«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحسبة الثقافية والبحث فى ضمائر المبدعين
نشر في الوفد يوم 01 - 01 - 2013

شهد صدر عام 2012 ومنذ تولى جماعة «الإخوان المسلمين» الحكم فى مصر ظهور ميل متزايد من قبل قيادات حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة إلى الاستخدام المفرط للقوانين التى تقيد حرية الرأى
والتعبير، تحت دعاوى مختلفة نتج عنها أشكال كثيرة من الانتهاكات والإجراءات الاقصائية للثقافة والمثقفين والتى كان من شأنها المساس بحرية الإبداع والمبدعين، وقد مورست هذه الانتهاكات بشكل ممنهج تمثل فى محاولة مصادرة وإغلاق صروح ثقافية ومنع مقالات تهاجم جماعة الإخوان لبعض الكتاب وغير ذلك من الانتهاكات المختلفة، ومن المتوقع فى عام 2013 صدور عدة قوانين وقرارات تعسفية تزيد من شرعية الجهات السلطوية فى ممارسة انتهاكات بالغة ضد حرية الإبداع وهوما سوف يجدون لها دائما تبريرات تحت زعم الحفاظ على الآداب العامة وغير ذلك من المصطلحات الواسعة والفضفاضة والتى ستصل بنا إلى حدود البحث فى ضمائر المبدعين وتقودنا قسراً إلى كل أشكال الحسبة الثقافية.
ولعل الاعتداء الذى تم على شارع النبى دانيال بالاسكندرية كان من أهم هذه الانتهاكات الثقافية التى حدثت فى العام الماضى، حيث فوجئ أهالى الشارع بالأجهزة الأمنية والمحلية بمحافظة الإسكندرية، تشن حملة لإزالة أكشاك الكتب الموجودة هناك، حيث تم تحطيمها وسادت حالة من الفوضى فى المنطقة، وتراكمت أكوام من الكتب فى الطريق.
كذلك اثار البلاغ الذى تقدم به إسماعيل الوشاحى محامى الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين ضد ساقية الصاوى عن وجود جماعة لعبدة الشيطان تقيم حفلات من نوع خاص داخلها ومطالبته بإغلاقها عددا كبيرا من المثقفين الذين اعتبروا الساقية بديلا لوزارة الثقافة، كما اعتبروا الحدث بداية لهجمة اخوانية شرسة على صرح ثقافى كان له دور كبير طوال السنوات الماضية.
ومن أغرب ما شهده عام 2012 كان مطالبة الشيخ حازم ابواسماعيل بإلغاء وزارة الثقافة والانتاج الثقافى وتحويل ميزانيته لدعم الاقتصاد المصرى ترشيداً لنفقات الدولة باعتبار الوزارة شيئا غير مفيد للمجتمع، وكانت تصريحات الشيخ حازم أبوإسماعيل - المرشح السابق لرئاسة الجمهورية - قد اثارت حالة من الجدل داخل الوسط الثقافى بعد هذا الطلب الغريب.
كذلك مثلت إشارة الرئيس محمد مرسى فى أول خطاب له من ميدان التحرير برغبته فى عودة الشيخ عمر عبد الرحمن الأب الروحى لجماعة الإخوان المسلمين والمعتقل حاليا فى الولايات المتحدة الأمريكية على ذمة عدة قضايا مثلت غصة فى حلق كثير من المثقفين واستدعت ذكريات مؤلمة منها فتوى عمر عبد الرحمن بقتل الدكتور فرج فودة وكذلك تحريضه على قتل الكاتب الكبير نجيب محفوظ على أثر اتهامهما بالكفر.
أيضاً شهد عام 2012 إيقاف نشر أعمدة ثابتة منذ سنوات لعدد من الكتاب فى قرار مفاجئ كان بمثابة الصدمة للجميع، ومن هؤلاء الكتاب الروائى ابراهيم عبد المجيد والروائى يوسف القعيد والكاتبة عبلة الروينى والكاتب مدحت العدل وغيرهم.
أما ظهور مصطلح «المثقف الإسلامى» فيعد من أهم ما شغل بال المثقفين خلال العام الماضى حينما دعا الرئيس الدكتور محمد مرسى إلى لقاء بالمبدعين والمثقفين ووجهت رئاسة الجمهورية الدعوة إلى عدد ضخم من المثقفين والكتاب والشعراء انتهى إلى حضور مائة وخمسين كاتباً ومثقفاً وصحفياً مما جعل البعض يعترض على تلك الأسماء ويتهمها بأنها لا تمثل النخبة المثقفة وتطور الأمر إلى تدشين مصطلح يتداول لأول مرة وهو «المثقف الإسلامى» والذى أطلقه جمال سلطان رئيس تحرير موقع «المصريون» واتهم فيه الرئيس ومعاونيه بإغفال قطاعاً هاماً من المبدعين والمثقفين يعرفون بالإسلاميين. هذا التصريح استنكره كثير من النقاد والمثقفين باعتباره مصطلحاً فيه انحياز لتيار ثقافى دون غيره.
هذه بعض أمور من ضمن كثيرة جرت خلال عام 2012 وعلى أثر ظلاميتها توجهنا إلى عدد من المثقفين نسألهم، كيف يتوقعون العام الجديد ثقافياً، فماذا قالوا؟
الشاعر الكبير فؤاد حجاج يرى أن الفترة القادمة ستكون فترة ظلامية فى تاريخ مصر، لأن الذين مهدوا للثورة وكافحوا من أجلها لم يخطر ببالهم أبداً أنهم يمهدون للدولة الدينية، وللأسف القائمون على هذه الدولة الدينية مشغولون بأفكار غير التى قامت من أجلها الثورة، فلم يعد العدل والحرية ولا حتى الخبز فى حسبانهم إنما هم مهمومون بفكرة الخلافة وهى فكرة فى كل الأحوال لا تتسق مع الواقع الجديد كله، لذلك أقول للجماعة عليكم أن تدركوا أن مصر أكبر منكم، فلا تضيعوا الفرصة بعناد مباركى أطاح به من كرسى الحكم بعد ثلاثين عاماً، ويضيف حجاج إن الثقافة أصبحت رافضاً مهماً لكل الممارسات التى تنال من الحريات الإنسانية، فالمبدع بشكل عام يستقى موارده الثقافية والشعورية من حالة المجتمع الذى يعيش فيه وللأسف فمجتمعنا حتى الأن لم يصل لأى سقف من الاستقرار، ومن هنا يصبح الحديث عن الثقافة ترفاً، ويضيف حجاج فالدستور الذى أجبرونا على النزول من أجله والذى أجبرونا أيضاً على قبوله لا يصل بمصر إلا إلى صفوف الدول الفاشلة، وعلى كل الفصائل التفكير فى الخروج من هذا المأزق ولعل هذا هو الانذار الأخير.
الإسلام السياسى مأساة حقيقية مأساة فقيرة الإمكانيات والعقول، هكذا بدأ الكاتب حمدى أبوجليل حديثه مضيفاً أنا شخصيا أستطيع أن أقول إننى من أعداء هذا الفصيل ومع ذلك لم أكن أتخيل أنهم بهذا الفقر وكل هذه قلة الحيلة، وهذا يجعلنى أتصور أن القمع الثقافى فى الفترة القادمة سوف يكون ذا نكهة كوميدية بمعنى أننا سوف نراهم يحرمون مشاهدة برنامج تليفزيونى أو مباراة أو أشياء من هذا القبيل , أما القمع الثقافى بمعناه الحقيقى فهم أضعف من أن يمارسوه، هم قامعون لكنهم ضعفاء، والإبداع الحقيقى لن يستطيعوا حياله شيئاً, فكل مبدع سوف يكتب ما يريد دون خوف من لومة لائم, فلسوء حظ الجماعة أنها جاءت بعد ثورة وبعدما مياه جديدة جرت فى النهر، فالمصريون شبوا عن الطوق. ويضيف أبوجليل لقد أخذ الإسلاميون فرصتهم كاملة وهاهم يحكمون تماماً فماذا هم فاعلون ؟ وهذا هو أهم ما فى تجربتهم لقد أثبتوا حتى لمن كان يتعاطف معهم أنهم فاشلون وأنهم لا يملكون مقاليد أى حكم ولا يعرفون كيف يديرون البلاد ولا الأزمات، لقد فشلوا تماماً، فحين نعلم أن 300 عضو من أعضاء الحرية والعدالة تقدموا لوزارة الداخلية بطلبات تراخيص سلاح دفعة واحدة، وقتها تستطيع أن تعلم إلى أى حد يصل ضعفهم فهم لا ينظرون حتى تحت أقدامهم فالمفترض أنهم لا يعرفون إلا الدعوة وهى التى إذا ما خرجت من المساجد واندمجت بالسياسة تحولت إلى المتاجرة بالدين وهذا ما لم يعد ينطلى على المصريين، ونتيجة الاستفتاء تؤكد هذا، فنعم التى أتت بالدستور تقول أن الجماعة نزلت عن بكرة أبيها أما المصريون المعتدلون فلم ينزل منهم سوى الخُمس فقط, وهذا يرجع ربما للإحباط الذى أصاب كثيرين منهم.
الكاتب والشاعر شعبان يوسف يقول المشهد الثقافى فى أى مكان يتصل بالمشهد السياسى، والمشهد السياسى فى مصر الأن محتقن وأعتقد أنه فى الأيام القادمة سوف يصل إلى حالة من الاحتدام وربما الانفجار، وفى ظل هذا الانفجار لا نستطيع أن نتحدث عن الكتاب كسلعة رائجة خاصة أننا على أبواب معرض الكتاب، ولكن سوف يكون هناك أنواع معينة من الكتب ربما هى التى تجد لنفسها مكاناً وهى الكتب التى تواكب الأحداث وتقرأ المشهد، مثل مولانا لابراهيم عيسى أودار الخروج لعز الدين شكرى فشير، هذه النوعية من الكتب هى التى سوف تلقى رواجاً، وبعيداً عن هذه النوعية من الكتب سيظل الإنتاج معطلاً إلى حد ما، فلا أتوقع أن يكون هناك أعمال عظيمة بالمعنى المفهوم، فتاريخياً مثل هذا الزخم السياسى من شأنه تعطيل الإبداع أو تأجيله، فالكتاب والمبدعون سوف ينشغلون باللحظة، وعليه سوف تكون الثقافة مضرورة ولكن بشكل آنٍ، أما مستقبلاً فربما تصنع هذه الأحداث حالات إبداعية تعيش لأجيال، وأضاف يوسف أعتقد أن العام القادم سوف يشهد تقويضاً ثقافياً بأشكال مختلفة خاصة أن الجماعة أجلت هذه اللحظة كثيراً حتى ينتهوا من إحكام قبضتهم على مقاليد السياسة وهم بالفعل فى طريقهم إلى ذلك، فالدستور مر كيفما أرادوا ومجلس الشعب سوف يمر مثلما يريدون ومجلس الشورى هو بالفعل ملكهم وهذا شكل من أشكال الاستقواء بالسلطة، بعدها لن يستطيعوا إيقاف شهوتهم تجاه قتل الإبداع، والمثقفون كجزء من المصريين الذين لن يهدأوا ولن يستسلموا لن يهدأوا هم أيضاً ومن هنا أتوقع أن تكون المواجهات ساخنة وصادمة خاصة بعد ما بدأوا فى أسلمة أجهزة الدولة الثقافية مثل القناة الثقافية، أما وزارة الثقافة فهى ما زالت حتى الأن لها موقف معلن وقياداتها لديها القدرة على الدفاع عنها ونتمنى أن يتركوهم يقومون بعملهم وكذلك سوف يبقى الأمل فى الكيانات الثقافية الخاصة مثل «المورد» و«الفن ميدان» و«ورشة الزيتون».
أما الدكتور سامى سليمان أستاذ النقد العربى بجامعة القاهرة فيقول يستطيع الناظر لوضعية الثقافة المصرية بعد الثورة أن يتوقع عددا من التحولات التى ستقع فى المؤسسات والممارسات الثقافية مما يجب فهمه فى إطار التحولات السياسية الراهنة التى تكشف عن صعود التيارات الدينية بأطيافها المختلفة مع ضعف تأثيرات القوى المدنية فى المجتمع. وللناظر أن يتوقع أفول عدد من المؤسسات الثقافية الرسمية التى تعانى فى مرحلة ما بعد الثورة من حالة من التيه الناتج عن عدم إدراكها أنها لا تصلح للتعامل مع الواقع الحالى، ولذا تحاول التمسك بخيوط الحياة الواهنة كما تحاول أيضا تغيير أو تعديل بعض أوجه نشاطها لكن التجربة تكشف عن أنها ستغادر الواقع أو ستتحول إلى أداء أدوار جديدة تقلص من تأثيرها فى الواقع الثقافي. ويمكن للمرء أن يستثنى من هذا بعض مؤسسات النشر والترجمة، كما يمكنه أيضا أن يؤكد أن أهم المؤسسات الثقافية الرسمية – أعنى الهيئة العامة لقصور الثقافة - يُنتظر منها أن تؤدى دورا أكثر فعالية فى التنوير والتبصير بثقافة حقيقية، وإن كان من حق المتابع أن يخشى أن تحاصر أجهزة الدولة «الدينية» القادمة هذه المؤسسة وغيرها لأن الخطر الكامن فى الدولة القادمة يكمن فى تقليص معنى الثقافة لتصبح قاصرة على الجانب الدينى، والضيق بتوجهات التيارات التى لا تنسجم مع رؤاها الضيقة. سيؤدى إحساس الفنانين فى مجالات الإبداع المرئى كالسينما والمسرح والمسلسل التليفزيونى بقيود الرقابة المعلنة وغير المعلنة إلى تقديم إبداعات جديدة تستجيب لهذه القيود، على حين أن البعض سيقاوم، ولكن المقاومة لن تستمر طويلا فالدولة القادمة تملك أدوات متعددة للضبط والإقصاء والتهميش وتهييج الأغلبية محدودة المعرفة والثقافة مما سيخلق نوعا من الرقابة الواسعة على حركة الإبداع. ستحدث تحولات فى الكتابة الأدبية، سينصرف جانب منها إلى رفض الواقع الجديد لاسيما حين تتجلى سلبيات السلطة الجديدة وتعثرها فى إحداث نهضة حقيقية تغير الأوضاع المتردية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. وفى المقابل ستظهر اتجاهات داعية إلى الكتابة التعليمية والأخلاقية المباشرة وستجد دعما كبيرا من مؤسسات السلطة. سيظل الأمل فى صيانة مسارات الحرية أمام الإبداع الأدبى والفكرى والنقدى والفنى وفى مختلف مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية مرهونا بقدرة المؤسسات الثقافية الأهلية على الدفاع عن حقوق المثقفين وحرية الكتابة والإبداع. قد تبدو معظم التوقعات قائمة على رؤية متشائمة لكن يظل تحرير وسائل الاتصالات فى عصر العولمة عاملا رئيسيا فى قدرته على فتح آفاق متسعة للتعبير والتواصل الحر. ولعل هذا ما يحسُن بالسلطة الجديدة أن تدركه جيدا.
موسم الهجرة الي «الكوميكس» و«الجرافيك» و«ثورة الاشعار»
نعمة عز الدين
في تلك اللحظة التاريخية الفارقة من تاريخ مصر المحروسة حيث كثرت الفتن وتعددت الفتاوي التي تفتش في القلوب قبل العقول وتستحل الكرامة الانسانية بدافع تقوي الله وتعيد محاكم تفتيش جديدة غسل العالم يده منها منذ سنوات بعيدة تتلصص علي ماوراء الابواب وتتغول علي حرية العباد والبلاد يأتي العقل المبدع الفنان والكاتب والشاعر ليشحذ الهمم ويكتب في حب مصر احلي اشعار المقاومة ويرسم الفنانون علي الحوائط والجدران نشرات ثورية يومية تطالب بماوعدت به ثورة 25 يناير من «عيش .. حرية .. كرامة انسانية» مازال يقف الشاعر «أمين حداد « في كل ميدان في مصر ينشد:
شايف طريقي من الوطن للجنة
تحسبن انني سأموت
أنا عند ربي أرزق مع الشهداء .
هل سيتوقف القلم الرشيق عن رسم الخطوط النحيفة الغاضبة والساخرة التي تكشف فساد النظام وتعطي للمستضعفين حقهم الطبيعي في السخرية من حكامهم ففن الكاريكاتير الثائر هو تعبير مكثف عن روح الثورة أوكما يؤكد الفنان جمعة في أحد حواراته علي: أن الكاريكاتير في جرائد المعارضة كان يعبر بشكل قوي عن تزاوج السلطة ورأسمال رجال الأعمال مما أشعل مشاعر الكثير من الناس وزاد من حالة السخط علي النظام وأركانه أما بعد الثورة فما زال الكاريكاتير يعبر عن أهداف الثورة التي لم تتحقق بعد ولكن من أهم مكتسبات الثورة كسر حاجز الخوف من النظام القمعي الديكتاتوري الذي ساد في الفترات السابقة لكن بفضل الثورة المجيدة تخلصنا منه إلي غير رجعة.
يؤكد الباحث «سعد محمد رحيم» علي طغيان سلطة الصورة في السنوات القادمة مع وضع المثقف العربي في قلب الحدث مشاركاً أطرافاً اخري في صناعة مستقبل الوطن فيقول :
إذا قلنا إن مثقفي القرن العشرين العرب ينتمون، في أغلبهم، لتقاليد عصر الحداثة وثقافته، من خلال حضورهم الكاريزمي، الفكري والإبداعي والمعنوي، فإن عصرنا الحالي ما بعد الحداثي لا يتيح لهم الأدوار نفسها والتأثير نفسه. ولسنوات طويلة كانت الكلمة هي السلطة في الشارع السياسي. غير أن الأمر تبدّل الآن، وأول سمة للثقافة ما بعد الحداثية هى طغيان سلطة الصورة. فالحدث تصنعه الصورة التليفزيونية، ولولا التليفزيون وصوره لما اكتسبت الثورات الشبابية هذا الزخم والقوة ونَفَس المطاولة كله، والذي فاجأنا جميعاً.
كانت الصحيفة والمجلة والكتاب، ومن ثم الإذاعة المسموعة، وسيلة المثقف لقول كلمته، وعبرها أداء دوره. أما اليوم فإن من يقوم بالمهمة هي الصورة العابرة للقارات، وتقف وراء إنتاج هذه الصورة أشخاص ( مثقفون ) ومؤسسات ( ثقافية وإعلامية ) غير أنه المثقف بمعايير وملامح مختلفة، والمؤسسات التي هي ذات آليات عمل ووسائل تقنية وسياسات لا تشبه بأية حال ما كانت عند المؤسسات الثقافية التقليدية.
إن الصورة تُنقل مباشرة، ساخنة وحية، عارضة الحدث التاريخي في لحظة وقوعه، وبهذا فهي تهيّج العواطف والانفعالات قبل أن يتمثلها العقل التأملي التحليلي. إن صورة تعرض عن احتجاجات آلاف الناس في ساحة ما ستحفز آلافاً، ومئات آلاف أخرى، على الخروج والمشاركة، وهذا ما نقصده بالقول؛ إن الصورة لا تنقل الحدث فقط وإنما تشارك، بالأحرى، في صنعه. غير أن الصورة نفسها غير بريئة تماماً، وغير حيادية على الإطلاق، وإنما هي منتقاة في كثير من الأحيان وممنتجة. وثمة حسابات سياسية وإيديولوجية في تحديد زمان ومكان بثها. أي أنها بعبارة أخرى صناعة ثقافية، وعمل مثقفين يؤدون دوراً جديداً غير ذاك الذي عودنا عليه مثقفو الحقب السابقة أصحاب الكلمة. بيد أن وظيفة الكلمة لم تنته بعد، ولن تنتهي أبداً، وستبقى اللغة أداة لا غنى عنها لنقل المعارف والأفكار وللتواصل الاجتماعي بين البشر وتأسيس ثقافتهم وتمثيل تجاربهم وخبراتهم، وتدوين تاريخهم.
إن أداة الثقافة أصبحت أكثر تعقيداً؛ وهي الآن نسيج متشابك من الكلمة والصورة والتقنيات والوسائط، تمتزج وتتآلف وتتفاعل، بهذا القدر أو ذاك، تبعاً للمقاصد وللاستراتيجية المستخدمة في إنشاء الخطاب (السياسي، الإعلامي، الثقافي). وهو خطاب يتجه للتأثير في الرأي العام وإعادة تشكيله، ومحاولة توجيهه. غير أن من يتجه إليهم الخطاب ليسوا سلبيين في التلقي والتمثل، وهم يتساءلون ويتشككون ويحاورون.. إن وسائط الإعلام وقنوات الثقافة الحديثة هي مجالات لديمومة حوار بين أطراف شتى. والمثقف ليس سوى طرف واحد في هذا الحوار، يعتمد مدى تأثيره على سعة معارفه وبُعد تفكيره وقوة حججه وأسلوبه في القول والعرض، وحضور شخصيته في المشهد العام.
يتورط المثقف بالسياسة من اللحظة التي منها يبدأ بالاهتمام بقضايا المجتمع، أو من اللحظة التي منها يفكر أن يخلق خطاباً موجهاً للمجتمع. وليس شرطاً أن يمارس لعبة السياسة مباشرة.. إن وجوده في الجسم الإعلامي والثقافي، وقيامه بوظيفته الفنية أو الأدبية أو الفكرية أو الإعلامية يمنحه فرصاً أكبر لأداء دور مؤثر في السياسة. وأن دخول كثير من الفنانين والكتّاب والإعلاميين في حوارات وسجالات الناس، لاسيما الشباب، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ناهيك عن مشاركتهم الفعلية في نشاطات الاحتجاج، يضعهم في القلب من الحدث، ويعطيهم شرف المشاركة في صنعه.
في عام 2009 نشر مجدي الشافعي ثمرة جهد عمل أكثر من خمس سنوات، أول رواية مصورة (جرافيك نوفل) باللغة العربية للكبار وحملت عنوان «مترو»... كانت تدور حول مهندس كمبيوتر شاب يشعر باليأس من المستقبل المغلق أمامه، فيقرر أن يسرق بنكاً ليجد نفسه وسط مؤامرة فساد كبري متورط فيها عدد من رموز الحزب الحاكم ،الأمر الذي يعرضه لبطش هذه المجموعة. وفي الخلفية يرسم مجدي رؤية بصرية لشوارع وأنفاق «مترو» القاهرة.
تم الاحتفاء بالرواية فور صدورها وحققت نجاحاً نادراً في سوق الكتاب العربي، وتم ترجمتها لعدد من اللغات الأوروبية، لكن كل هذا لم يمنع مباحث الآداب في مصر من مصادرة الرواية بتهمة احتوائها على ألفاظ ومشاهد خادشة للحياء. كان المقصود بتلك الألفاظ حوار يدور بالعامية المصرية، بين أحد شخصيات الحزب الحاكم الشهيرة ومساعده، ومشهد حب بين بطل الرواية وصديقته. وبعد سلسلة طويلة من المحاكمات تم الحكم نهائياً بمصادرة الرواية وتغريم كل من مجدي الشافعي مؤلف الرواية ومحمد الشرقاوي صاحب دار النشر التى قامت بنشر الرواية مبلغ وقدره 5 آلاف جنيه.
أثارت رواية مجدي المياه الراكدة وفتحت الباب رغم قرار المصادرة لتطور فن الكوميكس الموجهة للكبار. حيث كان «الكوميكس» في المشهد الثقافي المصري يقتصر على تلك القصص الموجهة للأطفال فقط ،أو الرسومات الكاريكاتورية ذات الكادر الواحد.
حاول مجدي التوسع في نشر ثقافة الكوميكس من خلال العمل في ورش إبداعية مع فنانين وكتاب شباب، وجذبت الورش التى نظمها مجدي بالتعاون مع عدد من المراكز الثقافية والأجنبية كمركز جوته اهتمام الكثير من الكتاب والفنانين الشباب، لكن ظلت تلك الخطوة غير مكتملة فالأعمال التى يتم انجازها في تلك الورش يظل مكانها الأدراج ولا تجد فرصتها في النشر،من هنا ولدت مبادرة مركز هشام مبارك الحقوقي مع مجدي الشافعي لإصدار مجلة «الدشمة» كمجلة كوميكس حقوقية.
صدر العدد الأول من «الدشمة» بعد ثورة 25 يناير حيث احتوى على عدد من القصص التى توظف الخيال وتراث «الكوميكس» العالمي في أجواء مصرية، حيث البطلة الخارقة تدافع عن حقوق العاملين التى تحاول إدارة الشركة الاستيلاء عليها.
«الدشمة» ليست التجربة الوحيدة في مجال الكوميكس، فهناك مجلة «توك توك» والتي صدر العدد الأول منها قبل ثورة 25 يناير.
لقيت تجربة «توك توك» اهتماماً جماهيرياً، حيث تميزت بلغتها المصرية الخالصة التى تظهر من اسم المجلة الذي يعنى الاسم المصري للدراجات النارية الهندية التى بدأت تنشر في شوارع مصر منذ بضع سنوات. لهذا حملت المجلة شعار «بين ضواحى القاهرة الزحمة، وشوارعها الرئيسية، «التوك توك» ماشى بركابه مع أفكارهم وخلفياتهم المتنوعة! كل واحد ومشواره».
لم تقدم «توك توك» لغة مختلفة تروى بها القصص فقط بل أيضاً تنوعت الرسومات والتيمات البصرية بسبب تنوع الخلفيات الفنية للفنانين المشاركين. وينعكس هذا على شكل وطبيعة القصص المقدمة ما بين تلك التى تأخذ يوميات فتاة تحاول قيادة سيارتها في شوارع القاهرة المزدحمة، إلى شرائط الفنان «مخلوف» المصورة التى تتميز بحسها الفكاهى حيث يتحول رجال الأعمال الفاسدون إلى لاعبي كرة قدم في مباراة للفوز بالكرة «ثروة البلد».
أحد تجليات ثورة 25 يناير الفنية والثورية الكبرى، كان ولا يزال انتشار فن الجرافيك، وبالضبط كما انطلقت الثورة فى الشوارع محطمة كل القيود، ملأت مشاهد الجرافيك جدران البيوت والعمارات فى كل مكان فى مصر، مشاهد من الثورة ومشاهد للشهداء ومشاهد لأعداء الثورة ولقتلة الشهداء والثوار، وتحتها أسماؤهم بشجاعة لا تظهر إلا فى الثورات العظيمة، كل جدران ميدان التحرير والشوارع حوله صارت لوحات فنية لشباب من الفنانين يصعب حصر أعدادهم وأسمائهم، وستجد ذلك فى كل مكان فى مصر يمكن أن تتسع فيه الرؤية للعابرين،
من الهرم حتى مصر الجديدة ومدينة نصر، وكذلك فى المدن الأخرى مثل الإسكندرية، فأنت على الكورنيش تمشى وجوارك مشاهد الجرافيك التى عبر بها الثوار عما قلته من قبل، صارخة بالاحتجاج على ما فعله أعداء الثورة وفاضحة لأقطابهم وتحتها وفوقها وحولها شعارات تلخص أهداف الثورة بشكل بسيط وحاسم، وتصف كل شخص بما يليق به وما يتناسب مع أفعاله، وهكذا بعد أن ملأ شباب مصر الفضاء على الإنترنت بالثورة، ملأوا الميادين والشوارع بالثورة أيضًا، فضلاً على فعل الثورة نفسه التى خرجوا إليها يطلبون النصر أو الشهادة دون أى حسابات مسبقة، غير رفعة وكرامة الوطن، والمعارك القادمة كثيرة، وسيظل الجرافيك صرخة الفن العظيم يملأ جدران بلادنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.