رفض تقسيم الأجسام الطبيعية إلى مادة وصورة، كما تفعل معظم الفلسفات اليونانية، كما رفض الغايات أو الأهداف، سواء كانت غايات ذات طبيعة إنسانية أو إلهية لتفسير الظواهر الطبيعية، أما في الإلهيات فقد دافع عن الحرية المطلقة لفعل الله أثناء الخلق، كما أسهم في الشك المنهجي، واستهدف في شكه الوصول إلى اليقين؛ وأسباب الشك لديه أنه يلزم أن نضع موضع الشك جميع الأشياء بقدر الإمكان، إنه العالم الفرنسي الشهير ومؤسس الفلسفة الحديثة ومؤسس الرياضيات الحديثة، "رينيه ديكارت"، والذي يعتبر أهم وأغزر العلماء نتاجًا في العصور الحديثة. ولد ديكارت في لاهاي، وهي بلدة صغيرة بمنطقة التورين بفرنسا، وماتت أمه بالسل بعد ولادته بأيام قلائل، وورث عنها المرض، وكان في صباه شاحب اللون، يسعل سعالًا يثير الشفقة، إلى أن أيقن الطبيب المعالج له أنه سيفارق الحياة، إلا أن مرضعته لم تتخلى عنه على الرغم من ما قاله الطبيب، بل على العكس أمدته بالدفء والغذاء من جسدها، وربما سمي لهذا السبب، باسم رينيه "وهي كلمة مشتقة من أصل لاتيني بمعنى ولد من جديد"، وكان والده محاميًا موسرًا، وعضوًا في البرلمان، وترك لابنه عند وفاته دخلًا يُقدر بستة آلاف فرنك في العام. برر "ديكارت" الشك من خلال تلقيه الكثير من الآراء الباطلة وحسبها صحيحة، فكل ما بناه منذ ذلك الحين من مبادئ على هذا القدر من قلة الوثوق لا يكون إلا مشكوكا فيها، لذلك طرح فكرة البدء بكل شئ من جديد وأن يُعاد النظر إلى الأسس الذي يقوم عليها البناء، مثل المعطيات الخاصة للحواس، مشيرًا إلى أن الحواس تخدعنا أحيانا والأفضل الا نثق بها، أما الأشياء العامة كالعيون والرءوس والأيدي التى يمكن أن تتألف منها الخيالات يمكن أن تكون نفسها خيالية محضة. يُعارض ديكارت الكثير من أفكار أسلافه، ففي مقدمة عمله عاطفة الروح، يذهب بعيدًا للتأكيد أنه سيكتب في هذا الموضوع حتى لو لم يكن أحد سبقه لطرح هذا الموضوع، بالرغم من هذا فإن العديد من الأفكار توجد بذورها في الأرسطية المتأخرة والرواقية في القرن السادس عشر أو في فكر أوغسطين. كان لأعمال ديكارت بعض الأثر على الأدب والفن في فرنسا، فقد كان أسلوبه ابتداعًا منعشًا، وكانت فلسفته بلغة قومية في متناول الجميع، وقلما يتحدث فيلسوف بمثل هذه الألفة الساحرة وهو يعدد مغامرات العقل وتجاربه المثيرة بمثل السلاسة والحيوية التي يعدد بهما فرواسار وبطولات الفروسية ومآثرها، ولم يكن كتاب "مقال في المنهج" مجرد رائعة من ورائع النثر الفرنسي، بل إنه كذلك ضرب، للعصر الزاهر في فرنسا، مثلًا في لغته وأفكاره، للترتيب وبراعة التفكير والاعتدال في الآداب والفنون والسلوك والحديث، وتلاءم توكيده على الأفكار الواضحة الجلية مع الذهن الفرنسي، وأصبح رفعة من شأن العقل أول قاعدة من قواعد الأسلوب الممتاز عند الناقد الفرنسي بوالو. وامتازت الدراما الفرنسية لمدة قرنين من الزمان ببلاغة العقل التي تنافس تمرد العاطفة والهوى وربما عانى الشعر الفرنسي بعض الشيء من ديكارت، فإن مزاجه وآلياته لم يتركا للخيال أو الأحاسيس سوى مجال ضيق، حيث أسهم ديكارت، عن غير قصد منه في ابتداع طراز جديد في الحياة الفرنسية، كما فعل في الفلسفة، وربما كان أثره في الفلسفة أعظم من أثر أي مفكر آخر قبل "كانت"، لقد استقى مالبرانش منه، وتتلمذ سبينوزا على منطق ديكارت، واكتشف نقاط الضعف فيه عند شرحه، وقلد "المناقشات" في نبذة عن سيرة حياته بعنوان "تحسين التفاهم"، وتبنى المثل الأعلى الهندسي في كتابه "الأخلاق"، وبنى بحثه في "استرقاق الإنسان" على بحث ديكارت "رسالة في انفعالات النفس".