باتت الولاياتالمتحدة فى لحظة انقسام سياسى غير مسبوق بين اليمين واليسار وبين المحافظين والليبراليين وبين أغلبية بيضاء غاضبة وأقليات عرقية ودينية حائرة..فالرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب من المتصور أن يترك بصمته على عمل الإدارة بحكم ترؤوسه السلطة التنفيذية وهيمنته على السياسة الخارجية، وفى حالة دونالد ترامب فإن أمامه نحو عامين كاملين فى ظل "حكومة موحدة" يسيطر فيها الجمهوريون على الرئاسة والكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب حتى إجراء إنتخابات جديدة للتجديد النصفى فى المجلس التشريعي، وهى فترة يمكن أن يفعل فيها الكثير من التغييرات بشروط أهمها اختيار فريق عمل كفء ومتجانس ويمكنه صياغة رؤية داخلية وخارجية تتناسب مع تصريحاته أثناء الحملة الانتخابية الساخنة. وبشأن التعامل مع العالم الخارجي، يبرز من فريق السياسة الخارجية والأمن القومى اسم الجنرال مايكل فلين وهو رئيس سابق للمخابرات العسكرية وتمت إقالته بعد انتقاده سوء إدارة المعلومات فى الحرب على الإرهاب أمام إحدى لجان الكونجرس ومن حينها وهو يكرس كتاباته ومشوراته السياسية على ضرورة إصلاح ما أفسده الديمقراطيون فى السنوات الثمانى الماضية خاصة ما يخص تداول المعلومات الاستخبارية بشأن جماعات الإرهاب حيث يشدد على وجود حاجز فى واشنطن يمنع تدفق المعلومات فى الاتجاهات الصحيحة لوجود روابط بين شخصيات نافذة وبين أشخاص ودول تدعم جماعات متشددة فى الشرق الأوسط. ويرجع فريق السياسة الخارجية للرئيس المنتخب ترامب أسباب توسع مكاسب تنظيم داعش إلى المواقف المضطربة للإدارة الأمريكية وعدم قدرتها على تحديد هوية العدو فى الشرق الأوسط. ويرى الفريق المعاون لترامب أن العدو الأول للولايات المتحدة وحلفائها فى المنطقة العربية هو التنظيمات الراديكالية التى تهدد كيان الدول ولا يجوز أن تراوغ واشنطن فى التعامل مع ظاهرة تنظيمات الإسلام السياسى وتصنف وفقا لمعايير مختلة تلك التنظيمات إلى معتدلة وأخرى متشددة أو متطرفة لأن المعين الفكرى واحد لكل تلك التنظيمات. ومن ثم، يركز فريق ترامب على محاصرة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين ونشاطها الدولى حيث يتوقع أن يتحرك مشروع قرار اعتبار الجماعة تنظيما إرهابيا قريبا فى ظل دعم ملحوظ من الجمهوريين وعدم رغبة فى معارضة التوجه فى صفوف الأقلية الديمقراطية، خاصة أن الإدارة الجديدة تولي اهتمامًا أكبر للاستقرار فى الشرق الأوسط أكثر من صنع السلام، وأن مصر هى الدولة التى يجب أن تقود فى اتجاه الاستقرار الإقليمي. استراتيجية الإخوان للتغلغل في أمريكا لم يقتصر نشاط جماعة الإخوان المسلمين على منطقة الشرق الأوسط، إذ استطاعت التمدد إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، ففي غضون سنوات قليلة، تمكن الإخوان المسلمون من التأثير في المجتمع الأمريكي عبر تأسيس شبكة ضخمة من المؤسسات الدعوية والإعلامية والبحثية والتجارية التي هيمنت على تمثيل الجالية الإسلامية في الولاياتالمتحدة. وفي هذا الإطار، تشير المحاضِرة بوزارة الأمن الداخلي الأمريكية والضابطة الأمريكية المتقاعدة "كاثي هينرز" في مؤلفها "الإخوان المسلمون: التهديد في الفناء الخلفي" إلى أن العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والولاياتالمتحدة بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي، وشهدت تطورًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، وبالتالي فإن تنامي نفوذ الجماعة وتغلغلها في المجتمع الأمريكي لابد أن يكون مصدر قلق لجميع الأمريكيين، موضحة أن أعضاء ومؤيدي الجماعة لم يتغلغلوا داخل الإدارة الأمريكية فحسب، ولكن في المؤسسات العسكرية والقانونية والتعليمية والدينية أيضًا. وثمة استراتيجية معينة - حددتها الكاتبة - تسعى جماعة الإخوان لتنفيذها من أجل إحكام سيطرتها على المجتمع الأمريكي، وتتمثل فيما يلي: أولًا: التسلل إلى الداخل: حيث ينتقل المسلمون بأعداد كبيرة إلى الدول غير الإسلامية، سواء من خلال الهجرة الشرعية أو غير الشرعية، مما أدى إلى زيادة أعداد المسلمين هناك، وبالتالي زيادة معدل المواليد من المسلمين، مما يؤدي إلى خلق صراعات ثقافية. وانتقدت الكاتبة سياسات إدارة أوباما؛ لتعاطفها مع الجماعات الإرهابية وتدعيمها، فضلًا عن إطلاق إدارة أوباما برنامج إعادة توطين اللاجئين الذي سمح للاجئين العراقيين بدخول الولاياتالمتحدة وكان بينهم عناصر تابعة للقاعدة. ثانيًا: توطيد السلطة: وهي من وجهة الكاتبة الأمريكية المرحلة الثانية والتي تعد نتاجًا لعمليات التسلل الإخواني للداخل الأمريكي، فكلما زاد النمو السكاني للمسلمين، اتسعت دائرة اختراق الجماعة في المجتمع، وتتجه جماعة الإخوان - خلال هذه المرحلة - إلى تأسيس قاعدة سياسية إسلامية، إذ شكَّلت مؤخرًا مجلس المنظمات الإسلامية الذي يتألف من 8 جماعات إسلامية، جميعها تنتمي للإخوان المسلمين، وفي هذا الإطار تدعو الكاتبة إلى ضرورة مراقبة عمل تلك المنظمات وسلوكيات أعضائها. ثالثًا: حرب مفتوحة: إذ تتصور الكاتبة الأمريكية أن المرحلة القادمة ستأتي بحرب مفتوحة بين الإخوان المسلمين والمجتمع الأمريكي تشبه ما يقوم به داعش في العراق وسوريا، مشيرة إلى أن الإخوان المسلمين يستغلون التبادل الثقافي وحوار الأديان من أجل الهيمنة الثقافية على المجتمع الأمريكي. وخلصت الكاتبة إلى أن جماعة الإخوان لم تعد مجرد منظمة في الولاياتالمتحدة، بل صارت مرتبطة بشبكات معقدة من المصالح والجماعات المتطرفة، ووفقًا للكاتبة الأمريكية، فإنه على الرغم من دعواتهم إلى التعايش والاعتدال والحوار بشكل علني، إلا أن أفكارهم تنطوي على ما يرسخ الاغتراب والانفصال الثقافي. وينتهي المحللون الأمريكيون إلى أنه يجب أن يتم تمرير مشروع قانون اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، الموجود فى المجلس التشريعى منذ ثلاث سنوات، بعد انعقاد الكونجرس الجديد سواء فى مجلس النواب أو الشيوخ. وفى حالة تمرير القانون ستوضع قيود على الجماعة فى الولاياتالمتحدة والجماعات المرتبطة بها أيضا والنظر فى الاعتبارات السياسية الخاصة بوجود جماعات خارجة من عباءة الجماعة، ومن المنتظر أن يحدد الرئيس ترامب التعريفات المتداخلة ما بين الإسلام وبين التنظيمات الراديكالية التي تتخذ من الدين ستارًا لممارسة العنف.