بعد غلق التسجيل اليوم.. متى تعلن نتيجة تنسيق المرحلة الثانية 2025؟    «التعليم العالي»: اليوم الفرصة الأخيرة لتنسيق المرحلة الثانية    قروض السلع المعمرة بفائدة 26%.. البنوك تتدخل لتخفيف أعباء الصيف    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال يوليو    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في عطلة الصاغة الأسبوعية الأحد 10 أغسطس 2025    «بيت التمويل الكويتى- مصر» يطلق المدفوعات اللحظية عبر الإنترنت والموبايل البنكي    تعرف على أعلى شهادة ادخار في البنوك المصرية    الضرائب: 12 أغسطس آخر موعد لانتهاء التسهيلات الضريبية    حقائق جديدة حول اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل يكشفها وزير البترول الأسبق    إعلام فلسطيني: قصف إسرائيلي يستهدف خان يونس وشرق غزة ومخيم النصيرات    صواريخ مصرية- إيرانية متبادلة في جامعة القاهرة! (الحلقة الأخيرة)    إن بي سي نيوز: البيت الأبيض يبحث دعوة زيلينسكي لزيارة "ألاسكا"    مصادر مطلعة: مصر تبحث «صفقة شاملة» لوقف النار في غزة    البحرين ترحب بتوقيع اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا برعاية أمريكية    موعد مباراة الأهلي المقبلة في الدوري بعد التعادل أمام مودرن سبورت    ريبيرو: كنا الأفضل في الشوط الثاني.. والتعادل أمام مودرن سبورت نتيجة طبيعية    " مركز معايا ".. تفاصيل مشاهدة زيزو وحكم مباراة الأهلي ومودرن سبورت (فيديو)    أمير هشام: الأهلي ظهر بشكل عشوائي أمام مودرن.. وأخطاء ريبيرو وراء التعادل    20 صفقة تدعم كهرباء الإسماعيلية قبل بداية مشواره في الدوري الممتاز    موعد مباراة الهلال ضد آراو الودية.. القنوات الناقلة والمعلق    ننشر أسماء المصابين في حريق محلات شبرا الخيمة    طقس مصر اليوم.. ارتفاع جديد في درجات الحرارة اليوم الأحد.. والقاهرة تسجل 38 درجة    بحضور جماهيري كامل العدد.. حفلا غنائيًا ل "حمزة نمرة" بمكتبة الإسكندرية    لهذا السبب.... هشام جمال يتصدر تريند جوجل    التفاصيل الكاملة ل لقاء اشرف زكي مع شعبة الإخراج بنقابة المهن التمثيلية    لا تبخل على صحتك.. حظك اليوم برج الدلو 10 أغسطس    محمود العزازي يرد على تامر عبدالمنعم: «وعهد الله ما حصل» (تفاصيل)    شيخ الأزهر يلتقي الطلاب الوافدين الدارسين بمدرسة «الإمام الطيب»    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    من غير جراحة.. 5 خطوات فعالة للعلاج من سلس البول    يعاني ولا يستطيع التعبير.. كيف يمكن لك حماية حيوانك الأليف خلال ارتفاع درجات الحرارة؟    الشرطة البريطانية تعتقل أكثر من 470 مناصرا لحركة "فلسطين أكشن" (صور)    دعاء الفجر يجلب التوفيق والبركة في الرزق والعمر والعمل    مصدر طبي بالمنيا ينفي الشائعات حول إصابة سيدة دلجا بفيروس غامض    مصرع وإصابة طفلين سقطت عليهما بلكونة منزل بكفر الدوار بالبحيرة    مراد مكرم: تربيت على أن مناداة المرأة باسمها في مكان عام عيب.. والهجوم عليَ كان مقصودا    وزير العمل: غرامة تصل إلى 200 ألف جنيه للأجنبي الذي يعمل بدون تصريح بدءا من سبتمبر    خالد الجندي: أعدت شقة إيجار قديم ب3 جنيهات ونصف لصاحبها تطبيقا للقرآن الكريم    مصادر طبية بغزة: استشهاد أكثر من 50 فلسطينيًا 40 منهم من منتظري المساعدات    طلاب مدرسة الإمام الطيب: لقاء شيخ الأزهر خير دافع لنا لمواصلة التفوق.. ونصائحه ستظل نبراسا يضيء لنا الطريق    حكيمي: أستحق حصد الكرة الذهبية.. وتحقيق الإحصائيات كمدافع أصعب كثيرا    القبض على بلوجر في دمياط بتهمة التعدي على قيم المجتمع    جنايات مستأنف إرهاب تنظر مرافعة «الخلية الإعلامية».. اليوم    هل هناك مد لتسجيل الرغبات لطلاب المرحلة الثانية؟.. مكتب التنسيق يجيب    أندريه زكي يفتتح مبنى الكنيسة الإنجيلية بنزلة أسمنت في المنيا    سهام فودة تكتب: أسواق النميمة الرقمية.. فراغ يحرق الأرواح    ترامب يعين «تامي بروس» نائبة لممثل أمريكا في الأمم المتحدة    أمين الجامعات الخاصة: عملية القبول في الجامعات الأهلية والخاصة تتم بتنسيق مركزي    "حب من طرف واحد ".. زوجة النني الثانية توجه له رسالة لهذا السبب    منها محل كشري شهير.. تفاصيل حريق بمحيط المؤسسة فى شبرا الخيمة -صور    يسري جبر: "الباء" ليس القدرة المالية والبدنية فقط للزواج    نرمين الفقي بفستان أنيق وكارولين عزمي على البحر.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    توقف مترو الأنفاق وإصابة 4 أشخاص.. تفاصيل حريق محلات شبرا الخيمة -آخر تحديث    ما تأثير ممارسة النشاط البدني على مرضى باركنسون؟    أفضل وصفات لعلاج حرقان المعدة بعد الأكل    أفضل طرق لتخزين البطاطس وضمان بقائها طازجة لفترة أطول    الدكتور محمد ضياء زين العابدين يكتب: معرض «أخبار اليوم للتعليم العالي».. منصة حيوية تربط الطلاب بالجماعات الرائدة    رئيس الوزراء يوجه بالاهتمام بشكاوى تداعيات ارتفاع الحرارة في بعض الفترات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبرز ظواهر العام:
ثورة ميدان »الكوميكس«!
نشر في أخبار الأدب يوم 31 - 12 - 2011

في أول أيام يناير الماضي، انتشر علي جدران وسط البلد ملصق لا يخلو من قتامة، يحتله رسم نصفي، لأمين شرطة متجهم منكفئ بعينيه علي دفتر مخالفاته، وقد انهمك في تسجيل مخالفة. كان علي من أيقظه فضوله أن يقترب قليلاً، ليتعرف علي "اللوجو" المشهر فوق الرجل المتجهم: "توك توك".. وليطالع بخط أصغر، تفسيراً لا يقل غرابة عن الاسم: "محطة القصص المصورة".
التناقض الدلالي تم التعبير عنه بذكاء، بين العلامة، "توك توك"، التي تحيل مباشرة للعشوائية المقلقة للنظام، لخرق قانون المرور السياسي والفني، للأطفال الذين يتولون القيادة "الجمالية" بدلا عن "الكبار"، دون "رخصة" من مؤسسة، وبين الصورة، التي تجسد السلطة، وهي تسجل عقابها المنتظر ضد المخالفة "الجمالية".
كانت الحوائط الفقيرة مكان الدعاية المتاح، الذي لن توفره الأحياء "النظيفة".. وفي التاسع من يناير، اكتظ الشارع الضيق المواجه لتاون هاوس بشباب اصطفوا ليشتروا النسخ الأولي من المجلة الواعدة في حفل توقيعها، يستنشقون الهواء المتوتر لمدينة مختنقة متحفزة، ستندلع ثورتها بعد نحو أسبوعين.
كانت "توك توك" إذن تفتتح العام، حالمة ب"زحمة من القصص المصورة" كما أكد أصحابها في افتتاحية العدد.. زحمة ما لبثت أن تحققت، سواء بتوالي الصدور المنتظم للمجلة، (أربعة أعداد حتي الآن) أو بظهور تجارب "صديقة".
قبل أن ينتهي العام، كان سوق الكتاب، الراكد علي مستوي الأنواع الأدبية المتعارف عليها، قد استقبل مجلة أخري، وروايتين، ومجموعة قصصية، بل وديوان، تنتمي كلها لفن الكوميكس.
كأن الثورة حررت "الكوميكس"!.. فعام الثورة أكد علي حضور "الفن التاسع"، أو علي ضرورة حضوره، في سياق"فن شعبي" تتطلبه اللحظة، وتسمح برواجه.. مثلما فعل العام المختلف الشئ نفسه مع الجرافيتي. هكذا قدم الكوميكس نفسه في عام الثورة، بطلاً بعد أن كان ضيف شرف في السنوات القليلة الماضية، عبر كل الأشكال المتاحة، مقدماً تنوعاً كبيراً، وتراوحاً أيضاً في الجودة بطبيعة الحال.
علينا أن نلتفت لعدة ملحوظات دالة.. فكل هذه الأعمال صدرت إما عن دور نشر خاصة أو بجهود صانعيها، وأغلب هؤلاء في العشرينيات من العمر أو في مطلع الثلاثينيات، ومن يعملون بالصحافة منهم، ينتمون لصحف مستقلة.. إجمالاً، نحن أمام صناعة لا مكان فيها للشيوخ أو المؤسسات الرسمية، وأعتقد أن بقاءها هكذا سيكون أمراً جيداً ومطلوباً، لكي يظل هذا الفن الجاد خارج التدجين والأرواح التقليدية.
صورة مدينة ترانا ولا نراها
في العدد الأول من مجلة "توك توك"، دشن "التكتكيون" مطبوعتهم، راسمين فلسفتهم: " في ضواحي القاهرة الزحمة وشوارعها.. التوك توك ماشي بركابه.. وكل واحد مشواره.. تعمل توك توك علي تكوين زحمة من القصص المصورة، مرسومة بروح حرة ومعاصرة، ومحررة بأيدي رساميها أنفسهم".
شناوي، مخلوف، هشام رحمة، أنديل، توفيق.. مؤسسو المجلة وممولوها، أهدوا العدد الأول من محطتهم لروح الفنان الكبير محي الدين اللباد، الذي يبدو تأثيره واضحاً علي روح المطبوعة، التي استفادت من تجربته الثرية، وبالذات فيما يخص تطوير الخبرات الطباعية للرسام .
توك توك بدت لي بالفعل مجلة المدينة، لكن المدينة "غير الرسمية"، مدينة الشوارع الضيقة والعشوائيات المنسية والزحام.. مدينة الوجوه الكالحة المعروقة والأحلام البسيطة المغدورة. لا مكان في توك توك للبطل المنتصر، لا وجود للسوبر هيرو. "التوك توك"، ذلك الكائن العشوائي الصغير، يواجه، بتحركاته المربكة غير المتزنة، بمراهقته النزقة، السيارات الفارهة والشاحنات الضخمة.
النقد الاجتماعي والسياسي هدف مباشر للمجلة كما يتضح في جل نصوصها المتعالقة بعمق بالواقع المصري. الثورة المصرية، التي أهدي العدد الثاني من المجلة لها، "لأرواح الشهداء وأبطال مصر الشجعان"، هي محور العديد من القصص، بمعالجات مختلفة، وكذلك اللغط السياسي في الشارع، من إشكاليات الحكم العسكري، والدستور، والانتخابات البرلمانية والرئاسية، كل هذه موضوعات حاضرة في المجلة، المنحازة في النهاية للفرد الهامشي والمنسي، المتسائل، والذي يفشل مرة بعد أخري في الحصول علي إجابة حقيقية.
كذلك تستلهم المجلة شخصية شهيرة هي "السنافر"، ليعاد تمصيرها، من خلال "مخلوف"، الذي يجعل السنافر هم المصريين، بكل طوائفهم وانتماءاتهم، فيظهر سنفور المثقف، وسنفور المواطن، وسنفور الإسلامي، وسنفور العسكري.... إلخ. وتخصص المجلة في كل عدد بورتريه لمطرب ثوري، مثل الجزائري "أمازيغ كاتب"، والمالي "تكن جاه فاكولي، بما يؤسس لذائقة خاصة في الغناء الثوري.
المجلة لم تغفل "آبائها الشرعيين"، مؤكدة انحيازاتها لمن يصلحون "آباء" لدمها الشاب. العدد الأول، أهدي إلي محي الدين اللباد، وخصص له ملفاً.. واستقبل العدد الثاني المجلة ملفاً لحجازي ولعمله الملهم "تنابلة السلطان" الذي كان رائداً في تأسيس كوميكس مصري، أما العدد الثالث، فشهد الاحتفاء بأب أكثر شبابا، وربما لا يلتفت له الكثيرون، هو "خالد الصفتي" وتجربته "فلاش" التي أثرت في قطاع عريض من رسامي الكوميكس اليوم، ممن قرأوه أطفالاً في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
العدد الرابع من توك توك، تجرأ ليستفز قارئه، أو ليواجهه بما يجب أن يكونه إن أراد أن يكون "تكتكياً"، عبر "استيفا" دشنت للعدد: "عارف هترشح مين في دايرتك؟ جددت بطاقتك الشخصية؟ دبحت في العيد؟ دورت ع الجزمة مع اللي دوروا؟ شيرت أي فيديو ع الفيس بوك؟ شفت فيلم تان تان؟ لو كانت معظم إجاباتك لأ، برجاء إعادة هذا العدد للبائع، علشان كدة هتبقي من القوم التانيين". ورغم أن معظم إجاباتي جاءت ب"لا"، إلا أنني لم أعد العدد للبائع، وقرأته كالمنبوذ!.

اعرف حقوقك
الدشمة هي أول مجلة في الدنيا يصدر عددها الثاني دون أن يصدر منها عدد أول!.. السبب، كما أعلنه صناعها، هو أنهم كانوا أعدوا عددها الأول، لكنه لم يصدر بسبب قيام الثورة.. وبعد نجاحها، كان لابد وأن يصدر عدد جديد. الملفت، أن جهة إنتاج المجلة هي "مركز هشام مبارك للقانون ".. وهو مؤشر بالغ الأهمية علي قدرة الكوميكس علي التعريف والتأثير فيما يخص حقوق الإنسان، والتفات جهة قانونية حقوقية لذلك.
أحد مؤسسي المجلة هو "مجدي الشافعي"، صاحب الرواية المصورة "مترو" التي تعرضت لمتاعب كثيرة في عهد النظام السابق، انتهت بمصادرتها ومقاضاة صاحبها. كذلك ضمت المجلة عدداً من الكتاب القادمين من منطقة الأدب، مثل "نائل الطوخي" و"أحمد ناجي"، أما ما يحسب للتجربة بشكل حقيقي، فهو تقديم أسماء جديدة في مجال الكوميكس، ومن خارج القاهرة، فحضر فنانون من الإسكندرية والإسماعيلية والشرقية.. وهو مؤشر جيد علي توسيع رقعة المشتغلين في فن الكوميكس، خاصة وأن أغلب ورش الكوميكس وفعالياتها تقتصر حتي الآن علي العاصمة.
خروج مجلة علي هذا النحو من جهة حقوقية، يأتي في ظني كخطوة حقيقية لتقريب المسافة بين الشارع والمبادئ الحقوقية غير الموجودة حتي علي مستوي التعاملات بين الناس، عبر عمل فني مسل وممتع. الأمنية الوحيدة لدشمة أن تنتظم في الصدور، حتي لا نضطر لقراءة العدد الرابع قبل صدور الثالث!
خارج السيطرة
قبل عدة أشهر، اجتمع 19 كاتب ورسام علي قلب فنان واحد، مؤسسين لورشة عمل بعنوان "كادرات". كان الهدف الخروج بعمل جماعي، مشروع متسق له رؤية وتصور عن القصة المصورة، لكنه لا يلغي التنوع. بعد عدة أشهر من العمل خرج كتاب يحمل عنواناً دالاً: "خارج السيطرة". أفضل ما في المسألة أن الورشة عملت منذ البداية مع الناشر "فاطمة البودي" والمحرر العام للكتاب، "أشرف يوسف"، بحيث يتحقق التكامل بين العناصر مبكراً.
الغلاف سواد سادر، ما يوحي بعالم قاتم، لا يعد بالبهجة المتوقعة لكتاب قصص مصورة.. ولا يحتفي بالرسم علي صدره، رغم أن الرسم هو بطل الكتاب. اكتفي الغلاف بتفصيلة صغيرة للرسام هشام رحمة، قبعت علي استحياء في قاع الغلاف. العنوان المكتوب بالأصفر وبيانات الكتاب المكتوبة بالأبيض، مع الخلفية، انحازت لتقشف لوني واضح، هو في الحقيقة موقف جمالي.. فليس الكوميكس غابة من الألوان، لكنه استغلال عميق لرقعة ألوان المحدودة، تظل قادرة علي إعادة رسم العالم غير المتسق في ألوانه المبهرجة.
العالم الموزع علي القصص في الكتاب، هو بالفعل عالم قاتم، يحتله أشخاص ضائعون: مجانين ومساجين، أشخاص هامشيون مسحوقون. المثير للملاحظة في نصوص الكتاب، أنها كلها استُبِقت بتصديرات، لكتاب وفلاسفة وفنانين، كأنها أرادت التأصيل الفكري والفلسفي لعوالمها، وربط القصص التي قد تبدو بسيطة في ظاهرها بمعان أبعد. إنه ولع بالتأصيل، عبر الأفكار المجردة، القادمة من عالم اللغة الطبيعية، للعالم التشخيصي المتجسد الذي تعكسه الصورة. من هذه التفصيلة تجلت إحدي معالم "الورشة" أو الاشتغال الجماعي علي الأفكار، بمحاولة قراءتها أولاً ثم تحويلها لحكايات مرسومة. إنه تأصيل آخر، ربما، لفكرة أن الكوميكس ليس فقط فنا "خفيفا" هدفه التسلية والإمتاع، لكنه قادر علي التفاعل مع عدد من الأسئلة الوجودية المشتبكة بالأسئلة المجتمعية والسياقية المباشرة.
تبدو قصة "السجن" التي كتبها ورسمها "هشام رحمة" في ظاهرها مجرد نص كابوسي لشاب سجين يحلم بالخروج من محبسه، وعندما ينجح، يقرر الهرب من مصر علي سفينة، فيغرق. قصة يعرفها واقعنا الحزين جيداً، لكن النص في الحقيقة تعامل مع النص بعدد من الآليات عمقت أبعاده الفنية. فالعالم السوداوي الذي نجح "رحمة" في رسمه، اتخذ شكل العبث، وبدا "كافكاوياً" في إعتامه، بحيث يقدم السجين ببساطة طلبا للخروج. النص يمنح السجن بعدا فلسفيا، عبر صوت يعلق علي المشهد الأول" سهل قوي انك تتخلق جوه السجن لكن صعب إنك تخرج منه.. زي ما كل حاجة وليها ريس.. كمان السجن ليه ريس.. قاعد فوق.. واحنا تحت ملناش علاقة بالريس اللي فوق". ثمة بعد ميتافيزيقي هنا، يحيل إلي الدنيا كسجن، إلي السلطة البوليسية كسلطة إلهية، الفرد سجين الدنيا يبدو متورطاً في محاولة يائسة للهرب من إلهه، تنتهي حتماً بالموت.
علي جانب آخر، حضر تيار أكثر انخراطاً في الحياة الواقعية للمصريين، يدلف مباشرة إلي مشكلات كالفقر والبطالة وعلاقات العمل الجائرة.. وبحيث جاءت التجربة إجمالاً منفتحة علي السياقين الكبيرين اللذين يحياهما الفرد، سياق الوجود الداخلي الذي يتوهم العالم، والوجود الخارجي الذي يحول الفرد الواقعي نفسه إلي وهم.

قصائد في بالونات
قبل أيام، ظهر علي أرفف المكتبات غلاف ملفت، لا يشك من يراه أنه لكتاب كوميكس، فهو يضم "كادرين" مرسومين، ويتمتع بقطع مميز، لكن الكتاب في الحقيقة عبارة عن "ديوان مصور". "لاعبيني والاعبك"، كما يعلن الغلاف، " قصايد كوميكس مصري"، للشاعرة "أماني سعيد محفوظ، أصدرته دار العين، والتي يبدو أنها بدأت تولي اهتماماً خاصاً بالكوميكس.
القصائد، تتبني منطق النقد الاجتماعي والسياسي بروح تقترب أحياناً من الزجل وأحيانا أخري من الأغنية. الثورة وأجواؤها ممثلة في قصائد عديدة، مثل "غزوة بغال" التي تتناول بحس نقدي لاذع وساخر موقعة الجمل، وغيرها.
لست هنا بصدد تحليل عميق للقصائد نفسها وجمالياتها، أو درجة "شعريتها" المتراوحة بين قصيدة وأخري، لكن الأهم بالنسبة لي في هذا السياق هو طبيعة المغامرة نفسها، وإلي أي مدي نجحت في تقديم تجربة "عضوية" في اشتباك النص الشعري المكتوب بالنص البصري المرسوم. بالتأكيد ثمة جهد واضح في مواءمة العالم البصري للقصائد المكتوبة، واختيار "الكاركترات" التي تخرج القصائد من بالونات علي ألسنتها.. لكن بدا لي في المجمل أن هناك نوع من الانسجام المفتقد علي مستوي الشخصية الفنية الأشمل للعمل البصري. الحالة "التجميعية" لرسوم عالمية من قصص كوميكس شهيرة مثل "تان تان" و"أليس في بلاد العجائب" وغيرها قلصت كثيراً من خصوصية التجربة "المصرية" والمكتوبة "بالعامية" بالذات.. وكان من الأفضل من وجهة نظري إعداد الكتاب فنياً عبر رسام مصري ينقل روح القصائد عبر أسلوب واحد، ويسعي ليس فقط للعثور علي معادلات بصرية من خارج النصوص، لكن لخلقها من داخلها، ولتعميق البنية الدرامية للقصائد عبر سيناريوهات حقيقية.
81يوما.. وروايتان
روايتان مصورتان، تتناولان بشكل مباشر أحداث ثورة 25 يناير، وتشتركان، تقريباً، في العنوان نفسه. الرواية الأولي، "18 يوماً"، كتبها محمد هشام عبية ورسمتها حنان الكرارجي، وأصدرتها دار جديدة هي "كوميكس"، هي أول دار مصرية وعربية متخصصة في إنتاج الكوميكس، وهي خطوة جيدة في اتجاه إنتاج الكوميكس عبر ناشر متخصص. الرواية الثانية، " 18 يوم في التحرير"، كتبها "رامي حبيب" ورسمها "أحمد سليم"، وأصدرتها دار روافد. تتناول الرواية الأولي أربعة أشخاص نزلوا للميدان، كل منهم قادم من منطقة ثقافية مختلفة.. يوسف، أدهم المقيم بهولندا والذي يقرر العودة لمصر ويستشهد في التحرير، مريم الفتاة القبطية، ومسعد الشاب الإخواني. أراد عبية أن يحول فكرته الذهنية إلي شخصيات ناطقة وحدتها اللحظة الثورية. الرواية تحفل بحس تسجيلي واضح، وتوثق لأبرز الأحداث التي جرت خلال الأيام الثمانية عشر.. وحتي لحظة التنحي.. وأستطيع أن أتفهم ما فيها من مباشرة تسبب فيها الولع الواضح بالتسجيل، حيث يكاد الحس التسجيلي يطغي علي الحس الروائي الحقيقي. الأمر نفسه مع الرواية الأخري " 18 يوم في التحرير" المتشابهة في المعالجة "التسجيلية" للحدث، وإن اختلفت أسماء الأبطال.. ويعلن الغلاف الداخلي لها أن "تامر فتحي" تولي ترجمة الحوار فيها وصياغته، ما يعني أنها غير مكتوبة بالعربية في الأصل. المعالجة البصرية ربما صنعت الفارق الفني الأوضح بين العملين عبر اقتراحين للصورة. اتكأت رسوم حنان الكرارجي علي قدر واضح من التشخيص مع لمسات من التضخيم والتحريف لا تخلو من كاريكاتورية، خاصة مع التجسيد المباشر لشخصيات مثل حسني مبارك، زكريا عزمي، صفوت الشريف، علاء وجمال وسوزان، عمر سليمان، محمد البرادعي وغيرهم.. تاركة للشخصيات المتخيلة لمسة من أسلوب "المانجا" ياباني المنبع التي تميز الرسوم اليابانية. الرواية الثانية اتكأت بصرياً بشكل واضح علي الظل والنور، ورسم "أحمد سليم" الشخصيات والأماكن معتنياً بالبعد الثالث في الصورة، ما جعل شخصياته أقرب للشخصيات المصممة المجسدة، ومنح الأماكن قدراً من العمق.
في النهاية.. جاء مرور عام علي الثورة، ليدشن مرور عام حافل بالكوميكس.. فالحياة، أيضاً، قصة مصورة.. ناس تتكلم فتخرج من أفواهها "بالونات" معبأة بالكلمات.. تتحرك من كادر لآخر كأنها تخرج من سجن لآخر.. باحثة عن حريتها، رغم أنها في نهاية المطاف، لو خرجت من "البراويز".. ستخرج من المشهد.. ستغادر القصة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.