زيادة جديدة ب 400 للجنيه.. أسعار الذهب اليوم الإثنين بالصاغة وعيار 21 الآن بالمصنعية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأثنين 16 يونيو 2025    طهران تهدد بحرمان دول المنطقة من استخدام المنشآت النفطية الإيرانية    نشوة البداية وخيبة النهاية.. لواء إسرائيلي يكشف عن شلل ستعاني منه تل أبيب إذا نفذت إيران خطتها    اعتقال عميلين للموساد بحوزتهما متفجرات ومسيرات في إيران    القوات الإيرانية للمستوطنين: غادروا الأراضي المحتلة فورا فلن تكون صالحة للسكن    ترامب: آمل في التوصل لاتفاق بين إيران وإسرائيل.. وسندعم تل أبيب في الدفاع عن نفسها    سيميوني بعد رباعية باريس: الخصم كان حاسمًا.. وانتهيت من الحديث عن التحكيم    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    ميدو: أبو علي يتحمل مسئولية إهدار ركلة جزاء الأهلي أمام إنتر ميامي    إمام عاشور: ما حدث ليس غريبا على بيتي الأهلي.. وسأعود أقوى    نشرة أخبار الأهلي في أمريكا: صدمة تريزيجيه.. وغضب الخطيب وأزمة بن شرقي    «بيفكر في نفسه».. أحمد بلال يفتح النار على نجم الأهلي    فينيسيوس: نسعى للفوز بأول نسخة من مونديال الأندية الجديد    مصرع 4 أشخاص في حادث انهيار مدخنة مصنع طوب بالصف    وفاة تلميذ متأثرًا بإصابته بلدغة ثعبان في قنا    متابعة دقيقة من الوزير.. ماذا حدث في أول أيام امتحانات الثانوية العامة 2025    شركة مياه الشرب بكفر الشيخ تُصلح كسرين في خط مياه الشرب    رجال الأعمال المصريين الأفارقة تطلق أكبر خريطة استثمارية شاملة لدعم التعاون الاقتصادي مع إفريقيا    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    ختام فعاليات اليوم الأول من برنامج "المرأة تقود" بكفر الشيخ    سعر الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الإثنين 16 يونيو 2025    محافظ قنا يقود دراجة عائدًا من مقر عمله (صور)    خبير اقتصادي: مصر تمتلك الغاز الكافي لسد احتياجاتها لكن البنية التحتية "ناقصة"    مباريات كأس العالم للأندية اليوم الإثنين والقنوات الناقلة    بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد.. إنريكى: نسير على الطريق الصحيح    سمير غطاس: إيران على أعتاب قنبلة نووية ونتنياهو يسعى لتتويج إرثه بضربة لطهران    إعلام إيراني: إسقاط مسيرات إسرائيلية شمال البلاد    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 الترم الثاني محافظة القاهرة.. فور ظهورها    «بشرى لمحبي الشتاء».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الإثنين: «انخفاض مفاجئ»    تحريات لكشف ملابسات انهيار مدخنة مصنع طوب ومصرع 3 أشخاص بالصف    رصاص في قلب الليل.. أسرار مأمورية أمنية تحولت لمعركة في أطفيح    حريق داخل مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة    وزير الثقافة يشيد ب"كارمن": معالجة جريئة ورؤية فنية راقية    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    يسرا: «فراق أمي قاطع فيّا لحد النهارده».. وزوجها يبكي صالح سليم (فيديو)    علاقة مهمة ستنشئ قريبًا.. توقعات برج العقرب اليوم 16 يونيو    «الأهلي محسود لازم نرقيه».. عمرو أديب ينتقد حسين الشحات والحكم (فيديو)    حدث بالفن | وفاة نجل صلاح الشرنوبي وموقف محرج ل باسكال مشعلاني والفنانين في مباراة الأهلي    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    عانى من أضرار صحية وتسبب في تغيير سياسة «جينيس».. قصة مراهق ظل 11 يوما دون نوم    سبب رئيسي في آلام الظهر والرقبة.. أبرز علامات الانزلاق الغضروفي    لدغة نحلة تُنهي حياة ملياردير هندي خلال مباراة "بولو"    صحة الفيوم تعلن إجراء 4،441 جلسة غسيل كلوي خلال أيام عيد الأضحى المبارك    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    الثلاثاء.. تشييع جثمان شقيق الفنانة لطيفة    غرفة الصناعات المعدنية: من الوارد خفض إمدادات الغاز لمصانع الحديد (فيديو)    "نقل النواب" تناقش طلبات إحاطة بشأن تأخر مشروعات بالمحافظات    عرض «صورة الكوكب» و«الطينة» في الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    3 طرق شهيرة لإعداد صوص الشيكولاتة في المنزل    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    صحيفة أحوال المعلم 2025 برابط مباشر مع الخطوات    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبرز ظواهر العام:
ثورة ميدان »الكوميكس«!
نشر في أخبار الأدب يوم 31 - 12 - 2011

في أول أيام يناير الماضي، انتشر علي جدران وسط البلد ملصق لا يخلو من قتامة، يحتله رسم نصفي، لأمين شرطة متجهم منكفئ بعينيه علي دفتر مخالفاته، وقد انهمك في تسجيل مخالفة. كان علي من أيقظه فضوله أن يقترب قليلاً، ليتعرف علي "اللوجو" المشهر فوق الرجل المتجهم: "توك توك".. وليطالع بخط أصغر، تفسيراً لا يقل غرابة عن الاسم: "محطة القصص المصورة".
التناقض الدلالي تم التعبير عنه بذكاء، بين العلامة، "توك توك"، التي تحيل مباشرة للعشوائية المقلقة للنظام، لخرق قانون المرور السياسي والفني، للأطفال الذين يتولون القيادة "الجمالية" بدلا عن "الكبار"، دون "رخصة" من مؤسسة، وبين الصورة، التي تجسد السلطة، وهي تسجل عقابها المنتظر ضد المخالفة "الجمالية".
كانت الحوائط الفقيرة مكان الدعاية المتاح، الذي لن توفره الأحياء "النظيفة".. وفي التاسع من يناير، اكتظ الشارع الضيق المواجه لتاون هاوس بشباب اصطفوا ليشتروا النسخ الأولي من المجلة الواعدة في حفل توقيعها، يستنشقون الهواء المتوتر لمدينة مختنقة متحفزة، ستندلع ثورتها بعد نحو أسبوعين.
كانت "توك توك" إذن تفتتح العام، حالمة ب"زحمة من القصص المصورة" كما أكد أصحابها في افتتاحية العدد.. زحمة ما لبثت أن تحققت، سواء بتوالي الصدور المنتظم للمجلة، (أربعة أعداد حتي الآن) أو بظهور تجارب "صديقة".
قبل أن ينتهي العام، كان سوق الكتاب، الراكد علي مستوي الأنواع الأدبية المتعارف عليها، قد استقبل مجلة أخري، وروايتين، ومجموعة قصصية، بل وديوان، تنتمي كلها لفن الكوميكس.
كأن الثورة حررت "الكوميكس"!.. فعام الثورة أكد علي حضور "الفن التاسع"، أو علي ضرورة حضوره، في سياق"فن شعبي" تتطلبه اللحظة، وتسمح برواجه.. مثلما فعل العام المختلف الشئ نفسه مع الجرافيتي. هكذا قدم الكوميكس نفسه في عام الثورة، بطلاً بعد أن كان ضيف شرف في السنوات القليلة الماضية، عبر كل الأشكال المتاحة، مقدماً تنوعاً كبيراً، وتراوحاً أيضاً في الجودة بطبيعة الحال.
علينا أن نلتفت لعدة ملحوظات دالة.. فكل هذه الأعمال صدرت إما عن دور نشر خاصة أو بجهود صانعيها، وأغلب هؤلاء في العشرينيات من العمر أو في مطلع الثلاثينيات، ومن يعملون بالصحافة منهم، ينتمون لصحف مستقلة.. إجمالاً، نحن أمام صناعة لا مكان فيها للشيوخ أو المؤسسات الرسمية، وأعتقد أن بقاءها هكذا سيكون أمراً جيداً ومطلوباً، لكي يظل هذا الفن الجاد خارج التدجين والأرواح التقليدية.
صورة مدينة ترانا ولا نراها
في العدد الأول من مجلة "توك توك"، دشن "التكتكيون" مطبوعتهم، راسمين فلسفتهم: " في ضواحي القاهرة الزحمة وشوارعها.. التوك توك ماشي بركابه.. وكل واحد مشواره.. تعمل توك توك علي تكوين زحمة من القصص المصورة، مرسومة بروح حرة ومعاصرة، ومحررة بأيدي رساميها أنفسهم".
شناوي، مخلوف، هشام رحمة، أنديل، توفيق.. مؤسسو المجلة وممولوها، أهدوا العدد الأول من محطتهم لروح الفنان الكبير محي الدين اللباد، الذي يبدو تأثيره واضحاً علي روح المطبوعة، التي استفادت من تجربته الثرية، وبالذات فيما يخص تطوير الخبرات الطباعية للرسام .
توك توك بدت لي بالفعل مجلة المدينة، لكن المدينة "غير الرسمية"، مدينة الشوارع الضيقة والعشوائيات المنسية والزحام.. مدينة الوجوه الكالحة المعروقة والأحلام البسيطة المغدورة. لا مكان في توك توك للبطل المنتصر، لا وجود للسوبر هيرو. "التوك توك"، ذلك الكائن العشوائي الصغير، يواجه، بتحركاته المربكة غير المتزنة، بمراهقته النزقة، السيارات الفارهة والشاحنات الضخمة.
النقد الاجتماعي والسياسي هدف مباشر للمجلة كما يتضح في جل نصوصها المتعالقة بعمق بالواقع المصري. الثورة المصرية، التي أهدي العدد الثاني من المجلة لها، "لأرواح الشهداء وأبطال مصر الشجعان"، هي محور العديد من القصص، بمعالجات مختلفة، وكذلك اللغط السياسي في الشارع، من إشكاليات الحكم العسكري، والدستور، والانتخابات البرلمانية والرئاسية، كل هذه موضوعات حاضرة في المجلة، المنحازة في النهاية للفرد الهامشي والمنسي، المتسائل، والذي يفشل مرة بعد أخري في الحصول علي إجابة حقيقية.
كذلك تستلهم المجلة شخصية شهيرة هي "السنافر"، ليعاد تمصيرها، من خلال "مخلوف"، الذي يجعل السنافر هم المصريين، بكل طوائفهم وانتماءاتهم، فيظهر سنفور المثقف، وسنفور المواطن، وسنفور الإسلامي، وسنفور العسكري.... إلخ. وتخصص المجلة في كل عدد بورتريه لمطرب ثوري، مثل الجزائري "أمازيغ كاتب"، والمالي "تكن جاه فاكولي، بما يؤسس لذائقة خاصة في الغناء الثوري.
المجلة لم تغفل "آبائها الشرعيين"، مؤكدة انحيازاتها لمن يصلحون "آباء" لدمها الشاب. العدد الأول، أهدي إلي محي الدين اللباد، وخصص له ملفاً.. واستقبل العدد الثاني المجلة ملفاً لحجازي ولعمله الملهم "تنابلة السلطان" الذي كان رائداً في تأسيس كوميكس مصري، أما العدد الثالث، فشهد الاحتفاء بأب أكثر شبابا، وربما لا يلتفت له الكثيرون، هو "خالد الصفتي" وتجربته "فلاش" التي أثرت في قطاع عريض من رسامي الكوميكس اليوم، ممن قرأوه أطفالاً في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
العدد الرابع من توك توك، تجرأ ليستفز قارئه، أو ليواجهه بما يجب أن يكونه إن أراد أن يكون "تكتكياً"، عبر "استيفا" دشنت للعدد: "عارف هترشح مين في دايرتك؟ جددت بطاقتك الشخصية؟ دبحت في العيد؟ دورت ع الجزمة مع اللي دوروا؟ شيرت أي فيديو ع الفيس بوك؟ شفت فيلم تان تان؟ لو كانت معظم إجاباتك لأ، برجاء إعادة هذا العدد للبائع، علشان كدة هتبقي من القوم التانيين". ورغم أن معظم إجاباتي جاءت ب"لا"، إلا أنني لم أعد العدد للبائع، وقرأته كالمنبوذ!.

اعرف حقوقك
الدشمة هي أول مجلة في الدنيا يصدر عددها الثاني دون أن يصدر منها عدد أول!.. السبب، كما أعلنه صناعها، هو أنهم كانوا أعدوا عددها الأول، لكنه لم يصدر بسبب قيام الثورة.. وبعد نجاحها، كان لابد وأن يصدر عدد جديد. الملفت، أن جهة إنتاج المجلة هي "مركز هشام مبارك للقانون ".. وهو مؤشر بالغ الأهمية علي قدرة الكوميكس علي التعريف والتأثير فيما يخص حقوق الإنسان، والتفات جهة قانونية حقوقية لذلك.
أحد مؤسسي المجلة هو "مجدي الشافعي"، صاحب الرواية المصورة "مترو" التي تعرضت لمتاعب كثيرة في عهد النظام السابق، انتهت بمصادرتها ومقاضاة صاحبها. كذلك ضمت المجلة عدداً من الكتاب القادمين من منطقة الأدب، مثل "نائل الطوخي" و"أحمد ناجي"، أما ما يحسب للتجربة بشكل حقيقي، فهو تقديم أسماء جديدة في مجال الكوميكس، ومن خارج القاهرة، فحضر فنانون من الإسكندرية والإسماعيلية والشرقية.. وهو مؤشر جيد علي توسيع رقعة المشتغلين في فن الكوميكس، خاصة وأن أغلب ورش الكوميكس وفعالياتها تقتصر حتي الآن علي العاصمة.
خروج مجلة علي هذا النحو من جهة حقوقية، يأتي في ظني كخطوة حقيقية لتقريب المسافة بين الشارع والمبادئ الحقوقية غير الموجودة حتي علي مستوي التعاملات بين الناس، عبر عمل فني مسل وممتع. الأمنية الوحيدة لدشمة أن تنتظم في الصدور، حتي لا نضطر لقراءة العدد الرابع قبل صدور الثالث!
خارج السيطرة
قبل عدة أشهر، اجتمع 19 كاتب ورسام علي قلب فنان واحد، مؤسسين لورشة عمل بعنوان "كادرات". كان الهدف الخروج بعمل جماعي، مشروع متسق له رؤية وتصور عن القصة المصورة، لكنه لا يلغي التنوع. بعد عدة أشهر من العمل خرج كتاب يحمل عنواناً دالاً: "خارج السيطرة". أفضل ما في المسألة أن الورشة عملت منذ البداية مع الناشر "فاطمة البودي" والمحرر العام للكتاب، "أشرف يوسف"، بحيث يتحقق التكامل بين العناصر مبكراً.
الغلاف سواد سادر، ما يوحي بعالم قاتم، لا يعد بالبهجة المتوقعة لكتاب قصص مصورة.. ولا يحتفي بالرسم علي صدره، رغم أن الرسم هو بطل الكتاب. اكتفي الغلاف بتفصيلة صغيرة للرسام هشام رحمة، قبعت علي استحياء في قاع الغلاف. العنوان المكتوب بالأصفر وبيانات الكتاب المكتوبة بالأبيض، مع الخلفية، انحازت لتقشف لوني واضح، هو في الحقيقة موقف جمالي.. فليس الكوميكس غابة من الألوان، لكنه استغلال عميق لرقعة ألوان المحدودة، تظل قادرة علي إعادة رسم العالم غير المتسق في ألوانه المبهرجة.
العالم الموزع علي القصص في الكتاب، هو بالفعل عالم قاتم، يحتله أشخاص ضائعون: مجانين ومساجين، أشخاص هامشيون مسحوقون. المثير للملاحظة في نصوص الكتاب، أنها كلها استُبِقت بتصديرات، لكتاب وفلاسفة وفنانين، كأنها أرادت التأصيل الفكري والفلسفي لعوالمها، وربط القصص التي قد تبدو بسيطة في ظاهرها بمعان أبعد. إنه ولع بالتأصيل، عبر الأفكار المجردة، القادمة من عالم اللغة الطبيعية، للعالم التشخيصي المتجسد الذي تعكسه الصورة. من هذه التفصيلة تجلت إحدي معالم "الورشة" أو الاشتغال الجماعي علي الأفكار، بمحاولة قراءتها أولاً ثم تحويلها لحكايات مرسومة. إنه تأصيل آخر، ربما، لفكرة أن الكوميكس ليس فقط فنا "خفيفا" هدفه التسلية والإمتاع، لكنه قادر علي التفاعل مع عدد من الأسئلة الوجودية المشتبكة بالأسئلة المجتمعية والسياقية المباشرة.
تبدو قصة "السجن" التي كتبها ورسمها "هشام رحمة" في ظاهرها مجرد نص كابوسي لشاب سجين يحلم بالخروج من محبسه، وعندما ينجح، يقرر الهرب من مصر علي سفينة، فيغرق. قصة يعرفها واقعنا الحزين جيداً، لكن النص في الحقيقة تعامل مع النص بعدد من الآليات عمقت أبعاده الفنية. فالعالم السوداوي الذي نجح "رحمة" في رسمه، اتخذ شكل العبث، وبدا "كافكاوياً" في إعتامه، بحيث يقدم السجين ببساطة طلبا للخروج. النص يمنح السجن بعدا فلسفيا، عبر صوت يعلق علي المشهد الأول" سهل قوي انك تتخلق جوه السجن لكن صعب إنك تخرج منه.. زي ما كل حاجة وليها ريس.. كمان السجن ليه ريس.. قاعد فوق.. واحنا تحت ملناش علاقة بالريس اللي فوق". ثمة بعد ميتافيزيقي هنا، يحيل إلي الدنيا كسجن، إلي السلطة البوليسية كسلطة إلهية، الفرد سجين الدنيا يبدو متورطاً في محاولة يائسة للهرب من إلهه، تنتهي حتماً بالموت.
علي جانب آخر، حضر تيار أكثر انخراطاً في الحياة الواقعية للمصريين، يدلف مباشرة إلي مشكلات كالفقر والبطالة وعلاقات العمل الجائرة.. وبحيث جاءت التجربة إجمالاً منفتحة علي السياقين الكبيرين اللذين يحياهما الفرد، سياق الوجود الداخلي الذي يتوهم العالم، والوجود الخارجي الذي يحول الفرد الواقعي نفسه إلي وهم.

قصائد في بالونات
قبل أيام، ظهر علي أرفف المكتبات غلاف ملفت، لا يشك من يراه أنه لكتاب كوميكس، فهو يضم "كادرين" مرسومين، ويتمتع بقطع مميز، لكن الكتاب في الحقيقة عبارة عن "ديوان مصور". "لاعبيني والاعبك"، كما يعلن الغلاف، " قصايد كوميكس مصري"، للشاعرة "أماني سعيد محفوظ، أصدرته دار العين، والتي يبدو أنها بدأت تولي اهتماماً خاصاً بالكوميكس.
القصائد، تتبني منطق النقد الاجتماعي والسياسي بروح تقترب أحياناً من الزجل وأحيانا أخري من الأغنية. الثورة وأجواؤها ممثلة في قصائد عديدة، مثل "غزوة بغال" التي تتناول بحس نقدي لاذع وساخر موقعة الجمل، وغيرها.
لست هنا بصدد تحليل عميق للقصائد نفسها وجمالياتها، أو درجة "شعريتها" المتراوحة بين قصيدة وأخري، لكن الأهم بالنسبة لي في هذا السياق هو طبيعة المغامرة نفسها، وإلي أي مدي نجحت في تقديم تجربة "عضوية" في اشتباك النص الشعري المكتوب بالنص البصري المرسوم. بالتأكيد ثمة جهد واضح في مواءمة العالم البصري للقصائد المكتوبة، واختيار "الكاركترات" التي تخرج القصائد من بالونات علي ألسنتها.. لكن بدا لي في المجمل أن هناك نوع من الانسجام المفتقد علي مستوي الشخصية الفنية الأشمل للعمل البصري. الحالة "التجميعية" لرسوم عالمية من قصص كوميكس شهيرة مثل "تان تان" و"أليس في بلاد العجائب" وغيرها قلصت كثيراً من خصوصية التجربة "المصرية" والمكتوبة "بالعامية" بالذات.. وكان من الأفضل من وجهة نظري إعداد الكتاب فنياً عبر رسام مصري ينقل روح القصائد عبر أسلوب واحد، ويسعي ليس فقط للعثور علي معادلات بصرية من خارج النصوص، لكن لخلقها من داخلها، ولتعميق البنية الدرامية للقصائد عبر سيناريوهات حقيقية.
81يوما.. وروايتان
روايتان مصورتان، تتناولان بشكل مباشر أحداث ثورة 25 يناير، وتشتركان، تقريباً، في العنوان نفسه. الرواية الأولي، "18 يوماً"، كتبها محمد هشام عبية ورسمتها حنان الكرارجي، وأصدرتها دار جديدة هي "كوميكس"، هي أول دار مصرية وعربية متخصصة في إنتاج الكوميكس، وهي خطوة جيدة في اتجاه إنتاج الكوميكس عبر ناشر متخصص. الرواية الثانية، " 18 يوم في التحرير"، كتبها "رامي حبيب" ورسمها "أحمد سليم"، وأصدرتها دار روافد. تتناول الرواية الأولي أربعة أشخاص نزلوا للميدان، كل منهم قادم من منطقة ثقافية مختلفة.. يوسف، أدهم المقيم بهولندا والذي يقرر العودة لمصر ويستشهد في التحرير، مريم الفتاة القبطية، ومسعد الشاب الإخواني. أراد عبية أن يحول فكرته الذهنية إلي شخصيات ناطقة وحدتها اللحظة الثورية. الرواية تحفل بحس تسجيلي واضح، وتوثق لأبرز الأحداث التي جرت خلال الأيام الثمانية عشر.. وحتي لحظة التنحي.. وأستطيع أن أتفهم ما فيها من مباشرة تسبب فيها الولع الواضح بالتسجيل، حيث يكاد الحس التسجيلي يطغي علي الحس الروائي الحقيقي. الأمر نفسه مع الرواية الأخري " 18 يوم في التحرير" المتشابهة في المعالجة "التسجيلية" للحدث، وإن اختلفت أسماء الأبطال.. ويعلن الغلاف الداخلي لها أن "تامر فتحي" تولي ترجمة الحوار فيها وصياغته، ما يعني أنها غير مكتوبة بالعربية في الأصل. المعالجة البصرية ربما صنعت الفارق الفني الأوضح بين العملين عبر اقتراحين للصورة. اتكأت رسوم حنان الكرارجي علي قدر واضح من التشخيص مع لمسات من التضخيم والتحريف لا تخلو من كاريكاتورية، خاصة مع التجسيد المباشر لشخصيات مثل حسني مبارك، زكريا عزمي، صفوت الشريف، علاء وجمال وسوزان، عمر سليمان، محمد البرادعي وغيرهم.. تاركة للشخصيات المتخيلة لمسة من أسلوب "المانجا" ياباني المنبع التي تميز الرسوم اليابانية. الرواية الثانية اتكأت بصرياً بشكل واضح علي الظل والنور، ورسم "أحمد سليم" الشخصيات والأماكن معتنياً بالبعد الثالث في الصورة، ما جعل شخصياته أقرب للشخصيات المصممة المجسدة، ومنح الأماكن قدراً من العمق.
في النهاية.. جاء مرور عام علي الثورة، ليدشن مرور عام حافل بالكوميكس.. فالحياة، أيضاً، قصة مصورة.. ناس تتكلم فتخرج من أفواهها "بالونات" معبأة بالكلمات.. تتحرك من كادر لآخر كأنها تخرج من سجن لآخر.. باحثة عن حريتها، رغم أنها في نهاية المطاف، لو خرجت من "البراويز".. ستخرج من المشهد.. ستغادر القصة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.