ما هو إحساسك عندما تجد نفسك فى خندق واحد مع جماعة إرهابية ثار ضدها الشعب ونجح فى الإطاحة بحكمها وأصرّ ويُصرّ على محاكمة قياداتها فى قضايا خطيرة تتعلق برعاية قتل وتعذيب المتظاهرين المسالمين المعارضين، ومباركة قتل المخالفين فى الدين والمذهب، واعتماد تكفير المخالفين معهم فى السياسة، حتى أصحاب نفس دينهم، وعندما تقع المذابح غير المسبوقة فى تاريخ البلاد ويجرى تسجيلها بالصوت والصورة يكون الهدوء التام وتجميد الإجراءات واجبة الاتباع، مع إيحاءات تنمّ عن الرضا والاطمئنان؟ ومن جرائم هذه الجماعة أيضاً احتضان الإرهابيين والدفع بهم إلى صدارة المشهد، واستغلال النفوذ الرسمى للإفراج عن القتلة والسفاحين المدانين فى أحكام القضاء، والتفريط فى أرض الوطن بالمقايضة على الاستمرار فى الحكم، وتزوير الانتخابات، وفبركة دستور بالتفصيل لصالحهم، والعدوان على القضاء، والاستيلاء على وسائل الإعلام المملوكة للشعب، من تليفزيون وصحافة، وتسخيرها فى خدمات الدعاية لحكمهم وزعمائهم والنيل من خصومهم السياسيين، ورفضهم التام للامتثال لمبدأ المساواة التى يفرضها القانون على التنظيمات المماثلة فى التأسيس والرقابة على ممارسة الأنشطة، وغموض تمويل تنظيمهم، وخضوعهم لقرارات مريبة من خارج الوطن، وتعمُّد الاستمرار بمنطق المنظمات السرية فى بناء التنظيم بهيكلية غير معلوم آلياتها، حتى إن إجراءات التصعيد فى المستويات التنظيمية يجهلها الأعضاء، إلا النفر المتحكم على القمة؟! وفوق كل هذا يكون الفشل المدوى فى إدارة شئون البلاد وفى توفير الاحتياجات الأساسية لحياة المواطنين، مع الإخفاق التام فى توفير الأمن العام وأمن الأفراد..إلخ إلخ أنت الآن تقف مع هذا التنظيم كتفاً بكتف، وهذا يعضد مركزه ويُجمِّل صورته أمام حلفائه فى الخارج، بل قد يجعل بعض البسطاء فى الداخل يخففون من حدة الخصومة التى رفعوها ضدهم، فيسعد مَن فى الخارج وينخدع من فى الداخل بأن التنظيم لا يزال قادراً على أن يكتسب ثقة جماهيرية، وأنت توافق على أن تخدم أولوياته التى حسبها هو وفق مصلحته ومصلحة من يؤيدونه فى الخارج! قرروا هم أن يخوضوا معارك تعرقل المرحلة الانتقالية، لأن الانتقال إلى مرحلة بناء مؤسسات الدولة بعد الإطاحة بهم يعنى الإعلان الواضح أمام العالم كله لفشلهم ولضياع الفرصة شديدة الاستثنائية التى سنحت لهم لأول مرة فى تاريخهم والتى يصعب أن تتكرر فى المدى المنظور، إضافة إلى تبديد حلم قوى دولية عظمى، ودول إقليمية حالمة بدور، كانوا جميعا يعقدون الآمال على الجماعة فى تنفيذ المخططات الرامية إلى فرض هيمنتهم من خلال إجراءات تدميرية، فقرروا أن يفجروا الموقف ضد قانون التظاهر الذى هو أفضل من مشروعهم الذى سعوا لتمريره ولم يأبهوا لأى وجهة نظر أخرى، وها هم يحتفلون بحرق مشروع الدستور الجديد الذى هو أفضل من دستورهم بلا نزاع! الخلاف الجذرى، فى هذا السياق، بين الثورة والجماعة، هو أن الثورة ترى أن قانون التظاهر الجديد لا يختلف عن الكوارث المتعددة التى هبّ الشعب ضدها، ويكون الموقف ضده من خلال النضال الكبير من أجل تحقيق أهداف الثورة التى من أهمها حالياً أن نعبر المرحلة الانتقالية بسلام، وسوف يكون من أول مهام مجلس النوّاب الجديد مراجعة جميع القوانين التى صدرت فى ظل المرحلة الانتقالية، ومنها هذا القانون، وللبرلمان الجديد أن يُبطل منها ما يشاء أو أن يُعدِّل أو يُجيز. بما يعنى أن مهمة انتخاب برلمان يمثل الثورة هى أول مهام المرحلة بعد تمرير الدستور الجديد بنسبة تزيد عما حصل عليه دستور الجماعة الباطل. ولكننا نعيش الآن واقع المفارقات الغريبة، فها هو واحد من أعلام فلاسفة الجماعة الداعمين لها من خارجها، وهو كبير الطهاة لطبخة اصطياد الثورة فى دوامة الانتخابات أولاً وتأجيل الدستور حتى تصبح السيطرة على فبركته ممكنة، يطلع هذه الأيام لينعى على الأمة قانون التظاهر الجديد، ولا يُلمّح بكلمة واحدة إلى قانون جماعته الأسوأ، ويعيب على لجنة الخمسين التى أصدرت الدستور الجديد أنها لجنة مُعيَّنة غير منتَخَبة! وهل كانت لجنته للتعديلات الدستورية منتخبة، وهل يعتبر تشكيل جمعية المئة تحت سطوة الإخوان منتخبة بالفعل حتى بعد أن فضحتها أحكام القضاء؟ وهل كان انسحاب كل ما عدا تيار واحد علامة توافق؟! لقد وصل الأمر برئيس جمعيتهم الدستورية أنه لم يكن يكترث بطابور المنسحبين حتى أنه تهكم مرة موجهاً الشكر لواحدة من المنسحبين أنها غادرت!! يبدو أن هنالك خطة لتشتيت طاقة بعض شباب الثورة باستدراجهم فيما يبدد أصواتهم فى الاستفتاء على الدستور، بإفشاء فكرة الامتناع عن التصويت، إذا لم يكن من الممكن التصويت بالرفض، وهذا يعود بالفائدة على الإخوان وحلفائهم الذين سوف يصطفون يوم الاستفتاء للتصويت بلا، مهما كانت ادعاءاتهم بالامتناع عن التصويت، وعلى الناحية الأخرى تشتيت طاقة هؤلاء الشباب فى مثل التفانى فى محاربة قانون التظاهر بما يبعدهم عن الانخراط فى معركة الانتخابات البرلمانية التى يستعد لها الإخوان وحلفاؤهم من الآن. كان ينبغى أن ينصَبّ الاهتمام حالياً على وضع النظام الذى يحقق انتخابات حرة نزيهة وتوفير شروط وضمانات أن تكون النتائج مُعبِّرة حقاً عن إرادة المواطنين، والترويج لانتخاب العناصر صاحبة الفكرة الثورى، ليأتى برلمان يمثل الثورة يكون على رأس أولوياته أن يراجع كل التشريعات التى صدرت فى المرحلة الانتقالية ويُبطل المعيب منها، وسوف يكون قانون التظاهر فى صدارة ما ينبغى إلغاؤه. [email protected]