور فرج فودة وكذلك تحريضه على قتل الكاتب الكبير نجيب محفوظ على أثر اتهامهما بالكفر.
أيضاً شهد عام 2012 إيقاف نشر أعمدة ثابتة منذ سنوات لعدد من الكتاب فى قرار مفاجئ كان بمثابة الصدمة للجميع، ومن هؤلاء الكتاب الروائى ابراهيم عبد المجيد والروائى يوسف القعيد والكاتبة عبلة الروينى والكاتب مدحت العدل وغيرهم.
أما ظهور مصطلح «المثقف الإسلامى» فيعد من أهم ما شغل بال المثقفين خلال العام الماضى حينما دعا الرئيس الدكتور محمد مرسى إلى لقاء بالمبدعين والمثقفين ووجهت رئاسة الجمهورية الدعوة إلى عدد ضخم من المثقفين والكتاب والشعراء انتهى إلى حضور مائة وخمسين كاتباً ومثقفاً وصحفياً مما جعل البعض يعترض على تلك الأسماء ويتهمها بأنها لا تمثل النخبة المثقفة وتطور الأمر إلى تدشين مصطلح يتداول لأول مرة وهو «المثقف الإسلامى» والذى أطلقه جمال سلطان رئيس تحرير موقع «المصريون» واتهم فيه الرئيس ومعاونيه بإغفال قطاعاً هاماً من المبدعين والمثقفين يعرفون بالإسلاميين. هذا التصريح استنكره كثير من النقاد والمثقفين باعتباره مصطلحاً فيه انحياز لتيار ثقافى دون غيره.
هذه بعض أمور من ضمن كثيرة جرت خلال عام 2012 وعلى أثر ظلاميتها توجهنا إلى عدد من المثقفين نسألهم، كيف يتوقعون العام الجديد ثقافياً، فماذا قالوا؟
الشاعر الكبير فؤاد حجاج يرى أن الفترة القادمة ستكون فترة ظلامية فى تاريخ مصر، لأن الذين مهدوا للثورة وكافحوا من أجلها لم يخطر ببالهم أبداً أنهم يمهدون للدولة الدينية، وللأسف القائمون على هذه الدولة الدينية مشغولون بأفكار غير التى قامت من أجلها الثورة، فلم يعد العدل والحرية ولا حتى الخبز فى حسبانهم إنما هم مهمومون بفكرة الخلافة وهى فكرة فى كل الأحوال لا تتسق مع الواقع الجديد كله، لذلك أقول للجماعة عليكم أن تدركوا أن مصر أكبر منكم، فلا تضيعوا الفرصة بعناد مباركى أطاح به من كرسى الحكم بعد ثلاثين عاماً، ويضيف حجاج إن الثقافة أصبحت رافضاً مهماً لكل الممارسات التى تنال من الحريات الإنسانية، فالمبدع بشكل عام يستقى موارده الثقافية والشعورية من حالة المجتمع الذى يعيش فيه وللأسف فمجتمعنا حتى الأن لم يصل لأى سقف من الاستقرار، ومن هنا يصبح الحديث عن الثقافة ترفاً، ويضيف حجاج فالدستور الذى أجبرونا على النزول من أجله والذى أجبرونا أيضاً على قبوله لا يصل بمصر إلا إلى صفوف الدول الفاشلة، وعلى كل الفصائل التفكير فى الخروج من هذا المأزق ولعل هذا هو الانذار الأخير.
الإسلام السياسى مأساة حقيقية مأساة فقيرة الإمكانيات والعقول، هكذا بدأ الكاتب حمدى أبوجليل حديثه مضيفاً أنا شخصيا أستطيع أن أقول إننى من أعداء هذا الفصيل ومع ذلك لم أكن أتخيل أنهم بهذا الفقر وكل هذه قلة الحيلة، وهذا يجعلنى أتصور أن القمع الثقافى فى الفترة القادمة سوف يكون ذا نكهة كوميدية بمعنى أننا سوف نراهم يحرمون مشاهدة برنامج تليفزيونى أو مباراة أو أشياء من هذا القبيل , أما القمع الثقافى بمعناه الحقيقى فهم أضعف من أن يمارسوه، هم قامعون لكنهم ضعفاء، والإبداع الحقيقى لن يستطيعوا حياله شيئاً, فكل مبدع سوف يكتب ما يريد دون خوف من لومة لائم, فلسوء حظ الجماعة أنها جاءت بعد ثورة وبعدما مياه جديدة جرت فى النهر، فالمصريون شبوا عن الطوق. ويضيف أبوجليل لقد أخذ الإسلاميون فرصتهم كاملة وهاهم يحكمون تماماً فماذا هم فاعلون ؟ وهذا هو أهم ما فى تجربتهم لقد أثبتوا حتى لمن كان يتعاطف معهم أنهم فاشلون وأنهم لا يملكون مقاليد أى حكم ولا يعرفون كيف يديرون البلاد ولا الأزمات، لقد فشلوا تماماً، فحين نعلم أن 300 عضو من أعضاء الحرية والعدالة تقدموا لوزارة الداخلية بطلبات تراخيص سلاح دفعة واحدة، وقتها تستطيع أن تعلم إلى أى حد يصل ضعفهم فهم لا ينظرون حتى تحت أقدامهم فالمفترض أنهم لا يعرفون إلا الدعوة وهى التى إذا ما خرجت من المساجد واندمجت بالسياسة تحولت إلى المتاجرة بالدين وهذا ما لم يعد ينطلى على المصريين، ونتيجة الاستفتاء تؤكد هذا، فنعم التى أتت بالدستور تقول أن الجماعة نزلت عن بكرة أبيها أما المصريون المعتدلون فلم ينزل منهم سوى الخُمس فقط, وهذا يرجع ربما للإحباط الذى أصاب كثيرين منهم.
الكاتب والشاعر شعبان يوسف يقول المشهد الثقافى فى أى مكان يتصل بالمشهد السياسى، والمشهد السياسى فى مصر الأن محتقن وأعتقد أنه فى الأيام القادمة سوف يصل إلى حالة من الاحتدام وربما الانفجار، وفى ظل هذا الانفجار لا نستطيع أن نتحدث عن الكتاب كسلعة رائجة خاصة أننا على أبواب معرض الكتاب، ولكن سوف يكون هناك أنواع معينة من الكتب ربما هى التى تجد لنفسها مكاناً وهى الكتب التى تواكب الأحداث وتقرأ المشهد، مثل مولانا لابراهيم عيسى أودار الخروج لعز الدين شكرى فشير، هذه النوعية من الكتب هى التى سوف تلقى رواجاً، وبعيداً عن هذه النوعية من الكتب سيظل الإنتاج معطلاً إلى حد ما، فلا أتوقع أن يكون هناك أعمال عظيمة بالمعنى المفهوم، فتاريخياً مثل هذا الزخم السياسى من شأنه تعطيل الإبداع أو تأجيله، فالكتاب والمبدعون سوف ينشغلون باللحظة، وعليه سوف تكون الثقافة مضرورة ولكن بشكل آنٍ، أما مستقبلاً فربما تصنع هذه الأحداث حالات إبداعية تعيش لأجيال، وأضاف يوسف أعتقد أن العام القادم سوف يشهد تقويضاً ثقافياً بأشكال مختلفة خاصة أن الجماعة أجلت هذه اللحظة كثيراً حتى ينتهوا من إحكام قبضتهم على مقاليد السياسة وهم بالفعل فى طريقهم إلى ذلك، فالدستور مر كيفما أرادوا ومجلس الشعب سوف يمر مثلما يريدون ومجلس الشورى هو بالفعل ملكهم وهذا شكل من أشكال الاستقواء بالسلطة، بعدها لن يستطيعوا إيقاف شهوتهم تجاه قتل الإبداع، والمثقفون كجزء من المصريين الذين لن يهدأوا ولن يستسلموا لن يهدأوا هم أيضاً ومن هنا أتوقع أن تكون المواجهات ساخنة وصادمة خاصة بعد ما بدأوا فى أسلمة أجهزة الدولة الثقافية مثل القناة الثقافية، أما وزارة الثقافة فهى ما زالت حتى الأن لها موقف معلن وقياداتها لديها القدرة على الدفاع عنها ونتمنى أن يتركوهم يقومون بعملهم وكذلك سوف يبقى الأمل فى الكيانات الثقافية الخاصة مثل «المورد» و«الفن ميدان» و«ورشة الزيتون».
أما الدكتور سامى سليمان أستاذ النقد العربى بجامعة القاهرة فيقول يستطيع الناظر لوضعية الثقافة المصرية بعد الثورة أن يتوقع عددا من التحولات التى ستقع فى المؤسسات والممارسات الثقافية مما يجب فهمه فى إطار التحولات السياسية الراهنة التى تكشف عن صعود التيارات الدينية بأطيافها المختلفة مع ضعف تأثيرات القوى المدنية فى المجتمع. وللناظر أن يتوقع أفول عدد من المؤسسات الثقافية الرسمية التى تعانى فى مرحلة ما بعد الثورة من حالة من التيه الناتج عن عدم إدراكها أنها لا تصلح للتعامل مع الواقع الحالى، ولذا تحاول التمسك بخيوط الحياة الواهنة كما تحاول أيضا تغيير أو تعديل بعض أوجه نشاطها لكن التجربة تكشف عن أنها ستغادر الواقع أو ستتحول إلى أداء أدوار جديدة تقلص من تأثيرها فى الواقع الثقافي. ويمكن للمرء أن يستثنى من هذا بعض مؤسسات النشر والترجمة، كما يمكنه أيضا أن يؤكد أن أهم المؤسسات الثقافية الرسمية – أعنى الهيئة العامة لقصور الثقافة - يُنتظر منها أن تؤدى دورا أكثر فعالية فى التنوير والتبصير بثقافة حقيقية، وإن كان من حق المتابع أن يخشى أن تحاصر أجهزة الدولة «الدينية» القادمة هذه المؤسسة وغيرها لأن الخطر الكامن فى الدولة القادمة يكمن فى تقليص معنى الثقافة لتصبح قاصرة على الجانب الدينى، والضيق بتوجهات التيارات التى لا تنسجم مع رؤاها الضيقة. سيؤدى إحساس الفنانين فى مجالات الإبداع المرئى كالسينما والمسرح والمسلسل التليفزيونى بقيود الرقابة المعلنة وغير المعلنة إلى تقديم إبداعات جديدة تستجيب لهذه القيود، على حين أن البعض سيقاوم، ولكن المقاومة لن تستمر طويلا فالدولة القادمة تملك أدوات متعددة للضبط والإقصاء والتهميش وتهييج الأغلبية محدودة المعرفة والثقافة مما سيخلق نوعا من الرقابة الواسعة على حركة الإبداع. ستحدث تحولات فى الكتابة الأدبية، سينصرف جانب منها إلى رفض الواقع الجديد لاسيما حين تتجلى سلبيات السلطة الجديدة وتعثرها فى إحداث نهضة حقيقية تغير الأوضاع المتردية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. وفى المقابل ستظهر اتجاهات داعية إلى الكتابة التعليمية والأخلاقية المباشرة وستجد دعما كبيرا من مؤسسات السلطة. سيظل الأمل فى صيانة مسارات الحرية أمام الإبداع الأدبى والفكرى والنقدى والفنى وفى مختلف مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية مرهونا بقدرة المؤسسات الثقافية الأهلية على الدفاع عن حقوق المثقفين وحرية الكتابة والإبداع. قد تبدو معظم التوقعات قائمة على رؤية متشائمة لكن يظل تحرير وسائل الاتصالات فى عصر العولمة عاملا رئيسيا فى قدرته على فتح آفاق متسعة للتعبير والتواصل الحر. ولعل هذا ما يحسُن بالسلطة الجديدة أن تدركه جيدا.
موسم الهجرة الي «الكوميكس» و«الجرافيك» و«ثورة الاشعار»
نعمة عز الدين
في تلك اللحظة التاريخية الفارقة من تاريخ مصر المحروسة حيث كثرت الفتن وتعددت الفتاوي التي تفتش في القلوب قبل العقول وتستحل الكرامة الانسانية بدافع تقوي الله وتعيد محاكم تفتيش جديدة غسل العالم يده منها منذ سنوات بعيدة تتلصص علي ماوراء الابواب وتتغول علي حرية العباد والبلاد يأتي العقل المبدع الفنان والكاتب والشاعر ليشحذ الهمم ويكتب في حب مصر احلي اشعار المقاومة ويرسم الفنانون علي الحوائط والجدران نشرات ثورية يومية تطالب بماوعدت به ثورة 25 يناير من «عيش .. حرية .. كرامة انسانية» مازال يقف الشاعر «أمين حداد « في كل ميدان في مصر ينشد:
شايف طريقي من الوطن للجنة
تحسبن انني سأموت
أنا عند ربي أرزق مع الشهداء .
هل سيتوقف القلم الرشيق عن رسم الخطوط النحيفة الغاضبة والساخرة التي تكشف فساد النظام وتعطي للمستضعفين حقهم الطبيعي في السخرية من حكامهم ففن الكاريكاتير الثائر هو تعبير مكثف عن روح الثورة أوكما يؤكد الفنان جمعة في أحد حواراته علي: أن الكاريكاتير في جرائد المعارضة كان يعبر بشكل قوي عن تزاوج السلطة ورأسمال رجال الأعمال مما أشعل مشاعر الكثير من الناس وزاد من حالة السخط علي النظام وأركانه أما بعد الثورة فما زال الكاريكاتير يعبر عن أهداف الثورة التي لم تتحقق بعد ولكن من أهم مكتسبات الثورة كسر حاجز الخوف من النظام القمعي الديكتاتوري الذي ساد في الفترات السابقة لكن بفضل الثورة المجيدة تخلصنا منه إلي غير رجعة.
يؤكد الباحث «سعد محمد رحيم» علي طغيان سلطة الصورة في السنوات القادمة مع وضع المثقف العربي في قلب الحدث مشاركاً أطرافاً اخري في صناعة مستقبل الوطن فيقول :
إذا قلنا إن مثقفي القرن العشرين العرب ينتمون، في أغلبهم، لتقاليد عصر الحداثة وثقافته، من خلال حضورهم الكاريزمي، الفكري والإبداعي والمعنوي، فإن عصرنا الحالي ما بعد الحداثي لا يتيح لهم الأدوار نفسها والتأثير نفسه. ولسنوات طويلة كانت الكلمة هي السلطة في الشارع السياسي. غير أن الأمر تبدّل الآن، وأول سمة للثقافة ما بعد الحداثية هى طغيان سلطة الصورة. فالحدث تصنعه الصورة التليفزيونية، ولولا التليفزيون وصوره لما اكتسبت الثورات الشبابية هذا الزخم والقوة ونَفَس المطاولة كله، والذي فاجأنا جميعاً.
كانت الصحيفة والمجلة والكتاب، ومن ثم الإذاعة المسموعة، وسيلة المثقف لقول كلمته، وعبرها أداء دوره. أما اليوم فإن من يقوم بالمهمة هي الصورة العابرة للقارات، وتقف وراء إنتاج هذه الصورة أشخاص ( مثقفون ) ومؤسسات ( ثقافية وإعلامية ) غير أنه المثقف بمعايير وملامح مختلفة، والمؤسسات التي هي ذات آليات عمل ووسائل تقنية وسياسات لا تشبه بأية حال ما كانت عند المؤسسات الثقافية التقليدية.
إن الصورة تُنقل مباشرة، ساخنة وحية، عارضة الحدث التاريخي في لحظة وقوعه، وبهذا فهي تهيّج العواطف والانفعالات قبل أن يتمثلها العقل التأملي التحليلي. إن صورة تعرض عن احتجاجات آلاف الناس في ساحة ما ستحفز آلافاً، ومئات آلاف أخرى، على الخروج والمشاركة، وهذا ما نقصده بالقول؛ إن الصورة لا تنقل الحدث فقط وإنما تشارك، بالأحرى، في صنعه. غير أن الصورة نفسها غير بريئة تماماً، وغير حيادية على الإطلاق، وإنما هي منتقاة في كثير من الأحيان وممنتجة. وثمة حسابات سياسية وإيديولوجية في تحديد زمان ومكان بثها. أي أنها بعبارة أخرى صناعة ثقافية، وعمل مثقفين يؤدون دوراً جديداً غير ذاك الذي عودنا عليه مثقفو الحقب السابقة أصحاب الكلمة. بيد أن وظيفة الكلمة لم تنته بعد، ولن تنتهي أبداً، وستبقى اللغة أداة لا غنى عنها لنقل المعارف والأفكار وللتواصل الاجتماعي بين البشر وتأسيس ثقافتهم وتمثيل تجاربهم وخبراتهم، وتدوين تاريخهم.
إن أداة الثقافة أصبحت أكثر تعقيداً؛ وهي الآن نسيج متشابك من الكلمة والصورة والتقنيات والوسائط، تمتزج وتتآلف وتتفاعل، بهذا القدر أو ذاك، تبعاً للمقاصد وللاستراتيجية المستخدمة في إنشاء الخطاب (السياسي، الإعلامي، الثقافي). وهو خطاب يتجه للتأثير في الرأي العام وإعادة تشكيله، ومحاولة توجيهه. غير أن من يتجه إليهم الخطاب ليسوا سلبيين في التلقي والتمثل، وهم يتساءلون ويتشككون ويحاورون.. إن وسائط الإعلام وقنوات الثقافة الحديثة هي مجالات لديمومة حوار بين أطراف شتى. والمثقف ليس سوى طرف واحد في هذا الحوار، يعتمد مدى تأثيره على سعة معارفه وبُعد تفكيره وقوة حججه وأسلوبه في القول والعرض، وحضور شخصيته في المشهد العام.
يتورط المثقف بالسياسة من اللحظة التي منها يبدأ بالاهتمام بقضايا المجتمع، أو من اللحظة التي منها يفكر أن يخلق خطاباً موجهاً للمجتمع. وليس شرطاً أن يمارس لعبة السياسة مباشرة.. إن وجوده في الجسم الإعلامي والثقافي، وقيامه بوظيفته الفنية أو الأدبية أو الفكرية أو الإعلامية يمنحه فرصاً أكبر لأداء دور مؤثر في السياسة. وأن دخول كثير من الفنانين والكتّاب والإعلاميين في حوارات وسجالات الناس، لاسيما الشباب، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ناهيك عن مشاركتهم الفعلية في نشاطات الاحتجاج، يضعهم في القلب من الحدث، ويعطيهم شرف المشاركة في صنعه.
في عام 2009 نشر مجدي الشافعي ثمرة جهد عمل أكثر من خمس سنوات، أول رواية مصورة (جرافيك نوفل) باللغة العربية للكبار وحملت عنوان «مترو»... كانت تدور حول مهندس كمبيوتر شاب يشعر باليأس من المستقبل المغلق أمامه، فيقرر أن يسرق بنكاً ليجد نفسه وسط مؤامرة فساد كبري متورط فيها عدد من رموز الحزب الحاكم ،الأمر الذي يعرضه لبطش هذه المجموعة. وفي الخلفية يرسم مجدي رؤية بصرية لشوارع وأنفاق «مترو» القاهرة.
تم الاحتفاء بالرواية فور صدورها وحققت نجاحاً نادراً في سوق الكتاب العربي، وتم ترجمتها لعدد من اللغات الأوروبية، لكن كل هذا لم يمنع مباحث الآداب في مصر من مصادرة الرواية بتهمة احتوائها على ألفاظ ومشاهد خادشة للحياء. كان المقصود بتلك الألفاظ حوار يدور بالعامية المصرية، بين أحد شخصيات الحزب الحاكم الشهيرة ومساعده، ومشهد حب بين بطل الرواية وصديقته. وبعد سلسلة طويلة من المحاكمات تم الحكم نهائياً بمصادرة الرواية وتغريم كل من مجدي الشافعي مؤلف الرواية ومحمد الشرقاوي صاحب دار النشر التى قامت بنشر الرواية مبلغ وقدره 5 آلاف جنيه.
أثارت رواية مجدي المياه الراكدة وفتحت الباب رغم قرار المصادرة لتطور فن الكوميكس الموجهة للكبار. حيث كان «الكوميكس» في المشهد الثقافي المصري يقتصر على تلك القصص الموجهة للأطفال فقط ،أو الرسومات الكاريكاتورية ذات الكادر الواحد.
حاول مجدي التوسع في نشر ثقافة الكوميكس من خلال العمل في ورش إبداعية مع فنانين وكتاب شباب، وجذبت الورش التى نظمها مجدي بالتعاون مع عدد من المراكز الثقافية والأجنبية كمركز جوته اهتمام الكثير من الكتاب والفنانين الشباب، لكن ظلت تلك الخطوة غير مكتملة فالأعمال التى يتم انجازها في تلك الورش يظل مكانها الأدراج ولا تجد فرصتها في النشر،من هنا ولدت مبادرة مركز هشام مبارك الحقوقي مع مجدي الشافعي لإصدار مجلة «الدشمة» كمجلة كوميكس حقوقية.
صدر العدد الأول من «الدشمة» بعد ثورة 25 يناير حيث احتوى على عدد من القصص التى توظف الخيال وتراث «الكوميكس» العالمي في أجواء مصرية، حيث البطلة الخارقة تدافع عن حقوق العاملين التى تحاول إدارة الشركة الاستيلاء عليها.
«الدشمة» ليست التجربة الوحيدة في مجال الكوميكس، فهناك مجلة «توك توك» والتي صدر العدد الأول منها قبل ثورة 25 يناير.
لقيت تجربة «توك توك» اهتماماً جماهيرياً، حيث تميزت بلغتها المصرية الخالصة التى تظهر من اسم المجلة الذي يعنى الاسم المصري للدراجات النارية الهندية التى بدأت تنشر في شوارع مصر منذ بضع سنوات. لهذا حملت المجلة شعار «بين ضواحى القاهرة الزحمة، وشوارعها الرئيسية، «التوك توك» ماشى بركابه مع أفكارهم وخلفياتهم المتنوعة! كل واحد ومشواره».
لم تقدم «توك توك» لغة مختلفة تروى بها القصص فقط بل أيضاً تنوعت الرسومات والتيمات البصرية بسبب تنوع الخلفيات الفنية للفنانين المشاركين. وينعكس هذا على شكل وطبيعة القصص المقدمة ما بين تلك التى تأخذ يوميات فتاة تحاول قيادة سيارتها في شوارع القاهرة المزدحمة، إلى شرائط الفنان «مخلوف» المصورة التى تتميز بحسها الفكاهى حيث يتحول رجال الأعمال الفاسدون إلى لاعبي كرة قدم في مباراة للفوز بالكرة «ثروة البلد».
أحد تجليات ثورة 25 يناير الفنية والثورية الكبرى، كان ولا يزال انتشار فن الجرافيك، وبالضبط كما انطلقت الثورة فى الشوارع محطمة كل القيود، ملأت مشاهد الجرافيك جدران البيوت والعمارات فى كل مكان فى مصر، مشاهد من الثورة ومشاهد للشهداء ومشاهد لأعداء الثورة ولقتلة الشهداء والثوار، وتحتها أسماؤهم بشجاعة لا تظهر إلا فى الثورات العظيمة، كل جدران ميدان التحرير والشوارع حوله صارت لوحات فنية لشباب من الفنانين يصعب حصر أعدادهم وأسمائهم، وستجد ذلك فى كل مكان فى مصر يمكن أن تتسع فيه الرؤية للعابرين،
من الهرم حتى مصر الجديدة ومدينة نصر، وكذلك فى المدن الأخرى مثل الإسكندرية، فأنت على الكورنيش تمشى وجوارك مشاهد الجرافيك التى عبر بها الثوار عما قلته من قبل، صارخة بالاحتجاج على ما فعله أعداء الثورة وفاضحة لأقطابهم وتحتها وفوقها وحولها شعارات تلخص أهداف الثورة بشكل بسيط وحاسم، وتصف كل شخص بما يليق به وما يتناسب مع أفعاله، وهكذا بعد أن ملأ شباب مصر الفضاء على الإنترنت بالثورة، ملأوا الميادين والشوارع بالثورة أيضًا، فضلاً على فعل الثورة نفسه التى خرجوا إليها يطلبون النصر أو الشهادة دون أى حسابات مسبقة، غير رفعة وكرامة الوطن، والمعارك القادمة كثيرة، وسيظل الجرافيك صرخة الفن العظيم يملأ جدران بلادنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.